في خضم الدفاع عن سياسة بلاده تجاه الأزمة السورية صرح المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي , الجنرال "يحيى رحيم صفوي" في شهر آيار 2014 قائلا: "حدودنا الغربية لا تقف عند شلمجة - على الحدود العراقية غربي الأحواز- بل تصل إلى جنوبلبنان، وهذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط ". وكان ذلك تعبيرا عن مدى الغرور الذي بلغته إيران نتيجة ما تحقق لها من توسع ونفوذ بفضل تحالفاتها مع النظام السوري وبعض الجماعات والحركات السياسية والمليشيات المسلحة في المنطقة والذي كان التغاضي الأمريكي عنه بمثابة المظلة التي وفرت لإيران هذا النفوذ. ولكن لم تمر أسابيع على تصريح الجنرال الإيراني المتعجرف حتى سقطت الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية الأمر الذي وضع إيران وحلفاءها أمام تحديدات جديدة تهدد بخطر انهيار كامل المشروع الإيراني, وإدخال المنطقة في نفق جديد وفرض على القوى الدولية الكبرى إعادة النظر في استراتيجياتها التي أصبحت غير ثابتة في ظل تطور الأحداث على الأرض. فبينما كانت إيران تحاول الحفاظ على توازن القوى في الجبهة السورية بالاعتماد على دعم روسيا والصين, وتسعى في إطالة أمد الحرب على أمل أن تستطيع أمريكا إيجاد مخرج سياسي للازمة السورية, فقد أصبحت الجبهة العراقية التي فتحها تنظيم الدولة الإسلامية, تزيد من الضغوط على طهران التي خسرت اغلب أوراقها طوال السنوات الثلاثة الماضية ولم يتبقى أمامها سوى خيار اللجوء إلى اللعب بورقة" الحوثي" وقد ذهبت إلى استخدام هذه الورقة مستغلة الصراعات على الساحة اليمنية والخلافات الإقليمية من جهة, وانشغال التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد (داعش) من جهة أخرى, سعيا منها في فتح جبهة جديدة تخفف فيها الضغوط عن نفسها على الجبهتين السورية والعراقية. وقد ظنت أنها بفعلها هذا قد حققت جزءا من مرادها فراحت أبواق دعايتها الإعلامية تصرح بفرح وزهو, أن إيران باتت تتحكم بأربعة دول عربية وإنها تحاصر الخليج والجزيرة العربية. غير أن الذي غاب عن ذهن المخطط الاستراتيجي الإيراني, هو أن القبضة الأمريكية أصبحت مترهلة إلى حد كبير ولم تعد قادرة على منع دول خليجية معينة استخدام ما تراه مناسبا من أوراق سياسية واقتصادية لتشكيل ضغوط كبيرة على إيران لتزيد من أزمتها. ولهذا حين قررت هذه الدول الخليجية استخدام ورقة النفط كسلاح في مواجهة الحرب الإيرانية ضدها, وجدت أمريكا, وان كان هذا الأمر مؤلما لها من الناحية الاستراتيجية, انه يمكن قبوله تكتيكيا لاستخدامه ورقة ضد روسيا. وهنا وقعت إيران بالفخ فقد تحول "الحوثي "من ورقة رابحة يعول عليه لتخفف الضغوط عنها, إلى كارثة زادت في أعبائها. ما من شك فيه أن انخفاض أسعار النفط في ظل الاستنزاف المتزايد على الجبهتين السورية والعراقية مع الإخفاق الذي حصل في البحرين و اليمن وفشل تشكيل المحور الإقليمي الذي كانت تسعى لبناءه بمشاركة بعض الأخوان المسلمين, جعل إيران تتحول من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع على الأصعد السياسية والعسكرية, ومن الدلائل البارزة على ذلك ما صرح به قائد القوة البرية للجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، قبل أسبوع، من أن "القوات العسكرية الإيرانية قد رسمت خطا أحمر على مسافة 40 كم داخل الأراضي العراقية، لداعش فيما لو تجاوزت هذا الخط فستواجه ردا ساحقا من قبل القوات المسلحة الإيرانية ". بطبيعة الحال تصريح القائد الإيراني هذا يناقض تصريح الجنرال يحيى صفوي السابق الذكر. ولكن كيف يمكن فهم هذا التصريح هل هو انكسار في الجبهة الإيرانية أم محاولة لإعادة الانتشار للحفاظ على الخطوط الأمامية التي بنتها إيران خارج أراضيها على مدى العقود الثلاثة ونيف الماضية؟.