جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي 2025 في محافظة البحيرة الترم الثاني    عاجل.. وزير التموين يبحث استقرار سعلة الزيت في السوق المحلي    رئيس الجهاز: افتتاح أول دار عرض سينمائي بمدينة سوهاج الجديدة    العمى ونشوة القوة سيقوداننا إلى كارثة    الفروسية من أجمل المسابقات الرياضية    الشيخ عويضة عثمان: الفتوى تتغير وفقا للزمان والمكان أما الأحكام الثابتة فلا مساس بها    بعد اغتصاب مراهق لكلب.. عالم أزهري يوضح حكم إتيان البهيمة    «مصر للطيران»: حريصون على إدخال أحدث التكنولوجيات لتقديم تجربة سفر متكاملة    مدبولي يستعرض الإجراءات المقترحة لتيسير تسجيل الماركات العالمية إلى السوق    حفل استقبال رسمي على شرف البابا تواضروس الثاني في بلجراد    بعد جولة ثانية من التصويت.. فريدريش ميرتس يتولى منصب المستشار الألماني    الكرملين: سنرد بشكل مناسب إذا انتهكت أوكرانيا هدنة عيد النصر    ممثل حزب النور يتراجع عن موقفه ويبدي اعتذاره بلجنة الشئون الدينية    النصر يحدد مكان معسكره استعدادًا للموسم الجديد    أجواء تنافسية في بطولة العالم العسكرية للفروسية ب«الإدارية»    نجم برشلونة يضع محمد صلاح على عرش الكرة الذهبية    المشدد 3 سنوات ل 3 متهمين بتزييف الآثار وبيعها في المنيا    ضبط مصنعات لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمى فى حملة بسوهاج    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    «ابتزاز» أون لاين.. العنف السيبراني يتصدر أجندة المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية    سلوى عثمان تحتفل مع وفاء عامر بزفاف رنا رئيس    إقبال جماهيري على عروض المهرجان الكاثوليكي    ظافر العابدين ينضم لأبطال الجزء الثاني من فيلم «السلم والثعبان: أحمد وملك»    قصور الثقافة تطلق العرض المسرحي "منين أجيب ناس" لفرقة الزيتيات بالسويس|صور    اقتصادية قناة السويس توضح تفاصيل تطوير 20 كيلو متر مربع في شرق بورسعيد    رسميًا.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025    عالم أزهري: الإحرام لا يصح دون المرور بالمواقيت المكانية.. والحج دعوة للتجرد من الماديات    الشيخ خالد الجندي: عبادة الله بالشرع وليست بالعقل    رئيس هيئة الدواء يستقبل وفد الشركة القابضة للقاحات «فاكسيرا»    في يومه العالمي- 5 زيوت أساسية لتخفيف أعراض الربو    مشروبات صحية يُنصح بتناولها لمرضى السرطان    أكاديمية الشرطة تستقبل وفداً من أعضاء هيئة التدريس بكلية الشرطة الرواندية (فيديو)    الأهلي يحيي الذكرى ال 23 لرحيل صالح سليم: الأب الروحي..لن ننساك يا مايسترو    وزير الاستثمار يلتقى رئيسة البنك الأوروبى لتعزيز الاستثمارات الأوروبية فى مصر    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    جامعة كفر الشيخ تنظّم ندوة للتوعية بخطورة التنمر وأثره على الفرد والمجتمع    المخرج جون وونج سون يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    وزير المالية الإسرائيلي: سيتم تركيز سكان غزة في محور موراج جنوبا    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    ضربة موجعة لستارمر.. رفض طلب لندن الوصول لبيانات الجريمة والهجرة الأوروبية    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    وزير الري: خطة وطنية لمراجعة منشآت حصاد مياه الأمطار    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    الزمالك يستقر على رحيل بيسيرو    للمرة الثالثة.. مليشيات الدعم السريع تقصف منشآت حيوية في بورتسودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعلان عيد الفطر..قراءة فقهية ونظرة مستقبلية
نشر في المصريون يوم 05 - 09 - 2011

لم تنجح تفسيرات وتبريرات الهيئات الدينية الرسمية في مصر والسعودية، في إقناع الناس بحقيقة الجدل والشائعات التي أعقبت الإعلان عن دخول أول أيام عيد الفطر المبارك يوم الثلاثاء 30 أغسطس، بعد أن أكدت الجمعية الفلكية بجدة، ومعهد علوم الفلك بمصر استحالة الرؤية في يوم الاثنين وهو ما يعني الخطأ في الإعلان عن يوم العيد في اليوم التالي؛ ذلك لأنها جاءت تقطع وتجزم بصحة الإعلان وتدعو لرفض الشائعات، بل وتزعم أن الإعلان جاء موافقا لحسابات الفلكيين، ومن طريف ما جاء في بعض الردود التي تحاول إسكات من يشكك في صحة الإعلان، أن اسرائيل وراء هذه الشائعة التي تهدف منها إلى إفساد فرحة المصرين بأول عيد بعد مبارك؟!
