التشريعات المشبوهه

التشريع هو سن القانون التنظيمي لمواجهة حاجات المجتمع ولتحقيق آماله .. وكل تشريع لا بد من أن يكون له فلسفته وغاياته المشروعة .
لكن يحدث أحياناً أن يستخدم الحاكم آلة التشريع وهى البرلمان للضحك على الشعوب .. فيستخدمها مثلاً لسد العجز الاقتصادى الذى يرجع إلى فشله فى إدارة أمور البلاد والعباد .. فيقوم بتشغيل " الزمبلك " فيصدر البرلمان المزور عدة تشريعات يلم بها الأموال من جيوب الفقراء وحينما يتقرب أحد المتسلقين من السلطة .. فهى تصدر له تشريعات لخدمة الصناعة التى قام سيادته بالاستيلاء عليها من الشعب .. وحينما يريد الحاكم المستبد أن يحمى نفسه من الشعب .. فهو يصدر تشريعاً يكمم به الأفواه ويمنع الكلمة الصادقة من الظهور على وجه الأرض .
كل هذا كان يحدث فى زمن الطغيان .. وجرت العادة أن يكون عنوان كل تشريع جميلاً براقاً حتى يتم تصدير الوهم إلى الناس على عكس ما يقصده الحاكم من هذا القانون .. فتجد العنوان دائماً هو تعميق الديمقراطية مثلاً أو حرية الصحافة .. مع إن المسألة كلها ظلم فى ظلم يعنى " ظلم مربع " ..
وكان من أمثلة ذلك قانون النقابات المهنية الذى سنه الرئيس السابق لكى يكمم أفواه النقابات والذى ترتب عليه إجهاض الانتخابات فى عشر نقابات مهنية .. وأخيراً قضى القضاء الدستورى بعدم دستوريته .
وكان من أمثلة ذلك قانون حرية التعبير والصحافة والذى كان ينص على وجوب حبس الصحفى إذا فتح " بقه " أو أظهر لسانه .. ومع الأسف فما زال هذا القانون سارياً حتى الآن .
وكان من أمثلة ذلك قانون تخفيض رسوم الشهر العقارى والذى تسبب فى زيادة الرسوم على المواطنين الغلابة إلى عشرة أضعاف كاملة .. إلا أنه وفى ذات الوقت خفضها على القادرين فجعل الحد الأقصى لتسجيل القصور التى يصل ثمنها إلى سبعين أو مائة مليوناً من الجنيهات المصرية هو فقط ثلاثة آلاف جنيه وهو نفس الرسم الذى يدفعه شاب فى مستهل حياته يقوم بتسجيل شقة اشتراها بالتقسيط ليتزوج فيها ..
وكان من أمثلة ذلك أيضاً قانون ضريبة المبيعات والذى يفرض على المواطن الغلبان ضريبة تصل إلى ما يقرب من العشرين فى المائة عقاباً له لأنه فكر فى أن يشترى " مروحة " فى الصيف أو سخاناً فى الشتاء لتسخين المياه .
وبالطبع فإن هذه الضريبة تضاف إلى السلعة أى على المستهلك لأن مصلحة الضرائب تقوم بتحصيلها عند الاستيراد من المنبع .
وكان من أمثلة ذلك أيضاً نص المادة 86 مكرراً من قانون العقوبات وهى التى تعاقب من يتسبب فى تعطيل الدستور بالسجن ولأنك لن تعرف كيف يعطل الإنسان الدستور فإنك تجد نفسك أمام محكمة جنايات عسكرية بتهمة تعطيل الدستور .. ويصدر عليك الحكم بتهمة تعطيل الدستور .. وينتهى تنفيذه وتعود إلى أولادك لتسألهم عمن قام بتعطيل الدستور منهم ولو من باب الشقاوة فلا تجد إجابة لذلك السؤال .
وقد قدم الرئيس مبارك أكثر من ألف محكوم عليه أمام المحاكم العسكرية بتهمة تعطيل الدستور فكان الإخوان المسلمون يحصلون على أحكام تتراوح من 3 إلى سبعة سنوات وكان غيرهم يحصل على أحكام قد تصل إلى الإعدام ولم يعرف واحد ممن دخلوا السجن ثم خرجوا منه كيف يتم تعطيل الدستور .. على الأقل حتى لا يتكرر منه تعطيل الدستور مرة أخرى .
وليس على المواطن المصرى إلا أن يبتهل إلى الله ألا يجعله معطلاً للدستور أو أن يتحاشى الخروج من بيته حى لا يتسبب فى تعطيل الدستور دون أن يدرى أو يشعر .
لكن القاضى كان يحكم علينا بالسجن لأننا عطلنا الدستور .. كده وخلاص ..
وفى النهاية فما يحزننى أنه تم إصدار أمر عسكرى بالعمل بقانون الضريبة العقارية .. وهو من قوانين النظام الفاشل الذى انتهى بنهاية حسنى مبارك . وهدف هذا القانون هو معالجة فشل الإدارة فى تنمية الموارد فيكون الحل من وجهة نظر هذه الإدارة هو أن يدفع كل صاحب بيت ولو كان من حجرتين وصالة ضريبة تفرض عليه بسبب أنه نجح فى شراء منزل متواضع يلم فيه جسده وعرضه .. وكان من الممكن أن يكتفى بفرض هذه الضرائب على القصور ونترك الغلابة فى حالهم – لكن تقول إييه .. ؟!
وعلى رأى الست دى أمى " افتكرتك وزارة شرف لقيتك وزارة نظيف " .
وبهذه المناسبة فقد أتى موظف الضرائب إلى المواطن فى بيته ليطالبه بألف جنيه كضريبة فدخل المواطن إلى حجرة مكتبه وخرج بالألف جنيه .. فعاد الموظف وطالبه بعشرة آلاف .. فدخل المواطن وأتى بها .. وهنا طالبه الموظف بمليون جنيه كضريبة .. فقال له المواطن فى هدوء .
"خذ مفتاح الأوضة وادخل تلاقى ماكينة طبع فلوس .. أطبع اللى انت عاوزه وخلصنى "
وعجبى
مختار نوح
www.mokhtarnouh.com
info@mokhtarnouh.com
Mokhtar_nouh@yahoo.com