قالت مجلة "المونيتور" الأمريكية إنه بعد تعثر المفاوضات القائمة بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة الإثيوبي في التوصل لنتيجة واضحة لتقليل آثاره السلبية المحتملة على الأمن المائي المصري تتجه القاهرة بقوة الآن على الصعيدين السياسي والفني لكسب ود جنوب السودان. وأضافت "مصر تقدم مزيدًا من الدعم للدولة الجديدة في محاولة لتأمين مصالحها من مياه النيل القادمة من البحيرات الاستوائية التي تمر عبر أراضي جنوب السودان، حيث استقبلت رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت في 20نوفمبر الماضي في أول زيارة له للقاهرة، وتم التوقيع على عدة اتفاقيات للتعاون في مقدمتها تلك التي تتعلق بمجال الإدارة المشتركة بين القاهرةوجوبا لمياه النيل". وتابعت "تضمن الاتفاق المتعلق بإدارة مياه النيل بين القاهرةوجوبا، بنودًا تضع قواعد للشراكة والتعاون وآلياتهما من خلال إقامة هيئة مشتركة مصرية - جنوب سودانية لمياه النيل، وإيفاد بعثة ري مصرية دائمة، وإقامة مقاييس لمنسوب مياه النيل هناك، ومشاريع لاستقطاب فواقد المياه من بحر الغزال، مع تطهير المياه لتسهيل التدفق في النهر وحمايتها من الهدر". ونقلت المجلة عن وزير الموارد المائية والري حسام مغازي قوله: "اتفاقية التعاون الجديدة تحمل مزايا ومصالح للطرفين فهي المرة الأولى التي تتواجد فيها اتفاقية قانونية تنظم العلاقة بين القاهرةوجوبا في إدارة مياه النيل". وأوضح: "هدفنا الأساسي هو تنمية الموارد المائية في ولايات جنوب السودان، ووضع استراتيجية للتعاون المشترك الذي يحفظ الحقوق التاريخية لمصر وحق التنمية لشعوب النيل، وندرك أن لعلاقات التعاون مع جنوب السودان أهمية وطبيعة خاصتين". وقالت المجلة إنه "منذ التوقيع على الاتفاقية في القاهرة توجه وزير الموارد المائية المصري إلى جوبا مرتين الأولى في ديسمبر الماضي، والثانية في فبراير الجاري للتواصل من أجل الدفع بتفعيل الاتفاقية في أسرع وقت، ومتابعة تنفيذ البنود المتفق عليها من أجل إيفاد بعثة الري المصري لجنوب السودان". وأضافت أن "القاهرة قدمت منحة لا ترد إلى دولة جنوب السودان خلال انفصالها عن السودان عام 2009، بقيمة 26 مليون دولار، وهي عبارة عن مشاريع في مجال تنمية الموارد المائية في الجنوب، وإقامة مشاريع لآبار تخزين مياه الأمطار وسدودها لتوفير مصادر مياه آمنة لمواطني الجنوب". ونقلت عن رئيس قطاع مياه النيل في وزارة الموارد المائية والري أحمد بهاء قوله: "تم صرف نصف قيمة المنحة المصرية، ولا يزال العمل جار في مشاريع لحصاد مياه الأمطار والتدريب والدعم الفنيين". وعن عودة استكمال مشروع قناة جونجلي التي أوقفتها الحرب الأهلية في جنوب السودان بعد استكمال 70% من أعمال الحفر، في ظل تأكيدات المسؤولين بالجنوب عدم وجود نية للتفاوض في ظل الظروف السياسية غير المستقرة والرفض الشعبي، قال مصدر دبلوماسي مصري رفض ذكر اسمه: "لا تزال هناك نية قوية لدى القاهرة لاستعادة المشروع الذي يعد حلاً قوياً لزيادة إيرادات مصر من مياه النيل وسط التخوفات القائمة من تأثيرات السد على تدفقات المياه من النيل الشرقي إلى بحيرة السد العالي". وأضاف: "تؤكد الإحصاءات والدراسات الفنية أن جنوب السودان هو البديل الأقوى لزيادة مياه النيل، لكن لا يزال الطريق طويلا لتطويع هذه الدراسات سياسيا ودبلوماسيا وتحقيق نتائج فعلية تسمح بتأمين مصالح مصر المائية". ورأت المجلة أنه "رغم محاولة القاهرة سلك طرقا موازية لتأمين مصالحها المائية إلى جانب استمرار التفاوض مع إثيوبيا لتقليل المخاطر المحتملة من سد النهضة وهو قيد الإنشاء على مجرى النيل الأزرق، إلا أن خبراء فنيين أكدوا أن هذه الخطوات قد تكون مضيعة للوقت، مطالبين بضرورة الدفع السياسي بقوة للضغط على إثيوبيا للحصول على ضمانات حقيقية بعدم التأثر سلبا جراء إنشاء السد". ونقلت المجلة عن وزير المياه الأسبق وأستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة محمد نصر الدين علام قوله: "لا يمكن أن يكون جنوب السودان بديلا عن إثيوبيا لتأمين الحصة السنوية لمصر من مياه النيل، خاصة وأن مصر تحصل على 15% فقط من حصتها المائية من النيل الأبيض الذي يمر عبر أراضي جنوب السودان بينما تأتي النسبة الأكبر من الهضبة الإثيوبية". ويرى علام أنه لا يزال أمام جنوب السودان وقتاً طويل كي تتشكل نتائج حقيقية للتعاون وكل التحركات المصرية هي مجرد حلول على المدى الطويل للتحايل على المشاكل التي ستنتج جراء السدود الإثيوبية". وقالت "لا تزال القاهرة تنتهج سياسة طرق كل الأبواب في تعاملها مع ملف مياه النيل، وتأمين مصالحها في الحصول على الحصة السنوية المقدرة ب 55.5 مليار متر مكعب، والتي حددتها اتفاقية 1959 الموقعة مع السودان، في ظل تهديدات مستمرة بدأت مع الاتجاه الإثيوبي القوي إلى التوسع في إنشاء السدود على مجرى النيل لاعتبارات تنموية، والرفض السياسي لبقية دول منابع النيل لنظرية الحقوق المطلقة لمصر في مياه النيل".