اذا لم ترفع عينيك الى اعلى ستظل تعتقد انك عند اعلى نقطة : انطونيو بوركيا أحيانا حينما يتعلق الامر بالابداع .. قد يشط الحماس الى اعتبارات الشباك وكم حقق الفيلم من ملايين الإيرادات.. وهنا قد يغفل كلا من المخرج وبطل الفيلم عن ابعاد ذات اهمية قصوى .. الى اي مدى يبقى العمل الابداعي على سطح الكون .. وما هي وضعيته في موازين السماء؟! ، لقد شاءت الظروف ان ارى فيلما تسجيليا عن الحج قد تم تصويره في العشرينيات من القرن الماضي .. قالوا في قضايا الابداع انه قد يكمن مجد القلم خاصة والكتابة عموما في الابعاد التوثيقية للمشاعر والاحاسيس الكائنة في القصيدة او المقال او الرواية .. من هنا قال الغرب ان : اضعف مداد من القلم ابقى من أحد ذاكرة .الا ان الابعاد التوثيقية للسينما تضاف الى مجد القلم اذا اعتبرنا ان الفيلم لم يكن في البداية الى ما خطه القلم في نص .. يضاف الى مجد السينما في التمثيل التركيز في المشاهد بتفاصيلها الدقيقة ولفتات بها سريعة .. او صدمات مفاجئة لتبقى راسخة في الوجدان وابقى في سجلات التذكر .. كما هو الحال في الدراما الاغريقية وما تناوله ارسطو في تعريف البطل المأساوى: انه انسان ذو خصال نبيله ولكن في ذات الوقت لديه نقطة ضعف حيث تتفاقم نقطة الضعف وتؤدي به الى السقوط .. وفي السقوط تناوله ارسطو بانه يؤدي الى عملية catharsis اي تطهير، سواء اتفقنا او لم تنفق مع ارسطو الا ان القاعدة .. ان لا ننظر الى فلان كيف هلك بل الى الناج كيف نجا .. وفي واقع الحياة ثمة كبوات وانتكاسات ولكن ما اروع النهوض بعد الكبوات والانتفاض بعد الانتكاسات.. كما قال الشابي ،، ومن لم يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر. وكما قال المنفلوطي ان المجد الحقيقي فقط لمن يأخذوا بيد البشرية رحمة بها وحنانا عليها .. قضايا الابداع قضايا رائعة ..حسبها ان تأتي بتحليل للقضايا وتشخيص للمعضلات ووضع حلول .. الانسان في العادة وخاصة المبدعين يبحثون عن فيلم ذى صيرورة تاريخية اي لا يموت مع مرور الايام ولا تصيبة العتة و رائحة النفتالين ..لذلك قالوا عن مجد القرآن الكريم انه لا يخلق على كثرة الرد ، انك حينما تسمعه في الحرم المكى اخصر يانع كأنه لتوه نزل من السماء .. كل الكلام تصيبه رائحة النفتالين الا كلام الله .. وما كان لله من دعوة اليه ..وما نقصدة هو ما قاله الفيتوري ذات يوم عن احد قصائدة انها قصيدة لم تلبس الكفن .. اي لم تمت ..وتبعا للمحللين ان امجاد البشر مهما علت الا انها لا تعدو ذواتها البشرية اي التراب ..فقط لا تنمو الا ما كانت حينئذ لله .. فيكسبها الله من مجده وتبقى على الدوام .. نظريات البقاء تقول .. ان البشر ليسوا الا هالكاً وابن هالك وذا نسب في الهالكين عريق .. وتقول النظريات ايضا: ان كل شباب او جديد الى البلى وكل امرء يوما الى الله صائر .. ربما تختصرها الاية الكريمة .. (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (البقرة : 281 ) لقد بلغ المصطفى ذروة المجد لانه كما خالد محمد خالد لانه صلى الله عليه وسلم ركل امجاد الارض ولم يؤمن الا بالمجد في الملأ الاعلى . .. بل ساقها الشيخ سيد قطب في المعالم حول الفئة المؤمنة من اصحاب الاخدود .. حيث قال سيد انها حازت المجد وضربها المولى لنا كمثال حيث انتصر فيها الايمان على الفتنة ..