يعتقد خبراء أوغنديون أن الإقامة الجبرية، التي تفرض عادة دون توجيه أي اتهامات رسمية، طالما كانت أقوى أسلحة الرئيس يوري موسيفيني لإسكات منتقديه على مر السنين. وفي حديث لوكالة الأناضول، قال ديفيد بولكول، رئيس جهاز الاستخبارات الأوغندي السابق والخبير الأمني: "لقد عادت الحكومة إلى القوانين الاستعمارية بالاحتجاز الوقائي". "حرية الحركة هي حق أساسي للمواطنين، وهو حق لا يمكن أن تصادره الحكومة"، أضاف "بولكول"، الذي يعمل حاليا لشبكة قطاع الأمن الأفريقي، وهي منظمة غير حكومية تهدف لإصلاح الأمن، والتحول والحكم. ويوم 3 يناير الجاري، حاصرت قوات من الشرطة العسكرية منزل الجنرال ديفيد سيجوسا، مستشار ومدير المخابرات السابق للرئاسة. وفي حديث لوكالة الأناضول، قال محامي سيجوسا، لاديسلاوس رواكافوزي: "اعتقدنا أنهم (القوات) جاءوا لأخذه إلى السجن، لكنهم بقوا هناك لفترة أطول من 12 ساعة. ثم أدركنا أنهم يضعونه قيد الإقامة الجبرية". وأشار المحامي إلى أن "الإقامة الجبرية تطبق فقط إذا كان الشخص المحتجز مصابا بمرض معد، أو كان مختلا عقليا، ولا بد من تحديد إقامته بمنزله، ولكن بالنسبة للشخص الذي يشتبه في ارتكابه جريمة، لا يتصور أن يتم احتجازه في المنزل". ورفض المحامي هذه الممارسة باعتبارها "إلغاء للدستور"، موضحا أن "هذا الوضع يتعرض له أشخاص الناس عبروا عن وجهات نظر سياسية، وهو أمر انتقائي للغاية فيما يتعلق بالأشخاص (الذين) يوضعون تحت الإقامة الجبرية". وتابع: "الدولة تحتجز شخصا، وتزعم أن هذا الشخص حر، إنها تجمع بين الأمر ونقيضه". وكان "سيجوسا" عاد مؤخرا إلى أوغندا من منفاه في بريطانيا بعد اتهامه بالتخطيط لانقلاب ضد الرئيس موسيفيني، وكان يشغل منصب كبير مستشاري الرئاسة ومدير المخابرات بين عامي 2003 و2005. و"سيجوسا"هو واحد فقط من بين العديد من منتقدي النظام الحاكم الذين تم وضعهم قيد الإقامة الجبرية. وفي عام 2005، وضع العميد هنري توموكوندي، وهو رئيس مخابرات سابق (كان لا يزال آنذاك في حكومة موسيفيني)، تحت الإقامة الجبرية حيث كان يقوم بحراسته خلالها ما لا يقل عن 50 جنديا، قبل أن يتم إجباره على الاستقالة من مقعده البرلماني في نفس الشهر. وأشارت تقارير إلى أنه اقتيد بعد ذلك إلى مركز اعتقال مؤقت، حيث سجن لمدة عامين تقريبا، كان خلالها على اتصال محدود بالعالم الخارجي. وبحسب التقارير، كانت جريمته هي الظهور في برنامج حواري إذاعي دون الحصول على موافقة من السلطات المختصة وانتقاد قيادة البلاد. وفي وقت لاحق مثل "توموكوندي" أمام المحكمة في قضية، انتهت بعد ثماني سنوات عام 2013، وتعتبر حتى الآن أطول محاكمة عسكرية في تاريخ الجيش الأوغندي. وفي نوفمبر من عام 2013، وضع عمدة مدينة كامبالا المنتخب إرياس لوكواغو، وهو سياسي معارض، أيضا، تحت الإقامة الجبرية عقب حكم قضائي بمنعه من دخول مكتبه في قاعة المدينة. وهي الأزمة التي وصفها "لوكواغو" بأنها كانت "تجربة سيئة للغاية"، حيث قال في حديث لوكالة الأناضول: "كانت مزيجا من التوتر والصدمة النفسية للأسرة". وأضاف معربا عن أسفه: "كلما كان يذهب أولادي إلى المدرسة، كانوا يتعرضون لهذا النوع من التفتيش الذي يثير الخوف، في ظل انتشار الأسلحة في كل مكان. كان يتم التعامل مع (أفراد) أسرتي بأسرها كمجرمين ولم نكن نعرف متى سوف تستعيد حريتنا". وأشار "لوكواغو"، الذي يعمل محاميا إلى أن السلطات لم تخبره بالجريمة التي