ولم تقدم أى جهة تفسيرا علميا أو فقهيا لما حدث، يقال فيه: منهجيتنا في الإعلان تقوم على كذا وكذا، وتطبيقها هو كذا!
1- الذي حدث
تباينت كالعادة استطلاعات هلال عيد الفطر، فأعلن المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي أن أول أيام العيد الثلاثاء وذلك قبل نهاية رمضان بأسبوع، أخذا بالحسابات الفلكية نفيا وإثباتا بشروط علمية دقيقة، وترجيحا لمبدأ وحدة المطالع بمعنى إذا رؤى الهلال في بلد يشترك مع البلد الآخر في جزء من الليل لزمهم الصوم والفطر، وعلى ذات النهج تسير تركيا وماليزيا، وغيرهما، أما عمان فقد أعلنت بعد الاستطلاع أن العيد الأربعاء جمعا بين الحسابات الفلكية والرؤية البصرية، بينما تأخرت المغرب يوما لأنها بدأت كذلك بعد الدول العربية بيوم، ومعلوم أن المغرب من أدق الدول العربية في إعلانها عن أوائل الشهور العربية لكن وفق الرؤية المحلية، لذا فهي تخالف السعودية حتى في هلال ذي الحجة ويوم عرفة.
أما مصر فقد أعلنت الثلاثاء أول أيام عيد الفطر بحسب لجانها الشرعية والعلمية، وجاء في بعض التصريحات الإعلامية الصادرة عن الأزهر أن بعض اللجان رأت الهلال، ومثل مصر أعلنت السعودية بعد أن شهد الشهود العدول لديها برؤية الهلال.
2- تفسير ما جرى
الإشكال حدث لسببين: الأول: تأكيد الحسابات الفلكية في مصر والسعودية على استحالة الرؤية البصرية يوم الاثنين وعليه يكون العيد الأربعاء، ومعلوم أن عددا من المجامع الفقهية دعا وأكد على ضرورة الأخذ بالحسابات الفلكية على الأقل في حالة النفي دون الإثبات، بمعنى أنه إذا نفت الحسابات الفلكية الرؤية فلا يدعى إلى رؤية الهلال ولا يؤخذ بشهادة الشهود، لأنها ظنية والظني لا يقاوم القطعي فضلا عن أن يقدم عليه، الثاني: أن الدول التي أعلنت العيد الثلاثاء خالفت منهجيتها التي أعلنت عنها غير مرة، وهى الأخذ بمبدأ اختلاف المطالع يعنى كل بلد له مطلعه، مع الأخذ بالحسابات الفلكية خاصة في حالة النفي، فالحالة التي نحن فيها أن الفلك ينفي الرؤية في مصر والسعودية، ورغم ذلك كان الإعلان بدخول العيد بناء على الرؤية البصرية المستحيلة فلكيا. ولهذا فإن مصر تخالف السعودية كثيرا في إعلانها عن عيد الفطر تحديدا، والخطأ متكرر معتاد عليه من السعودية بسبب رفضهم الأخذ بالحسابات الفلكية وكذا الأخذ بوحدة المطالع. أما مصر فقد كانت إعلاناتها السابقة جدا منضبطة متسقة مع العلم والشرع.
