وصف حسين الداودي، المدير التنفيذي ل"مؤسسة وقف الرسالة الاسكندنافي" (غير حكومية) أوضاع المسلمين في الدول الاسكندنافية بعد الهجوم على أسبوعية "شارلي إبدو" الفرنسية في باريس الشهر الماضي بأنها "مقلقة جدا"، معربا عن أسفه لأن المسلم "يعتبر نفسه متهما بريئا لا يستطيع الدفاع عن نفسه". وبرر الداودي في تصريحات للأناضول عبر الهاتف هذا القلق ب"سببين اثنين، أولهما ردة فعل بعض المسلمين على نشر رسوم مسيئة للرسول الكريم (محمد) عليه الصلاة والسلام والتي تمثلت في دعوات إلى المقاطعة الاقتصادية، أو إلى الاعتداء على وسائل الإعلام التي تنشر الرسومات المسيئة للرسول، وغيرها من تصريحات قليلة ولكنها مستفزة تدفع الطرف الآخر الإسكندنافي غير المسلم إلى التصعيد، ومن ثم ندخل في حلقة مغلقة من تبادل الاتهامات". وشهدت العاصمة الفرنسية باريس، في 7 يناير/ كانون ثان الماضي، هجوماً استهدف "شارلي إبدو" والتي اعتادت نشر رسوم ساخرة للنبي محمد، أعقبه 3 هجمات أخرى في الأيام الثلاث التالية، أسفرت عن مقتل 17 شخصاً، بينهم 3 من منفذي الهجمات. وما يزيد القلق، حسب الداودي أن "حكومات الدول الإسكندنافية لم تتحرك رسميا للتهدئة على الجانبين، الجالية المسلمة وغير المسلمين، وهو موقف يدعو إلى القلق من احتمالات تصعيده". أما مبرر القلق الثاني، فيرصده الداودي ب"عدم وجود مراكز بحث ترصد وتحلل أوضاع الجالية المسلمة في الدول الإسكندنافية، وتزود صانعي القرار على الصعيدين الرسمي والمجتمع المدني بمقترحات ومشروعات قرارات تسعى أولا وأخيرا إلى طمأنة المجتمع بجميع طوائفه". في الوقت ذاته، أشار إلى أن خطوة مؤسسة الوقف بتأسيس "المركز الإسكندنافي للأبحاث والدراسات" التي انطلقت مؤخرا قد تسد هذه الثغرة، وقد تكون محفزة للتعاون مع المراكز الأكاديمية في جامعات الدول الإسكندنافية لتتضافر الجهود نحو استقرار مجتمعي يركز على حضور الجالية المسلمة كأحد مكونات النسيج المجتمعي الإسكندنافي. ومن المعروف أن الدول الإسكندنافية تقع في أقصى شمال أوروبا على شكل شبه جزيرة تضم الدنمارك، والنرويج، والسويد، وفنلندا وأيسلندا، وهي مجموعة الدول التي ارتبطت تاريخيا بمجموعة من القواسم المشتركة ميزتها عن بقية دول غربي أوروبا. في المقابل، أوضح الداودي أن "تصريحات قادة المسلمين في الدول الإسكندنافية كانت إيجابية نحو الإعراض الكامل عن هذه الاستفزازات بكل تحضر ومسؤولية، فلم تحدث أية تصرفات تذكر من قبل مسلمي إسكندنافيا تدعو للقلق والترقب". في الوقت ذاته، أشار الداودي إلى وجود "وعود من السلطات الإسكندنافية في إصدار تشريعات تجعل دول المنطقة أكثر أمانا للجميع". وحذر من "استمرار منح المساحة المخصصة لحرية التعبير للمهاجمين والمستفزين لمشاعر الأقلية المسلمة تجعل الوضع أكثر عرضة للانتقاد والاستنكار، وبالتالي فكل ما سيصدر سيكون بالتاكيد مُفَسَراً لدى الكثيرين ضد فئة معينة للحد من إرهابهم وتطرفهم حسب زعمهم، وإبقاء الساحة مفتوحة لغيرهم ليقوموا بالمزيد من نشر العنصرية وخنق الحريات". إلا أن ما يعزز موقف مسلمي إسكندنافيا، حسب رأيه، هو "ثقتهم الكبيرة جدا في الحكومات الحالية رغم مشكلة ازدواجية مفهوم حرية التعبير التي ستظل إشكالية كبيرة، فعلى سبيل المثال بث التلفزيون الرسمي السويدي مؤخرا تقريرا مطولا عن ظاهرة الكراهية للإسلام وتصاعد