لفئة حازت على المجد في الملأ الاعلى ونظرة الاجيال المتعاقبة ..حسب تعبيره. اليوم نتناول السينما والاسلام .. يعجبني قول ابن سينا : لو كنت اعلم ان كتبي لن تعيش بعدي لالاف السنين لما كتبتها ..ما هو السر الكامن .. في قناعته ان كتبه ستحوز على الخلود او الصيرورة التاريخية .. كيف وكتابه القانون في الطب درس في جانعات اوربا لقرون.. هل لانه حينما كانت تستعصي عليه معضلة في العلم كان يقيم الليل صلاة ودعاء .. ان الامر ربما لخصه الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ان العلم قبسة من نور الله .. ونور الله لا يهدى لعاص ..كما قال الشافعي. الصلاح كلمة السر ..فيفيض الله بنوره على البنية العقلية .. وتنعكس اشعاعات القران على البنية العقلية وما تفرزه من انتاج وبالتالي على السينما وليس كما قال المنفلوطي .. ان ظلمة القلم من ظلمة العقل .. الحياة باختصار مرحلة في غاية القصر .. كنا في العشرينات نظن اننا لن نتجاوزها الا بعد جهد جهيد او بهذه السرعة فما بالنا نحن الان في الخمسين ..اجل لقاء الله حتم . طال البقاء ام قصر على سطح الارض . .من هنا كانت الاية صريحة (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ) (الانشقاق : 6 ) "فملاقيه " انه الكدح على بسيطة الكون .. وفجأة لقاء الله .. هناك من سيكون لقاءه مع الله لقاء تكريم واخرون ..لقاء توبيخ لهم . ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (الزمر : 47 ) بل هناك اوزار قد تلتلقى مع اوزار الاضلال فتكون المصيبة افدح واوجع و افجع .. (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ) (النحل : 25 ) من هنا اقولها لمخرجي السينما والممثلين سواء : اذا بحثتم عن المجد .. والخلود والصيرورة التاريخية والبقاء في الارض فهو للصالحين ليس الا .. (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء : 105 ) وليس لغيرهم لقد بحثنا وبحث غيرنا عن اهم المهام في الكون فليس من مهام اروع من الدعوة الى الله .. (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت : 33 ) ادرك ان هناك في السينما المصرية مخرجين عباقرة وممثلين عظماء .. فياليتهم يحولون البوصلة ويرتقون بالاتجاة نحو اشرف المهام ،لقد قال ولينجتون وما التاريخ الا سيرة لعظماء الرجال .. وعظماء الرجال كانوا الانبياء .. واولئك ايضا ممن حملوا قضايا الانبياء على عاتقهم سواء في المنبر او الكتابة ، ونريد ان نرى ذلك في السينما والمسرح ايضا .. ليحملوا النور الى العقول والافئدة .. ليبصر المشاهد بعد عمى ويسمع بعد صمم .. ان ثمة عمل راق ناضج ضخم يدعو الى الله .. والمجال مفتوح في استعمال الاساليب من البساطة الى المعقدة وقد استعمل الغرب اساليب الرمزية symbolism.. وكان بارعا فيها ان قضية" التخديم "وهو مصطلح عامي .. اي التخديم على فكرة ما في قضايا الابداع ..بل والتمثيل والاخراج ايضا تخرجها عادة بالشكل اللائق ..لننهض نحن بعمل مصري اسلامي ينهض بالبنية العقلية للشعوب والمجتمعات .. ولنحمل قضايا الانبياء من حب وخير وصلاح الى البشرية جمعاء.عمل يكون له البقاء في دنيا الناس وخير ذخر يوم الحساب.. (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد : 17 )