3- إعلان دار الإفتاء المصرية صحيح لكن توجيهه خطأ
لا إشكال من الناحية الفقهية أن تنظر دار الإفتاء إلى مآل أو نتيجةٍ للفتوى فتغير منهجيتها، سيما إذا كان المآل هو النظر إلى توحيد المسلمين وجمع كلمتهم وهم يعيشون فرحة كبرى بنجاح ثورتهم، فلو أن الأمر أن مصر رأت أن السعودية ومنطقة الخليج وباقي الدول العربية الأخرى أعلنت العيد الثلاثاء فيما عدا عمان التي أعلنت الأربعاء ، فرأت العدول عن منهجيتها هذا العام لهذه الاعتبارات فلا بأس ولا حرج، لكن كان عليها التنبيه وتوجيه الأمر أن إعلاننا بدخول عيد الفطر كان أخذا بالرؤية العالمية وفق الحسابات الفلكية الدقيقة، التي قطعت أن الهلال يري بالعين وبالتلسكوب في نقاط مختلفة من العالم، وهو الأرجح فقهيا وما تدل عليه النصوص صراحة، لكن الهلال لم ير في مصر ولا نأخذ برؤية من أخبرنا بالرؤية البصرية، عندئذ نكون أمام إعلان صحيح وتوجيه وتعليل صحيح، أما الإعلان عن حدوث الرؤية البصرية مع القطع فلكيا باستحالتها والإصرار على ذلك فهو الذي يوقعنا في اللبس والحيرة، ويفقد الناس الثقة في المؤسسة الدينية.
4- إعلان أكثر الدول مصحح للفطر وغافر للخطأ إن حدث
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) وقد صحح الحديث الشيخ أحمد شاكر ورد على قول الترمذي إنه حديث غريب ، وذكر له طرقا عديدة يقوي بعضها بعضا، كما صححه الألباني ومعناه كما قال الترمذي في السنن: الصوم والفطر مع الجماعة وعُظم الناس أي معظمهم، وقال تقي الدين السبكي في فتاويه معنى الحديث: إذا اتفقوا على ذلك فالمسلمون لا يتفقون على ضلالة والإجماع حجة.
وقال الخطابي في معالم السنن : "معنى الحديث أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، فلا شيء عليهم من وزر أو تعب" وهذا الحديث بشروحه يقوى ويعضد ما أعلنته دار الإفتاء فإن معظم الدول العربية والإسلامية أفطرت في يوم واحد بناء على اجتهاد المجتهدين، فالفطر يوم يفطرون والصوم يوم يصومون.
