يمر المحاسب وائل خليل "28 عاما" يوميا من أمام المقر المحترق للحزب الوطني المنحل على كورنيش النيل وسط العاصمة المصرية القاهرة، متجها إلى مقر عمله، فيتذكر يوم 28 يناير/كانون الثاني عام 2011. فقبل أربعة أعوام، اندلعت ثورة 25 يناير ، وكان من أبرز ملامحها ما سمي ب"جمعة الغضب" (28 يناير)، وفيها أحرق المقر الرئيس للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم (آنذاك)، والذي جسد في عيون من قاموا بالثورة رمزا للاستبداد. ورغم واجهته المحترقة ورفض خليل للحرق والتدمير كوسيلة للاعتراض، إلا أن المبنى الذي لا يزال على هيئته المحترقة منذ يناير 2011، يثير لديه شعورا بالفخر، لكنه الآن يشعر بأحاسيس مختلفة حل معها الحزن والأسى محل الفخر. وهو ينظر إلى المبنى المحترق تارة، وإلى صحيفة كان يحملها تارة أخرى، يقول خليل لوكالة الأناضول: "هل ثار الشباب من أجل أن نرى هذه الوجوه مره أخرى"، في إشارة إلى تقرير نشرته الصحيفة يشير إلى عودة بعض رموز نظام مبارك (1981: 2011) إلى المشهد السياسي عبر الانتخابات البرلمانية المقررة في مارس/ آذار الماضي، وعلى رأسهم أحمد عز، القيادي في الحزب الوطني المنحل. وأعلن عز خلال اجتماع عقده مؤخرا مع عمال مصانعه بمدينة السادات بمحافظة المنوفية (بدلتا النيل) عن نيته الترشح في الانتخابات البرلمانية، غير أنه عاد ونفى ذلك، قبل أن تنشر عدد من المواقع الإخبارية نقلا عن أحد رموز الحزب الوطني خبر اجتماع عز مع محمود بدر مؤسس حركة تمرد (حركة تزعمت تظاهرات 30 يونيو/حزيران ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي)، لبحث الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما نفاه عز، في مشهد وصفه مراقبون بأنه "مناورة" من جانب رجل الأعمال الشهير. ويصمت خليل ذو الثلاثين عاما، للحظات، وقد اغرورقت عيناه بالدموع، قبل أن يضيف وهو يشير إلى جسر قصر النيل القريب من المبنى : "في هذا المكان سقط صديقي وهو يثور على نظام مبارك، واليوم تطالعنا الأخبار أن أحمد عز سيعود من بوابة البرلمان". وتابع قائلا: "ليس ببعيد أن يتم تجديد هذا المبنى ليديروا مرة أخرى من خلاله نشاطهم السياسي والحزبي، فلم يعد هناك مستحيلا في مصر". وتعرض المبنى الذي يمثل المقر الإداري الرئيس للحزب المنحل، حزب الرئيس الأسبق مبارك، للحرق مساء جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011، وظل المبنى، الذي كان يضم أيضًا، مقرًا للمجلس الأعلى للصحافة، والمجلس القومي للمرأة، مشتعلاً فيه النيران مدة 3 أيام. واعتبر حرق ذلك المبنى قبل 4 أعوام أولى علامات سقوط نظام مبارك، وهي البناية التي اعتبرها مراقبون "مطبخا للتوريث" في مصر، في إشارة إلى الخطوات التي كانت تتخذ داخله توطئة لتوريث جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق، الحكم في مصر. وبنفس المشاعر والأحاسيس، يتحدث المدرس محمد نصر الدين (29 عاما)، وهو مثل سابقه من الذين شاركوا في ثورة يناير/كانون الثاني، ويتردد على محيط المبنى كل يوم، بحكم إقامته في منطقة قريبة منه. يقول نصر الدين ل "الأناضول" : "لن أنسى سحب الدخان التي تصاعدت من هذا المبنى معلنة نهاية نظام مبارك، ولكن لا أفهم ما أشاهده اليوم من عودة تبدو واضحة لرموز هذا النظام من خلال بوابة البرلمان". ويرى نصر الدين في اختيار صفوت النحاس الرئيس السابق للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ضمن القائمة الانتخابية التي يعدها كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق نموذجا. ويضيف بنبره صوت حزينة: "لي أصول من محافظة المنوفية التي ينتمي لها هذا الرجل، وأعلم تماما أنه كان من رموز الحزب الوطني، وعندما أقرأ أنه سيعود من خلال قائمة الجنزوري، فهذا مؤشر على وجود خطأ ما، مثل خطأ بقاء المبنى على نفس حالته منذ الثورة". ومنذ الثورة على نظام مبارك، خرجت ثلاث تصريحات من جهات مختلفة تتحدث عن مصير المبنى، فأعلنت محافظة القاهرة في وقت سابق أنها ستهدمه وتحول موقعه إلى حديقة، وقال وزير الآثار محمد إبراهيم إن المبنى سينضم إلى المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) في إطار خطة تطويره، وخرج تصريح ثالث عن مجلس الوزراء يتحدث عن تحويله لفندق كبير، غير أن أي من هذه السيناريوهات لم يتم تنفيذها وبقي حال المبنى كما هو عليه، منذ حرقه في 28 يناير 2011. ورغم مطالبات الكثيرين بهدم المبنى، إلا أن وائل صفي الدين، يرى في بقائه على حالته فائدة كبيرة، رغم ما يثار عن عودة رموز نظام مبارك من خلال البرلمان. ويقول المرشد السياحي صفي الدين (31 عاما)، وهو من المترددين على المتحف المصري بالتحرير، الملاصق للمبنى، بحكم عمله كمرشد سياحي: "دعوه يذكر كل نظام بنهاية نظام مبارك عندما أغفل آمال وتطلعات المصريين". وأقيم المبنى فترة الستينيات، إبان حكم الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر (1956- 1970)، حيث كان مقرا لمحافظة القاهرة، قبل أن يتحول إلى مقر للاتحاد الاشتراكي، الحاكم وقتها، وكان الدور 12 بالمبنى مخصصًا كاستراحة للرئيس حينها. وفي فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات (1970-1981)، تم إلغاء الاتحاد الاشتراكي، ليتحول المبنى في عام 1976 إلى مقر للحزب الوطني، كما أُلحقت به، فيما بعد، المجالس القومية المتخصصة والمجلس الأعلى للصحافة. وفي عهد مبارك (1981-2011)، تصاعد دور المبنى بتصاعد دور أعضاء الحزب في الحياة السياسية والعامة. وفي 28 يناير 2011 ، أحرق المبنى في يوم "جمعة الغضب"، وظل بواجهته المحترقة، ونوافذه المتفحمة، وأطلال لافتاته المتداعية، شاهدا على سقوط نظام مبارك.