كأننا في عام 2011 بمثابة طبعة ثانية لنسخة 1954. كنت أتخوف من ذلك في لقاءات تلفزيونية أجريت معي بعد خلع مبارك وتولي المجلس العسكري زمام الأمور. لكنني الآن وبعد 8 شهور وعقب قراءة لبعض عناوين صحف 1954 أشعر أنني بالفعل ازاء طبعة ثانية طبق الأصل ما عدا بعض الاضافات التي يضيفها المؤلفون عادة على الطبعة الأولى. في الطبعة الأولى كانت جماعة الإخوان المسلمين القوة الإسلامية الفاعلة بزعامة مرشدها حسن الهضيبي. في الثانية ما زالت فاعلة لكن معها قوى مؤثرة وصاعدة سياسيا في مقدمتها السلفيون. مليونيات "الجمع" وتسمياتها العبقرية ليست اختراع 2011 ، فقد شهد 1954 حشودا جماهيرية كبيرة أبرزها جمعة 27 مايو التي خرجت بعد صلاة الجمعة من المساجد والمنازل والأحياء الشعبية رافضة قرار مجلس الثورة باقالة محمد نجيب. كان الصراع محتدما بين فريقين.. الأول يمثله الإخوان المسلمون وجناح في الجيش يقوده اللواء أركان حرب نجيب، يطالب بعودة العسكر إلى ثكناتهم وإجراء الانتخابات. والثاني يتزعمه البكباشى أركان حرب جمال عبدالناصر والأقلية التي تمتلك النفوذ السياسي ووسائل الإعلام. وكان هذا الفريق يطالب بتأجيل الانتخابات وتعارض عودة الجيش إلى ثكناته وتمديد الفترة الانتقالية وتعيين مجلس رئاسي يؤهل الشعب للانتخابات. نفسها الأقلية الموجودة حاليا بكل امتيازاتها ومطالبها وعلو صوتها. صورة طبق الأصل لفريقين متخاصمين ما عدا تغير الأسماء. الجدل نفسه الخاص بانهاء الفترة الانتقالية أو تمديدها. اجراء الانتخابات في موعدها أم تأجيلها حتى يتم تأهيل الأحزاب لها. استمرار الجيش أم عودته إلى ثكناته. استمرار المجلس العسكري في الحكم أم تعيين مجلس رئاسي. في مارس 1954 دبرت قوى الفريق الثاني (الأقلية) مظاهرات ضخمة اعترف عبدالناصر فيما بعد أنها تكلفت ألفي جنيه والتي تصل إلى الملايين حاليا مقارنة بالأسعار الحالية للجنيه، فوقتها كانت قيمة الجنيه أعلى من الاسترليني، ويساوى ما يزيد على ثلاثة دولارات أمريكية. نجحت هذه المظاهرات في الغاء قرار إلغاء الأحاكم العرفية (قانون الطوارئ) الذي وعد به إعلان دستوري لمجلس قيادة الثورة قبل شهر يوليو 1954 ووفرت غطاء سياسيا لاستمرار الفترة الانتقالية. جمعة "إعادة نجيب" أجبرت مجلس قيادة الثورة على التراجع عن قرار إقالته، لكن سرعان ما تمت الاقالة عقب تدبير اضراب المواصلات العامة التي شلت الحياة المصرية مطالبة بمنع فلول النظام السابق من العودة عن طريق الأحزاب والانتخابات ورافضة مشروع دستور 1954 وداعية إلى القائه في "القمامة" وقد حدث ذلك بالفعل، ودايعة كذلك إلى تأجيل العملية الديمقراطية برمتها. وتزامن ذلك مع حملة تحريض من كتاب ومفكرين وإعلاميين صوروا للشعب أن عودة الحياة النيابية والأحزاب ستؤدي لعودة الفلول والفساد والإقطاع من جديد. تعبير "الفلول" يستخدم أيضا وبتوسع في 2011. هذه الفوضى استخدمت لتدشين حكم عسكري استمر 60 عامًا، وفشلت تماما المسارات السلمية القانونية التي اتبعتها الأحزاب في منع ذلك. لنقرأ العناوين الرئيسة (المانشيتات) لعدد 26 مارس 1954 لجريدة "المصري" وهي أبرز الصحف المصرية في ذلك الوقت: الافراج عن الهضيبي وعودة جميع المعتقلين. حل مجلس الثورة يوم 24 يوليو وتسليم البلاد لممثلي الشعب. السماح بقيام الأحزاب. مجلس الثورة لا يؤلف حزبا. رئيس الجمهورية تنتخبه الجمعية التأسيسية. لا حرمان من الحقوق السياسية حتى لا تتأثر حرية الانتخابات. تشكيل حكومة مدنية محايدة تجري الانتخابات. الغاء الأحكام العرفية والافراج عن جميع المعتقلين. الغاء القضاء الاستثنائي واباحة الطعن في أحكامه. في عام 2011 أعلن المجلس العسكري أيضا أنه سيوقف قانون الطوارئ المعمول به منذ 30 عاما قبل اجراء الانتخابات البرلمانية. لكن تم العدول عن ذلك بعد أحداث السفارة الإسرائيلية، وتوسيع مواده وتفعيله. في جريدة الأخبار وبعد تخلي الثورة عن كل وعودها واقالة نجيب جاء مانشيت جريدة "الأخبار" على النحو التالي: عبدالناصر يحذر من قوى الثورة المضادة (تعبير الثورة المضادة طغى أيضا على أحداث 2011). وتضمن قرار مجلس قيادة الثورة في 14 نوفمبر/تشرين ثان باقالة نجيب ما يلي: المادة الأولى: يعفى السيد الرئيس اللواء أ.ح محمد نجيب من جميع المناصب التي يشغلها، على أن يبقى منصب رياسة الجمهورية شاغرا. المادة الثانية: يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة السيد الرئيس البكباشى أ.ح جمال عبدالناصر في تولي كافة سلطاته الحالية. في أخبار اليوم: 4 من الأميرات السابقات يهربن أكثر من مليون جنيه. 800 مليون جنيه تختفي بطريقة غامضة. زوجة حلمي حسين تسحب 10 آلاف جنيه. في الأهرام: محاسبة من استغلوا نفوذهم وأفسدوا الحياة السياسية. حرمانهم من الجنسية والحقوق السياسية والوظائف العامة والزامهم برد أموال الأمة. في وكالة الأنباء المصرية (الشرق الأوسط حاليا): تصريحات للرئيس محمد نجيب بعد قرارات مجلس قيادة الثورة (قبل اقالته مباشرة): الجمعية التأسيسية تنتخب من تراه صالحا لرياسة الجمهورية. نريد لمصر أحزابا حقيقية ترتكز إلى المبادئ والأهداف. في 1954 كان هناك جدل شديد حول العلاقة بين الدين والدولة وتخوف من سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم وتأثير ذلك على النموذج الذي كان يصبغ الحياة المصرية منذ عهدها الملكي الذي لم يكن بعيدا عنها. ومن نوادر ذلك الجدل فوز مصرية لأول مرة وربما تكون المرة الوحيدة والأخيرة بلقب ملكة جمال الكون بعد تتويجها ملكة لجمال مصر واسمها انتيجون كوستيندا من مواليد الإسكندرية وتنتمي للجالية اليونانية. وكانت تلك المسابقة تجرى سنويا في مصر ويتم خلالها استعراض المتسابقات بأزياء مختلفة منها ملابس البحر (المايوه). العلمانيون حينها رأوا مثل ذلك النموذج بريقا عالميا لمصر قد ينطفئ في ظل الدولة الدينية التي لن تقبل بمسابقة كهذه، بينما كان الإسلاميون لا يتحدثون عن هذا الجانب وغيره باعتباره قشورا. المصادفة أن العلمانيين في 2011 يتخوفون من منع الحكومة الإسلامية المقبلة للمايوه والخمور وتأثير ذلك على السياحة! أليست الطبعتان متوافقتين تماما ما عدا التنقيح والاضافات القليلة؟.. أما النهاية فربنا يستر. [email protected]