مع انطلاق العام الدراسي في سوريا دخلت البلاد في مرحلة جديدة من الانتفاضة على وقع دخول التلاميذ والطلبة الذين يُشكِّلون ربع سكان الشعب السوري على خط التظاهر، وارتفاع نسبة التسرُّب الدراسي التي وصلت إلى حد توقف الدارسة كلياً في المناطق الأكثر سخونة من سوريا حسب ناشطين. وسط حالة اقتصادية متردية تعيشها البلاد وارتفاع كبير في الأسعار ما أثَّر سلباً على التعاطي مع بدء العام الدارسي الجديد لهذه السنة في سوريا. ومنذ اليوم الأول للعام الدراسي الجديد في سوريا مطلع الأسبوع الحالي، بدأ الناشطون يبثون مقاطع لمظاهرات تُظهر طلاباً باللباس المدرسي، يتظاهرون ضد الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في مدن سورية عدة مطالبين برحيله، وترديد عبارات من قبيل "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس" و"لادراسة ولا دوام حتى يسقط النظام"، ترددت في بعض الأحيان على لسان تلاميذ المرحلة الابتدائية الذين خرجوا في مظاهرات حملت لافتات تندد بقتل تلاميذ على أيدي قوات الأمن. وقد سجلت مدن سورية مثل درعا وحمص وجبل الزاوية مظاهرات يومية لطلاب مدارس رفض بعضهم الالتحاق بالعام الدراسي الجديد، وهو السبب ربما الذي كان قد دعا الحكومة إلى تأجيل موعد افتتاح المدارس نحو أسبوعين، في محاولة للسيطرة على الاحتجاجات. مع توقعات أن تشهد انطلاق الدراسة في الجامعات في 22 من شهر سبتمبر/أيلول الجاري أيضاً تظاهرات حاشدة، على اعتبار أن نسبة كبيرة ممن حرّكوا الانتفاضة السورية كانوا طلبة جامعيين. نسبة تسرُّب كبيرة وسجلت سوريا نسبة دوام منخفضة خلال الأسبوع الأول من الدراسة، وتحدثت صحيفة الوطن المقربة من الحكومة السورية عن ارتفاع نسبة الدوام في مدارس ريف دمشق إلى 60% خلال منتصف الأسبوع، فيما لم تتجاوز هذه النسبة 45% في اليوم الأول من العام الدراسي حسب الصحيفة. منوهة إلى تعميم وزارة التربية السورية قراراً إلى مديرياتها في المحافظات بضرورة تأكيد الدوام الرسمي وفق القانون الأساسي للعاملين في الدولة واتخاذ الإجراءات اللازمة جميع مدارس التعليم الأساسي والثانوي والمعاهد ورياض الأطفال، مما يدل على أن الحكومة السورية تعاني من نسبة كبيرة من التسرب. وأكد ناشطون ل"العربية.نت" أن مناطق في ريف دمشق، مثل دوما وداريا والمعضمية والزبداني ومضايا سجلت نسبة حضور طلاب لم تتجاوز 40% خلال الأسبوع الحالي، مؤكدين أنه وبعد حضور ساعتين أو ثلاث من الدوام، يخرج من يحضر في مظاهرات تنطلق من المدارس وتتوجه إلى ساحات عامة أو شوارع كبيرة تترافق مع حرق كُتب "التربية الوطنية" التي تتحدث عن حزب البعث وتحتوي صور الرئيس بشار، ويهتفون بإسقاط النظام. وهذه النسبة المتدنية من الحضور سُجلت نسب أكثر تدن منها في المناطق الأكثر سخونة حسب الناشط السياسي محمد فيزو عضو تنسيقية جسر الشغور وعضو الهيئة العامة للثورة السورية، الذي تحدث عن نسبة حضور تراوحت بين 10 و15% في بعض مناطق جسر الشغور شمال سوريا، منوهاً إلى أن خوف الأهالي على أولادهم