وقد قرر الفقهاء قاعدة فقهية جليلة أن: (حكم الحاكم يرفع الخلاف)
ومعنى القاعدة أن ولي الأمر (الحاكم) -سواء أريد به القاضي أو السلطان- إذا اختار أو تبنى رأياً من الآراء الاجتهادية في الشريعة ولو كان مرجوحاً يرتفع به النزاع بين الناس ويلزمهم العمل بالقول الذي اختاره وارتضاه
4- حتى لا يتكرر ما حدث في قابل الأعوام
الخروج الآمن من هذا الإشكال المتكرر في كل عام إنما يكون بالعمل بالحسابات الفلكية نفيا وإثباتا وتحديد أوائل الشهور العربية كاملة مسبقا، مع الأخذ بوحدة المطالع، ونحن عندما نأخذ بالحسابات الفلكية في الصوم والفطر فإننا لا نعارض السنة التي تأمر بالرؤية البصرية والمتمثلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، لأن الحق الذي قرره العلماء المعاصرون أن الحسابات الفلكية تطبق الحديث بدقة متناهية، ذلك أن الرؤية البصرية المأمور بها في الحديث هي وسيلة صالحة لزمانهم مقدور لهم عليها، ويمكن أن تتغير إذا وجد ما هو أفضل وأضبط منها، فهي وسيلة متغيرة لهدف ثابت، وهذا الهدف هو معرفة دخول الشهر وصيامه كاملا دون إضافة أو نقصان، والمثال الذي يقرب المعني هنا هو فهم الأحاديث الآمرة بالتسوك، أن الهدف هو تنظيف الأسنان، ووسيلته المقدور عليها لهم وقتها كانت أعواد السواك، فإذا وجد في زماننا فرشاة ومعجون وغيرها من الأدوات لتنظيف الأسنان على نحو أكمل تطييب معه رائحة الفم كان المصير إليها واجبا، لأن السنة تتحقق معها أفضل من غيرها كما لا يخفى.
وقد أطلق بعض العلماء المعاصرين على الحسابات الفلكية الرؤية العلمية، وهذا الاصطلاح يؤكد عدم معارضة الحسابات للسنة ولحديث الرؤية البصرية.
أما حديث: (نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب...) فهو حديث يصف واقع الأمة وقتها، أى أنها لا تعرف الحساب ولا الكتابة فكيف تؤمر به وهي لا تعرفه، لكن الحديث لم ينف تعلم الحساب والكتابة والعمل بهما في الحياة، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء الأسير من غير المسلمين في غزوة بدر، أن يعلم عشرة من الصحابة القراءة والكتابة، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:( "لا نكتب ولا نحسب" بالنون فيهما، والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته في تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم؛ لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة. والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير).
والعجيب أننا نأخذ بالجزء الأول من الحديث فنرفض الحسابات الفلكية، ونرفض الجزء التالي وهو الكتابة رغم أنه معطوف عليه ويأخذ حكمه، فإذا منعنا الحسابات الفلكية، علينا كذلك أن نمنع الكتابة؟!
إن الحسابات لا شك أوثق وأضبط في إثبات الهلال من الاعتماد على شاهدين ليسا معصومين من الوهم وخداع البصر، ولا من الكذب لغرض أو مصلحة شخصية مستورة، مهما تحرينا للتحقق من عدالتهما الظاهرة التي توحي بصدقهما، وكذلك هو -أي طريق الحساب الفلكي- أوثق وأضبط من الاعتماد على شاهد واحد عندما يكون الجو غير صحو والرؤية عسيرة، كما عليه بعض المذاهب المعتبرة في هذا الحال.
وقد قال بجواز الاعتماد على الحسابات الفلكية في الصوم والفطر عدد من الفقهاء المتقدمين منهم: مطرف بن عبدالله من التابعين، والقشيري، والعبادي من فقهاء الشافعية، وابن سريج من الشافعية،وابن قتيبة، وابن مقاتل، والرازي، والإمام ابن دقيق العيد، ومن المعاصرين: الشيخ المطيعي، وطنطاوي جوهري، والمراغي، ورشيد رضا، والقاسمي، وأحمد شاكر، ومصطفى الزرقا، وعلى الطنطاوي، ويوسف القرضاوي.
5- لماذا رفض الفقهاء الأوائل اعتماد الحساب في تحديد بداية الشهر القمري للصوم والإفطار؟
لسببين الأول: أنه ظني مبني على الحدس والتخمينhttp://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-Mdarik/MDALayout&cid=1173696405355 - 3#3، حيث لم يكن في وقتهم علم الفلك قائمًا على رصد دقيق بوسائل محكمة .
الثاني: إن الفقهاء الأوائل واجهوا أيضًا مشكلة خطيرة في عصرهم، وهي الاختلاط والارتباط الوثيق إذ ذاك في الماضي بين العرافة والتنجيم والكهانة والسحر من جهة، وبين حساب النجوم (بمعنى علم الفلك) من جهة أخرى، وهو ما ينبني عليه انسياق الناس إلى التعويل على أولئك المنجمين والعرافين الذين يحترفون الضحك على عقول الناس بأكاذيبهم، وترهاتهم، وشعوذاتهم.
وسبحان الله رغم ذلك انتشر في عصرنا السحر والخرافة والعرافة والتنجيم أضعاف ما كان في عصرهم رغم الحذر برفض الأخذ بالحسابات الفلكية في مسألة الصيام والإفطار.
والعجيب أننا نأخذ بالحسابات الفلكية لتحديد جهة القبلة ومواقيت الصلاة مع أن الصلاة في حكم الإسلام أعظم خطورة من الصوم بإجماع الفقهاء، وأشد وجوبًا وتأكيدً، ولا نأخذ بها في الصوم.
6- اختلاف المطالع قول مرجوح فلم الإصرار عليه؟
إن الإصرار على أنه لكل بلد رؤيته في عصرنا الذي أصبح الناس فيه كأنهم في قرية صغرى أمر يرفضه العقل ولا يستحسنه الشرع، فإن النص عام (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) يعنى في أي مكان ، كما أن القول باختلاف المطالع كان مناسبا لزمان الفقهاء السابقين متناغما مع قولهم بالرؤية البصرية ورفضهم للحسابات الفلكية، أما في عصرنا فإنا نقطع أنه لو عاش أحد الفقهاء السابقين فيه لقال بوحدة المطالع، ورغم هذا فقد نقل النووي عن ابن المنذر أن القول بوحدة المطالع وعدم اعتبار اختلافها هو قول الأئمة الأربعة، والليث بن سعد وأكثر الفقهاء، وإن اختلف أتباعهم فيه بعد ذلك، والعلامة الشوكاني نقل اختلاف العلماء في المسألة ثم رجح وحدة المطالع فقال: والذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية، وجماعة من الزيدية، واختاره المهدي منهم، وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها.
ومعلوم أن أوائل الشهور لا تختلف باختلاف الأقطار أو تباعدها، وإن اختلفت مطالع القمر، والذين ذهبوا من العلماء إلى القول باختلاف المطالع إنما قالوه باعتبار الرؤية وتباعد الأقطار وصعوبة وصول الخبر تلك الأقطار ؛ لأن أول الشهر يجب أن يكون في هذه الكرة الأرضية يوما واحدا.
هذا قديما أما حديثا فإن جميع المجامع الفقهية المعاصرة ترجح القول بوحدة المطالع فيما عدا المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي الذي ذهب إلى القول باختلاف المطالع.
إننا في الغرب نواجه إشكالا كبيرا مع غير المسلمين في التعامل مع هذه القضية وهو أننا بهذا الاختلاف والتعارض مع قطعيات علم الفلك نسيء إلى سمعة الإسلام كدين حضاري، ونعرض رسالته لخطر لا يمكن تبريره، سواء أمام المسلمين أو غير المسلمين، لأن عدم اتفاقنا على صيغة للتوحد في هذه المسألة –رغم إمكانها- يعنى تناقض الإسلام مع نفسه فكيف يدعو إلى العلم ويرفض الحسابات الفلكية، ويدعو إلى الاعتصام والوحدة، وأتباعه متفرقون رغم وجود كل أسباب الوحدة فكتابهم واحد، ونبيهم واحد، وقبلتهم واحدة، وشعائرهم الدينية واحدة، وفي الصورة الأخرى توحد الأوربيون رغم عدم وجود أي سبب من الأسباب السابقة عند المسلمين. فهل يعي المسلمون الدرس وهل يفيقوا إلى أنهم الأمة الشاهدة على الناس؟
* رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.