يزعم أنه ارتكبها، كما لم تأخذه إلى المحكمة، حتى يمكنه طلب إطلاق سراحه بكفالة. وتابع غاضبا: "شوهت صورتي باعتباري خطرا على المجتمع. وأنا مسؤول منتخب، ولست كلبا مسعورا (مصاب بداء الكلب)، ولا أرشق الناس بالحجارة، ولا أهين الناس (في إشارة لإصابته بالجنون). ولكني أردت فقط ممارسة حقوقي". واتهم المحلل الأمني "بولكول"، الرئيس موسيفيني باستغلال الإقامة الجبرية "لحماية مصالحه الأنانية ضيقة الأفق ضد أي دعوات أخرى من أجل صالح البلاد". وأشار إلى أن موسيفيني كان يستخدم الإقامة الجبرية لردع المعارضين، معتبرا أن الأخير "يملك السلطة؛ ويستطيع أن يفعل أي شيء". وارتأى رئيس المخابرات السابق أن "بث الخوف في صفوف المواطنين، وأولئك الذين يريدون دعمهم، من الإرهاب". من جانبه، قال المتحدث الصحفي باسم الرئاسة تامالي ميروندي، إن موسيفيني لا يحتاج إلى اللجوء إلى الإقامة الجبرية. وأضاف في حديث لوكالة الأناضول: "في الواقع، هو (الرئيس) متسامح للغاية. خلافا للأنظمة السابقة التي كانت تقضي على المعارضين، ولم تكن حتى تسمح للمعارضة بعقد مؤتمرات صحفية". وبدوره، أعرب المحامي "رواكافوزي" عن أسفه لأن الحكومة، التي من المفترض أن تطبق القانون، يبدو أنها تسيء استخدامه. وتابع: "لا يمكنك أن تحصل على التعويض عندما تسيئ الدولة لقانون، حيث يمتلكون الشرطة والسجون. فمن الذي سوف يطبق القانون؟". غير أن "ميروندي" نفى هذه المزاعم متسائلا: "لماذا لا يقاضون الحكومة في المحكمة؟ هذه حجة غبية، والمعارضة، لا تملك مبادئ على الإطلاق". واعتبر المتحدث الرئاسي أن ما تفعله المعارضة، يجسده قول مأثور محلي: "لا يمكن للمرء إنجاب توأم في أفريقيا والقول إن أحدهما ليس له". ومضى قائلا: "تكون المحاكم مستقلة فقط عندما يربحون (المعارضة) القضايا. وعندما يخسرون تكون المحاكم قد تم التلاعب بها من قبل الحكومة". وفي أكتوبر عام 2011، احتجز "كيزا بيسيغي"، الزعيم السابق لحزب "منتدى من أجل التغيير الديمقراطي المعارض في منزله. وبعد 9 أيام قضاها تحت الإقامة الجبرية، قدم محاميه ديفيد مبانغا، شكوى إلى المحكمة الدستورية يطعن فيها على احتجاز موكله في المنزل. وقال المحامي إن الإقامة الجبرية تنتهك الدستور، الذي ينص على أنه إذا احتجز مواطن، يجب أن يقدم/ تقدم إلى المحكمة أو يتم إطلاق سراحه خلال 48 ساعة. غر أنه لم يصدر حكم في القضية، فقدم "مبانغا" عريضة أخرى في محكمة أقل درجة، وحكمت القاضية تشيميري جيسيكا بأن استمرار حبس "بيسيغي" في منزله غير قانوني. وقالت القاضية في حيثيات حكمها، إنه في حين كانت هذه الخطوة قانونية في اليومين الأولين، فإنها فقدت شرعيتها بعد ذلك، حيث لم يتم إبلاغ زعيم حزب المعارضة السابق بأسباب اعتقاله، ورغم ذلك لم يمنع الحكم الشرطة، من الاستمرار في احتجاز "بيسيغي". من جهته، اعتبر نيكولاس أوبيو، وهو محامي ومحلل سياسي، أن الطريقة التي يتعامل بها موسيفيني مع خصومه السياسيين تظهر مدى ضعفه. وقال في حديث لوكالة الأناضول: "دائرته (المقربين) تحمي منصبه من المنافسة لأنه يدرك أن هناك فرصة حقيقية للإطاحة به". وأضاف: "موسيفيني ليس مستعدا للمنافسة نزيهة، وسوف يعتمد دائما على الأسلحة القسرية للدولة الشرطة والجيش في شق طريقه في أي انتخابات". واختتم الخبير بالقول: "عندما يفشل ذلك، سيلجأ لاستخدام موارد الدولة والمال لشراء مهرب من الانتخابات، وهذا ما هو عليه إنه ليس ديمقراطيا".