الكراهية ضد المسلمين، وتبين من التقرير حجم معاناة السويديين المسلمين لاسيما المحجبات". وقال إن "مثل تلك التوجهات الإعلامية غير المطمئنة دعت الجمعيات الإسلامية الإسكندنافية إلى ضرورة التفكير في إقامة مؤتمر متخصص حول حرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان بما لا يجرح مشاعر الآخرين، وإقناع الإعلام بالتعامل الحيادي المنصف مع قضايا الإسلام والمسلمين ليس في أوروبا فحسب بل في العالم كله، إذ لا يمكن إنكار التأثير الإعلامي القوي على توجهات الرأي العام الغربي". وأضاف الداودي أن "تزامن بث مثل تلك البرامج مع صدور تصريحات من بعض الأحزاب السياسية تطالب بالتعامل بشكل مختلف مع اللاجئين والمهاجرين من الدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص، غير أنها لا تُعبر عن توجهات حكومية بشكل رسمي". وبين أن "بعضا من تلك التصريحات تحمل مقترحات مثل اعتماد نظام إقامة مؤقت، وشرط الاندماج، وتعلم وإتقان لغة البلد الإسكندنافي كشرط للحصول على جنسيته، وإثبات المواطنة الصالحة، ومنها محاولات لحل مشكلة التحاق الشباب الإسكندنافي المسلم في أنشطة الحركات المتطرفة في كل من سوريا والعراق مثل منع السفر أو سحب جوازات السفر". وأوضح أن "مسلمي إسكندنافيا يتعاملون مع هذه التوجهات من منطلق المتهم البريء الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وذلك بسبب غياب مجلس موحد يمثلهم على مستوى كل بلد إسكندنافي ولا حتى مجالس استشارية توجههم إلى المنطق الصحيح في التعامل مع الظواهر المجتمعية المستجدة لاسيما في التعامل مع الإعلام". وقال الداودي إن "مسلمي إسكندنافيا متفقون على ضرورة التحرك في كل الاتجاهات لمنع تفشي ظاهرة الاعتداء عليهم وكذلك منع الذين يؤيدون التطرف وإرهاب الناس لأي سبب كان من تأجيج المشاعر وإثارة نعرات العنصرية مع ضرورة التعاون مع جميع القوى السياسية والمجتمعية في نشر السلم الاجتماعي ليس في المنطقة الإسكندنافية فحسب بل على نطاق واسع". ومن بين 9.4 مليون نسمة هم سكان السويد يوجد حوالي 650 ألف مسلم، أغلبهم من المهاجرين من دول شرق أوسطية يتقدمهم العراقيون والصوماليون. ويعمل 70 % من مسلمي السويد في قطاعات الخدمات العامة (حكومية وخاصة) و10 % في العمل التجاري الحر والنسبة الباقية في أنشطة مختلفة. ونجحت نسبة محدودة من مسلمي السويد في الوصول إلى عضوية البرلمان ومجالس بلديات. بينما تقل تلك النسبة إلى قرابة 1% في فنلندا البالغ تعداد سكانها قرابة 5.4 مليون نسمة. وفي النرويج يبلغ تعداد المسلمين قرابة 110 آلاف مسلم من إجمالي سكان تعدادهم 5.1 مليون نسمة. كما يمثل المسلمون نسبة 5 % من تعداد سكان الدنمارك البالغ تعدادهم 5.6 مليون نسمة، وأغلبهم من تركيا. ومن بين سكان أيسلندا البالغ تعدادهم 320 ألف نسمة يوجد فقط 1500 مسلم نصفهم من الأتراك والنصف الآخر من دول شمال أفريقيا. يذكر أن مؤسسة وقف الرسالة الإسكندنافي تأسست عام 2003 حسب قانون الأوقاف في مملكة السويد، وتتخذ من مدينة أوربرو (وسط) مقرا لها، ولها فروع في كل من النرويج والدنمارك وآيسلندا وفنلندا. وهي من المؤسسات العاملة في مجال تأطير العمل الخيري نحو الرقي به طبقا لمواصفات ومعايير إسكندنافية من خلال مؤسسة وقفية مستقلة متخصصة في مجال التعليم والتعريف بالحضارة العربية والإسلامية.