نستكمل اليوم الجزء الثاني من هذا المقال الذي تم نشر الجزء الأول منه قبل ثلاثة أيام ثم توقف بسبب جريمة ذبح 21 مصريا في ليبيا وما رافقها من تداعيات لتفرض نفسها في التعليق والتحليل. والد الضحيتين يسر أبو صالحة زوجة ضياء بركات وشقيقتها رزان والثلاثة قُتلوا على أيدي كريج قال إن هذا المجرم ضايق ابنته مرتين بعد زواجها من ضياء لمبررات لها علاقة بحجابها حيث الحجاب إعلان عن هوية الشخص وتدينه، وهو أصلا غير مؤمن بالأديان، بل هو شديد التطرف في الإلحاد، وهو يعتبر كون أن الانسان متدينا فهذا يخلق مشكلة فورية، أي مجرد الانتماء لدين معين فهذا مشكلة، فما بالنا عندما ينتقل الإنسان إلى ممارسة شعائر دينه أو الحديث عنه، فهذا يمثل مشاكل أكبر وأعمق وأخطر عند هذا الملحد. الأب المكلوم أكد وجود دوافع دينية للجريمة حيث قال إن زوج ابنته الراحل سكن بمنزله لسنوات لم يقع فيها أي خلاف مع جيرانه، ولكن المشاكل بدأت بعد ارتباطه بيسر، والتي كانت ترتدي الحجاب، ما عكس هويتها الإسلامية، وابنته أكدت له قيام كريج بالتشاجر معهم لمرتين على الأقل حول أمور مختلفة وكان يفعل ذلك وهو يضع مسدسه على حزامه. وحسب من تابع صفحته على موقع فيسبوك فقد وجد أنه كتب عبارة "ملحدون من أجل المساواة" وكان ينشر باستمرار اقتباسات تنتقد الدين ، وكتب في إحدى المرات: "إذا كنت متدينا فأنت تختلق مشكلة للتو"، ونشر صورة مسدس من عيار 38 ملليمترا على صفحته، قائلاً إنه "محشو وخاص به". وإلحاد الشخص هو قراره الذاتي وفي أمريكا والغرب ملحدون كثيرون، وأصحاب عقائد وديانات غريبة وعجيبة بل ومن تأليف ووضع أشخاص، وهذا سلوك عادي هناك، لكن الخطورة عندما يرتبط الإلحاد بكراهية المؤمنين من أي دين ، والخطورة تتضاعف عندما ترتبط الكراهية بالتطرف والتعصب والعنصرية وتقود إلى الإيذاء البدني والنفسي للشخص المؤمن سواء كان مسلما أم مسيحيا أم يهوديا، تماما مثلما يرتبط التطرف والقتل باسم الدين أي من شخص لآخر بسبب دينه أو عقيدته أو حتى إلحاده لأنه ضد الأديان، مثل هذا السلوك وفي كل الحالات يخرج عن القوانين التي تنظم حياة المجتمعات وتهددها في أمنها وسلامها واستقرارها وتعايشها. أردوغان الوحيد الذي كشف النفاق الرسمي دوليا وعربيا وإسلاميا وخصوصا في واشنطن قلعة الحريات تجاه جريمة شنيعة أهم من جريمة "شارلي إبدو" لأن في الجريمة الفرنسية طرف مدان بإساءاته المتكررة والمتعمدة والمتواصلة للإسلام ولنبيه وهذه جريمة مكتملة الأركان ولا تندرج في باب حرية الرأي والتعبير أبدا لأن الجريدة مثلا لا تستطيع الاقتراب من قضايا دنيوية جدلية أقل شأنا كثيرا مثل "الهولوكوست" بل إذا أساءت لأشخاص عاديين فيتم جلبها للمحاكم وتصدر الغرامات المالية بحقها أما عن الإسلام والرسول فيتم رفع شعارات حرية الرأي ومع ذلك فإنه مرفوض ما قام به الشقيقان كواشي من قتل الرسامين و مرفوض ما قام به كوليبالي من قتل الشرطية واليهود لأن مواجهة الإساءة للإسلام لا تكون بسفك الدماء ولا بالثأر الفردي بل هناك وسائل قانونية وسياسية عديدة لا تسيء للإسلام ولا للمسلمين ولا تمثل خروجا عن القوانين المحلية للبلدان لكن في جريمة "تشابل هيل" لم يكن الطرف الضحية مسيئا للقاتل ولا مضايقا له ولا منتقدا حتى لإلحاده بل هم أبرياء تماما وهم متسامحون وطيبون ومندمجون مع المجتمع وهو من قام عامدا بقتلهم ومن يطالع صوره وهو بملابس الحبس يجده شخصا هادئا كأنه لم يفعل أي شيء بل كأنه أنجز عملا وهو سعيد به. إذا كانت هناك جريمة تستدعي التنديد والاحتشاد العالمي فهي جريمة "تشابل هيل" أكثر من جريمة "شارلي إبدو" لأن في الأولى الضحية ليس مدانا بل هو صاحب سلوك نموذجي بشهادة السكان المحليين وطلاب وأساتذة الجامعة التي يدرسون فيها وبالمشاركة الكثيفة من سكان المدينة من المسلمين والمسيحيين واليهود ومن الحس الإنساني الذي كان يميزهم ومن الأعمال الخيرية لهم أما في جريمة "تشارلي إبدو" فهناك إساءة متعمدة من الضحايا لمليار ونصف المليار مسلم في أعز ما لديهم وهو نبيهم ودينهم ورموزهم. انكشف الإعلام الأمريكي مرة أخرى كما انكشفت السياسة الأمريكية الرسمية والمعارضة وانكشف المجتمع المدني بذلك التجاهل المخزي لجريمة المسلمين الثلاثة وظهرت الازدواجية والمكاييل المتعددة سواء في قضيتهم أو سابقا في قضية شابين أسودين قتلتهما شرطيان أبيضان في حادثين متفرقين ومرة أخرى تكتسب المعادلة التي وضعتها الإعلامية الأمريكية جاذبية إذ أن الأسود بلطجي حينما يقتل والمسلم إرهابي بينما الأبيض يتم التماس المبررات السخيفة له. هذه جريمة كراهية تستحق التحقيق الفيدرالي الجاد والنزيه حفاظا على سلامة وسلام المجتمع الأمريكي، والتغطية عليها ستجعل أي مهووس دينيا يكررها مع مسلم أو مسيحي أو يهودي ومحاولة حرف القضية لأسباب أخرى مثل كون المجرم قد يكون مريض نفسيا أو أنه حسب زوجته السابقة كان مولعا بمشاهدة فيلم الجريمة "السقوط" الذي لعب فيه الممثل مايكل دوجلاس دور شخص مطلّق وعاطل عن العمل يصاب بنوبات من الهياج تدفعه إلى إطلاق النار قد يفيد في فهم شخصية القاتل لكنه ليس منطقيا لاعتبار ذلك هو الدافع الرئيسي لجريمته الإرهابية الشنعاء. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.