لم يبق في المكان سوى آثار شتات ونزوح، فبعد أن كانت المخيمات اللاجئين السوريين في الأراضي اللبنانية القريبة من الحدود السورية مكتظة بروادها، باتت وخلال أيام قليلة، خاوية على عروشها، بعد أن وُجهت إليهم إنذارات من قبل السلطات اللبنانية بإخلائها خلال مهلة تراوحت بين يومين وأسبوع من تاريخ التبليغ. فعلى بعد عشرات الأمتار من معبر المصنع الحدودي بين سورياولبنان، يتوزع عدد كبير من المخيمات في منطقة عنجر بمحافظة البقاع وذلك بجوار سفوح سلسلة جبال لبنانالشرقية، التي تشكل الحدود الطبيعية بين البلدين، بالقرب من منطقة الزبداني السورية المتاخمة، حيث تحتدم المعارك بين النظام السوري ومعارضيه. في تلك المنطقة، يبدو أنه ليست العواصف وحدها التي تقتلع خيام اللاجئين السوريين، حيث شاركتها قرارات الحكومة اللبنانية أيضا. في مخيم منطقة المصنع، الذي يبعد ما بين 100 إلى 200 متر عن المعبر الحدودي، اضطر لاجئون لإزالة خيامهم، والنزوح من جديد للبحث عن موطن يأويهم، بعد مطالبة الجيش اللبناني لهم بذلك. وأدت تلك المطالبات إلى إزالة 280 خيمة على الأقل من الخيام في المنطقة، واختفاء أصحابها دونما أثر، حسب شهادات من بقي من سكان هذه المخيمات والذين لم يغادروا حتى الآن. وأوضح من بقي من لاجئي المخيم في حديثهم لوكالة الأناضول، التي قامت بجولة ميدانية في تلك المخيمات، أنه وخلال الأسبوع الأخير، تمت إزالة مخيم بالقرب منهم، وبات أثرا بعد عين، ولا يعلمون شيئا عن من كانوا يقطنونه وما حل بهم. وتهجر، بحسب أرقام الأممالمتحدة، أكثر من 9 ملايين سوري، من أصل قرابة 21 مليون هم تعداد الشعب السوري، وذلك نتيجة الحرب التي يشنها النظام السوري على الانتفاضة التي بدأت في مارس/آذار 2011 ضد نظام بشار الأسد. ولجأ نحو 4 ملايين منهم إلى البلدان المجاورة لسوريها، ويستضيف لبنان منهم أكثر من 1.2 مليون مسجلين رسميا لدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. "سعدية" امرأة من المخيم، قالت للأناضول: "وجهوا إلينا إنذارا بإخلاء المخيم خلال 48 ساعة. هذه أول مرة نتلقى إنذارا مشابها، مع أنني أقيم وأسرتي وأقربائي في هذا المخيم منذ نحو سنتين". بينما لم يستطع الحاج أبو محمد، وهو رجل مسن في السبعين من عمره، التعليق عما جرى واكتفى بالصمت، فيما بدت على جسد زوجته العجوز أم محمد آثار الحرب التي فرت منها، وقالت في حز وألم وهي تتحسس قدمها المبتورة: "مر على وجودنا في هذا المخيم عامان.. الحمد لله كنا مرتاحين وأهل الخير يساعدونا ولا ينسونا، ولكن فجأة صدر أمر بإخلاء المخيم .. ماذا عسانا أن نفعل وإلى أين سنذهب؟". ومضت قائلة: "هذه ليست خيمتي فلقد فككناها ووضعنا أشياءنا خارجاً. أسكن عند أقاربي وليس لدي معيل. أولادي الشباب متفرقون، كل واحد في مكان وأقطن الخيمة أنا وزوجي المسن وابنتي فقط، ولا أعرف أحدا ولا نملك وسيلة حتى لنقل أغراضنا ولا أدري إلى أين المفر في هذا الجوع والبرد والعطش". وخلال الجولة، رصد فريق الأناضول خلو المكان إلا من بقايا خيام مقتلعة وبعض الأخشاب والحجارة ودواليب السيارات القديمة التي كان اللاجئون يستعينون بها لتثبيت الخيام، إضافة إلى أدوات مطبخية تحولت إلى أطلال تبكي أناساً هجروها قسراً. لم يبق في المشهد من حياة سوى ضحكات أطفال لا يعون هول المشهد، ولا يفهمون ما سيحل بمخيمهم اليوم أو غدا. ومنذ 5 يناير/ كانون ثان الماضي، فرض لبنان على السوريين الراغبين بدخول أراضيه، استصدار تأشيرة، فيما يُعد تحولا رئيسيا عن سياسة عبور الحدود بشكل غير مقيد التي ظلت قائمة بين البلدين في الماضي. وحسب المعلومات الصادرة عن مديرية الأمن العام اللبنانية التي أصدرت المرسوم الجديد، تتيح الإجراءات منح استثناءات للحالات الإنسانية بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وفي الأنحاء، لا يبدو خالد (32 عاما) وزوجته مكترثين لقرار الترحيل، فهو ما زال يجمع الحطب ويجهزه لإتمام فصل الشتاء في خيمته، وزوجته مريم (30 عاما) لا زالت تحفر مجرى صغيرا حولها لماء المطر. خالد قال في حديثه لوكالة الأناضول: "أعطونا مهلة أسبوع وأنذرونا بالإخلاء. البعض نفذ الأمر وأخلو المكان وآخرين بقوا هنا وصاحب الأرض أخبرنا أنه تحدث مع الجيش وسمحوا لنا بالبقاء". وبينما يحاول هيوم صبح الكعود (44 عاما)، وهو أب لطفلتين وصبي، تنظيف سطح خيمته من الماء، شدد في حديثه للأناضول على أنه لا قدرة له "على استئجار منزل، فأجرة منزل مكون من غرفتين 250 دولارا"، مضيفا "إذا نفذنا أمر الجيش وأزلنا الخيم أين سنذهب؟". وناشد الكعود العالم حل الأزمة في سوريا، بدلا من تقديم المساعدات "فنحن نحلم بالعودة إلى أراضينا ومنازلنا"، متسائلا: "ماذا يمكن ل 19 دولار أمريكي تقدمهم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لكل سوري أن تقدم أو تؤخر؟". ومنذ منتصف مارس/آذار (2011)، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من (44) عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات؛ ما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين القوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم.