يثير دخول فصل الشتاء مخاوف مواطني عدد من الدول العربية من حدوث نقص في بعض أنواع الطاقة، والتي ترتفع معدلات استهلاكها خلال هذا الموسم مع انخفاض درجات الحرارة، ولكن هذه المخاوف ما لبثت أن تحولت إلى حقيقة في مصر وليبيا والضفة الغربية بفلسطين، بظهور أزمة نقص حادة في غاز الطهى. الأزمة مستمرة في مصر رغم الوعود اشتعلت أزمة أسطوانات البوتاجاز "الأنابيب" (غاز الطهي) بالمحافظات المصرية منذ أكثر من أسبوعين مع بداية موجة من سوء الأحوال الجوية التي اجتاحت البلاد، والتي أثرت على وصول شحنات البوتاجاز القادمة من الخارج بسبب غلق الموانئ. وتعددت تصريحات المسؤولين الحكوميين حول أسباب الأزمة وتوقيت انتهائها، حيث أجمع المسؤولون في مداخلاتهم مع وسائل الإعلام على مدار الأسبوع الماضي والجاري على أن الأزمة ستنتهي خلال 48 ساعة، في حين مر أكثر من أسبوع على هذه التصريحات ولم تنتهِ الأزمة حتى الآن. وسيطرت حالة من الغضب والاستياء على عدد كبير من المواطنين في المحافظات المصرية المختلفة بعد تفاقم الأزمة واشتعال أسعار "الأنابيب" (اسطوانات الغاز سعة 12.5 كيلوجرام) في السوق السوداء، والتي تراوحت ما بين 40 و80 جنيه ( 5.5 و 11 دولار) حسب المنطقة التي تباع فيها فيما يصل سعرها الرسمي إلي 8 جنيهات ( 1.09 دولار)، واعتادت وسائل الإعلام المحلية علي نشر أنباء عن مشاحنات يومية، ينتج عنها إصابة العشرات بسبب التزاحم في الطوابير التي يصطف فيها المواطنون لساعات للحصول على أسطوانة بوتاجاز من أحد المستودعات. وقال حمدي عبد العزيز، المتحدث باسم وزارة البترول المصرية، الإثنين الماضي في مداخلة هاتفية مع فضائية "أون تي في" الخاصة المصرية، إن الأزمة ستنتهي خلال 48 ساعة، وكرر تصريحاته أول أمس الأحد في مداخلة أيضا بقناة "التحرير" الفضائية الخاصة المصرية مؤكدا أن الأزمة في طريقها للانتهاء بعد ضخ 1.3 مليون اسطوانة يوميا للسوق المحلى، لكن تقدما لم يحدث بعد. وأمس الإثنين أعلن وزير التموين خالد حنفي في تصريحات لصحف محلية أن أزمة أسطوانات الغاز ستنتهى خلال يومين أو ثلاثة في جميع المحافظات المصرية. وقال حنفى إن نسبة ضخ البوتاجاز تجاوزت 120 % على مستوى الجمهورية، موضحًا أن الكميات الإضافية تعوض نقص المنتج خلال ال 11 يوم السابقة بسبب سوء الأحوال الجوية. وقال وزير التموين المصري إن الأزمة حلت بالفعل في بعض المحافظات مثل السويس (شرق)، الإسكندرية(شمال)، البحر الأحمر(شرق)، شمال وجنوبسيناء(شرق)، الفيوم، المنيا، قنا، الأقصر، أسوان (جنوب)، بخلاف استمرار بعض الاختناقات في محافظتي القاهرة والبحيرة(شمال). وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء خلال كلمة له في الاحتفال بعيد الشرطة ، إن سبب أزمة اسطوانات البوتاجاز (غاز الطهى) التي تعانى منها مصر يرجع إلى سوء الأحوال الجوية التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية، مما تسبب في تأخر وصول السفن المحملة بالغاز من الخارج، مع عدم وجود احتياطى لدى الدولة لسد العجز. الاشتباكات تفاقم الأزمة في ليبيا وفي ليبيا ارتفعت أسعار اسطوانات غاز الطهي خلال الأيام الماضية، بشكل كبير في السوق السوداء(الموازية) لتصل إلى 10 دينار(7.5 دولار) في طرابلس (غرب ليبيا)، و50 دينار (37 دولار) في المناطق المجاورة للعاصمة، ولترتفع إلي 150 دينار (111 دولار) في أوباري في المنطقة الجنوبية (800 كم جنوبطرابلس)،وفي إقليم الجبل الغربي (شمال غرب) إلى 100 دينار (74.6 دولار)، فيما يصل سعر الأسطوانة رسميا إلي 3 دنانير فقط، وذلك بسبب تعطل وصول ناقلات الغازاً من