ما من مصيبة تطفو على السطح في هذه الأيام إلا وهى من نتاج السياسة الغبية التي سار عليها الرئيس السابق الصامت المتمارض المتماوت. والمصيبة الطافية الآن على سطح المصائب هى ما حدث ويحدث في العريش وعلى الحدود المصرية. الرئيس السابق ترك سيناء خاوية على مدى ثلاثين عاما، لا تطوير ولا تنمية، وإنما احتفالات وأغان للتلهية رغم تعاقب المحافظين، ورغم وجود هيئة أطلقوا عليها هيئة تعمير سيناء- وهى للتخريب-، ورغم وجود خطط للتنمية. ولكن الرئيس يريد سيناء فارغة من اجل خاطر الصهاينة. ولسنا ندري كيف تمكن ذلك الرئيس- الذي أثبتت الأحداث الأخيرة أنه لم يكن إلا خيال، كخيال المآتة الذي يغرسه الفلاح في أرضه ليفزع الحيوان والطير، وكذلك كان كل من حوله أخيلة على شاكلته... كيف تمكن من السيطرة على كل مجريات الأمور وإن وصلت إلى حد التفريط في الأمن القومي للبلاد. حفرنا ترعة السلام، وجرى الماء فيها باحثا عن الأرض العطشى، وفجاءة تصدر التعليمات بالتوجه إلى توشكا... في أقصى جنوب البلاد حيث أقسى الظروف، ليس للإنتاج الجاد، وإنما للتلهية لتظل سيناء متنفسا لإسرائيل، فقد ُيحتاج إليها في المستقبل، ربما لتوطين الفلسطينيين، أو للمقايضة مع إسرائيل، جزء من سيناء مقابل جزء من النقب، أو ربما لتأجيرها للصهاينة مثلما فعلت دولة عربية. لم يكتف الرئيس ببيع كل ممتلكات الشعب، وإنما راح يفرط ويتاجر في أمن مصر القومي. لقد كنا واهمين مقهورين إلى أن هب شباب الخامس والعشرين من يناير وأثبتوا أن القابع في شرم الشيخ إلى جوار الصهاينة فى منتهى الضعف، لم يكن سوى خيال مآتة. وتأكد هذا التشبيه حينما رأيته ممددا على سرير داخل قفص الاتهام، وأمامه نجلاه كدريئة يحجبان عنه العيون. هل هذا هو الذي نسبوا إليه وحده النصر في أكتوبر 1973، وهونوا من أمر العبور والقتال الضاري على الأرض. لا ليس من سمات الأبطال التماوت على النحو الذي شاهدناه. كنت أتصور أن يأتي مبارك على قدميه، ويدخل قفص الاتهام رابط الجأش، ويتكلم مدافعا عن نفسه، راحضا أو مقرا ما يواجه به من تهم، لا أن "ينكرها" بكلمة واحدة من تحت الغطاء امتثالا لوسوسة محاميه. كيف صمتنا على تفريط هذا الرجل في أرض سيناء، وعلى إدارته للبلاد من شرم الشيخ التي اتخذها عاصمة للحكم. وكيف طاوعه شيوخ الأزهر ورافقوه إلى هناك لإقامة صلاة العيدين، كيف يرضى الشيوخ للأزهر بديلا. لقد سعدت أيما سعادة بقرار القاضي عدم بث المحاكمات، فقد يرى كثيرون معي أن بثها فضيحة لمصر... مصر التي توالى على حكمها شوامخ أضافوا وحافظوا على ريادتها وكرامتها تزرأ بمن يعبث بأرضها، ظاهرها وباطنها على مدى ثلاثة عقود. وإذ صحونا من غفلتنا، نرجو ألا نغيب بعد ذلك ما حيينا.