والانتشار الأمني المكثف وعمليات النزوح الكبيرة التي سجلت في مناطق عدة مثل الرمل الجنوبي أدى لانعدام الحياة الدراسية في المناطق الملتهبة. واعتبر فيزو أن تنامي شعور السوريين المعارضين لحكم الأسد بترهُّل النظام وحرص الطلبة والتلاميذ على وجوب مشاركتهم في "الثورة"، وسيطرة رجال الأمن على بعض المدارس، ساهم بشكل كبير في ارتفاع نسبة التسرُّب المدرسي في سوريا، وأن هذه النسبة المرتفعة من التسرُّب مؤشر كبير على وصول النظام إلى مرحلة من الضعف لم تمكنه من السيطرة على هذه الظاهرة، رغم تأكيد الحكومة السورية أن عملية التدريس في سوريا تجري بشكل طبيعي بعد استعداد وزارة التربية الكامل لافتتاح العام الدراسي الجديد. وهو ما أكده صالح الراشد وزير التربية في حديث للتلفزيون السوري الجمعة 16-09-2011 من أن الوزارة أنهت استعداداتها لافتتاح العام الدراسي الجديد بعد أن واكبت المؤسسات التربوية ومديريات التربية ومدراء الإدارة المركزية التحضيرات على مدار الصيف سواء لجهة تحضير البناء المدرسي أو الكتب المدرسية أو المناهج الجديدة التي وضعت. اعتقال أطفال وإطلاق نار عليهم ولمحاولة القضاء على ظاهرة التسرُّب قال فيزو إن الأمن عمل في المناطق التي شهدت تظاهرات طلابية، على تشديد الخناق على المدرِّسين الذين اعتقل العديد منهم، وهو ما فاقم الأزمة حسب تعبيره. في وقت تحدث فيه ناشطون آخرون عن اعتقال شباب وأطفال بالزبداني ومضايا وداريا ودوما والمعضمية بريف دمشق، فيما قام الأمن بضرب واعتقال عفاف يوسف مديرة إحدى رياض الأطفال بمنطقة مضايا بريف دمشق أيضاً. كما نشر ناشطون على موقع "يوتيوب" مقاطع لقتيل في مدينة حمص وسط البلاد قالوا إنه مُدرِّس تم اعتقاله في وقت سابق. ومع حالات النزوح من المناطق الساخنة داخل سوريا وخشية الأهالي من إرسال أولادهم إلى المدارس وسط الحالة الأمنية المتردية، يخشى مراقبون من ضياع سنة دراسية لنسبة كبيرة من التلاميذ داخل سوريا، في ظل مصير مجهول لما ستؤول إليه الأحداث الجارية وتوقيتها. وهو ما سيلقي بظلاله على حوالي 6.5 ملايين طالب، أي ما يشكل نحو ربع سكان سوريا، إضافة إلى 390 ألف مدرس يتوزعون على 22500 مدرسة حسب مصادر حكومية. وقال ناشط من أحد المخيمات التركية في اتصال مع "العربية.نت" إنه رغم وجود صفوف تدريسية يقوم عليها أتراك وسوريون في المخيمات، إلا أن حوالي 2000 طفل سوري من طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية خسروا السنة التعليمية لأن الصفوف التدريسية في المخيمات ليست رسمية. أما فيما يخص طلبة الجامعات فإنهم تلقوا وعودا من الحكومة التركية بالسماح لهم بالدراسة في الجامعات التركية. وتأتي هذه الأحداث مع ارتفاع ملحوظ في الأسعار تراوحت نسبتها بين 30 إلى 40% وسط أزمة اقتصادية تشهدها البلاد جراء الانتفاضة التي تطالب بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وهو ما أيضاً زاد من زيادة معانة السوريين الذين لديهم النية بإرسال أولادهم للمدارس في العام الدراسي الجديد.