الخارج لسوء الأحوال الجوية، والاشتباكات المسلحة التي تؤدي إلي قطع طرق نقل الاسطوانات، وكذلك توقف بعض مصافي النفط عن تعبئة الناقلات بسبب الاشتباكات المتواصلة قربها، فضلا عن مخاوف المواطنين من تزايد الأزمة مما دفعهم لتخزينها. ويشكو المواطنون في مختلف أنحاء ليبيا من ارتفاع أسعار الاسطوانات وعدم إتاحتها في مدينة بنغازي شرق البلاد، فضلا عن طرابلس العاصمة في الشرق، بالإضافة إلي المناطق الجنوبية. وقال تجار بالسوق السوداء في طرابلس لمُراسل وكالة الأناضول إن سبب نقص اسطوانات الغاز في المدينة يرجع إلى تدفق المواطنون من المناطق المجاورة على مستودعات الغاز في العاصمة سعيا للحصول على الأسطوانات التي قل المعروض منها بشدة في هذه المناطق. وقال الناطق الرسمي باسم شركة البريقة لتسويق النفط "حكومية "، فتحي الهاشمي لوكالة الأناضول إنهُ لاتوجد مشكلة في توفير اسطوانات الغاز ولكن هناك حالة من الهلع بين المواطنين دفعتهم لتخزين اسطوانات الغاز بسبب المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد نتيجة الاشتباكات الدائرة منذ شهور. وتعاني ليبيا أزمة سياسية، تحولت إلى مواجهة مسلحة متصاعدة في الشهور الأخيرة، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منهما مؤسساته، الأول معترف به دوليا في طبرق (شرق)، ويتألف من: مجلس النواب، الذي تم حله من قبل المحكمة الدستورية العليا، وحكومة عبد الله الثني المنبثقة عنه، إضافة إلى ما يسميه هذا الجناح ب"الجيش الليبي" . أما الجناح الثاني للسلطة، وهو في طرابلس (غرب)، فيضم، المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف عقد جلساته)، ومعه رئيس الحكومة عمر الحاسي، فضلا عما يسميه هذا الجناح هو الآخر ب"الجيش الليبي". وأضاف الهاشمى أن هناك ناقلات للغاز دخلت ميناء طرابلس بسعة تصل إلي 140 ألف طن متري من الغاز المُسائل، مؤكداً أن المستودعات الرئيسية الموجودة في العاصمة تواصل توزيع الاسطوانات، ومن بينها مستودع الهاني الذى يوزع يومياً 7 آلاف اسطوانة غاز بالإضافة إلي مستودعات البريقة التي توزع يومياً 22 ألف اسطوانة غاز . وقال منسق لجنة أزمة الوقود بطرابلس(تابعة للمجلس المحلى) طه الشكشوكي في تصريحات صحفية، إن غاز الطهي متوفر بالمنطقة الغربية، وأن الاشتباكات المسلحة أخرت وصوله إلى محطات التوزيع. وأرجع الشكشوكي سبب تأخر وصول أسطوانات الغاز إلى محطات التوزيع إلى توقف بعض مصافي النفط عن تعبئة الناقلات بسبب الاشتباكات المتواصلة قربها، إلى جانب تعطل وصول ناقلات تحمل غازاً مستورداً من الخارج لسوء الأحوال الجوية. ولفت إلى أن إنتاج شركة البريقة بطرابلس من الغاز سيعود خلال الأيام القليلة القادمة إلى معدلاته الطبيعية بواقع 18.5 ألف إسطوانة غاز يومياً٬ وأن المعدلات ستزداد إلى 20 ألف إسطوانة خلال الفترة القادمة. وتصرف ليبيا سنويا على دعم غاز الطهي المُصنع محلياً نحو 114 مليون دينار (85 مليون دولار)، وتستهلك شهرياً 227.803 ألف طن متري من الغاز بحسب تقديرات شركة البريقة عام 2010. الضفة الغربية الأحوال الجوية والإقبال سبب النقص أما في الضفة الغربية بفلسطين فقد اصطف نحو 100 مواطن أمام أحد محطات تعبئة غاز الطهي، في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، انتظاراً للحصول على عبوة غاز (سعة 12 كيلو جرام)، وكذلك هو الحال لدى كافة محطات التعبئة في باقى مدن الضفة الغربية. وقال مصطفى الطريفى صاحب أحد محطات التعبئة وعضو في نقابة محطات الغاز الفلسطينية إن أزمة الغاز بدأت منذ الخامس من الشهر الجاري، واشتدت بنهاية الأسبوع الماضي، حينما قلت كميات الغاز المتوافرة لدى محطات التعبئة، تزامناً مع ارتفاع الطلب، بسبب تدني درجات الحرارة منذ مطلع الشهر الجاري. وتعرضت الأراضي الفلسطينية لمنخفض جوي عميق منذ الأسبوع قبل الماضى، حيث تساقطت الثلوج على معظم مدن الضفة الغربية، وهطلت أمطار غزيرة على قطاع غزة. وأضاف الطريفي في حديثه لمراسل الأناضول "خلال فترة المنخفض الجوي الذى مر بالأراضي الفلسطينية، فإن المواطنين في كافة مدن الضفة تهافتوا على شراء كميات إضافية من الغاز، تجنباً لأية إغلاقات في الطرقات نتيجة تراكم الثلوج، واليوم بعد ان نفد الغاز لديهم عادوا للشراء مجدداً، ما كان له أثر رئيسي في نقص الغاز في الضفة الغربية". وقال الطريفى إن الكميات التي تصل بشكل شهري، خلال الشهر الجاري لم تتجاوز 20 % من الكمية التي كانت تصل خلال الشهور السابقة، بسبب عدم وجود كميات كافية في إسرائيل، التي تعتبر المورد الوحيد للغاز للفلسطينيين. وعزا نقص الكمية لدى الإسرائيليين، إلى أن البواخر المحملة بالغاز، والذى تستورده إسرائيل، لم تستطع أن تصل إلى الموانئ المخصصة لها، بسبب ارتفاع الأمواج خلال فترة المنخفض الجوي، الذي انتهت آثاره الأسبوع الماضي، مشيرا إلى ان هذه هى الرواية الإسرائيلية المتوافرة لدى نقابة أصحاب محطات الغاز، والهيئة العامة للبترول في وزارة المالية الفلسطينية. وحول مدى مصداقية هذه الأسباب قال الطريفى :"لا أستطيع أن أجزم بصحة هذه الرواية وأن هذه هي الأسباب الحقيقية في شح الغاز الداخل لنا، أم أنها عقوبة إضافية ضدنا إلى جانب حجب أموال المقاصة". وتواصل إسرائيل حجب إيرادات الضرائب والجمارك الفلسطينية (المقاصة)، والبالغة قرابة 170 مليون دولار، والتي تستخدم لدفع رواتب موظفي القطاع الحكومي البالغ عددهم نحو 170 ألف موظف. يذكر أن احتياجات الفلسطينيين في الضفة الغربية، من الغاز المخصص للطهي شهرياً، تبلغ قرابة 15 ألف طن في فترة الذروة، أي خلال فصل الشتاء. وقال الطريفى إن الهيئة العامة للبترول الفلسطينية لا تملك احتياطيات من الغاز، وأن الكميات المتوافرة من غاز الطهى فقط هي تلك الموجودة بمحطات تعبئة الغاز المنتشرة في مدن الضفة، والبالغة قرابة 7500 طن. وأشار الطريفى إلى أن معدلات استهلاك الغاز في الضفة الغربية ارتفعت منذ بداية الشهر الحالي بنسبة 30٪ تقريبا، مقارنة بمعدلات الاستهلاك الاعتيادية خلال فصل الشتاء من كل عام، بسبب التخوفات التي خلقتها وسائل الإعلام، والنقص الفعلي لكميات الغاز لدى المحطات. وأدى نقص الغاز في السوق المحلية، إلى قيام أصحاب محطات التعبئة بزيادة سعر الأسطوانة (سعة 12 كغم) من 16.6 دولار وهو السعر المحدد من قبل الهيئة العامة للبترول إلى 18 دولار تقريبا وفق مراسل الأناضول. ورغم الزيادة في الأسعار فإن العديد من المواطنين الذين اصطفوا أمام محطة مدينة البيرة لتعبئة الغاز قالوا لمراسل الأناضول، إن ارتفاع السعر لن يمنعهم من الحصول على احتياجاتهم من الغاز، بما يكفيهم خلال الأسابيع القليلة القادمة، خوفا من تفاقم الأزمة. وقال صاحب مركز القصاص لتوزيع الغاز في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، فراس القصاص، إنه يحمل المستهلك ومحطات تعبئة الغاز، مسؤولية النقص الحاصل، لأن المستهلك يقوم بتعبئة حاجته من الغاز عند نفاذ كل الاسطوانات التي لديه دفعة واحدة. وأضاف القصاص في تصريحات هاتفية لمراسل الأناضول:" محطات التعبئة لا تقوم بملء كل منصات الاحتياط (صهاريج تخزين الغاز) لديها، سواء كان في فصل الصيف أو الشتاء، فهي تقوم بتعبئة منصة أو اثنتين وباقي المنصات تبقى فارغة".