نعم يا لهفي على ما أصاب لغتنا العربية، ويا حسرتا على اللغة التي تسري على ألسنة شبابنا والمسطورة بأيديهم. لن أمل من الكتابة عن المحنة التي تمر بها لغتنا... هل هي بسبب تقاعس المدرسين في المرحلة قبل الجامعية وطولها اثنتا عشرة سنة، أم عدم قدرتهم على توصيل المعلومة إلى التلاميذ، أم عدم كفاية الساعات المخصصة، أم عقم طريقة التدريس، أم أن السبب يكمن في عدم رغبة التلاميذ في التعلم وقد فقد لديهم العلم قيمته وقد أيقنوا أن الدولة تدللهم وتأمر بإنجاحهم. شبابنا يأتي إلى الجامعة وقد نفضوا أيديهم وأخلوا رءوسهم من اللغة العربية وكأن مقرراتها قد انتهت بانتهاء المرحلة الثانوية، بينما اللغة الإنجليزية تلاحقهم أينما التحقوا سواء في الكليات التي تدعي أن لغة التدريس فيها الإنجليزية أو في الكليات التي تتخذ العربية وسيلة للتدريس. أقول هذا مع انتهاء كل فصل دراسي وأنا أقرأ كراسات الإجابة، المعاناة شديدة في فك طلاسم الخطوط، وأكثر شدة في محاولة فهم ما يراد التعبير عنه. فالحروف ليست في مواضعها الصحيحة، حرف يستبدل بحرف، التاء تحل محل الطاء، والدال تحل محل الضاد، والسين محل الثاء والزاي محل الذال، والهمزات لا تستقر على وضع. أما عن التشكيل فهو يتوارى خلف الكتابة ولا يبين إلا عند النطق، أما عن التثنية والجمع فحدث كما شئت. اللغة أصبحت ملوثة ومصادر التلوث- كما سبق الذكر- متعددة، يضاف إليها الكتاب الجامعي الذي لا يراعي أبسط قواعد اللغة. فمثلا قرأت في صدر أحد كتب كلية التربية آية قرآنية "وما أتيتم من العلم إلا قليلا". فصاحب الكتاب لم يكلف نفسه مراجعة هذه الآية الكريمة ليعرف أنه أخفى حرف الواو وغمطه حقه في المساهمة في شكل الكلمة الأولى. حتى المكاتبات بين الأقسام والكليات لا تخلو من أخطاء نحوية وإملائية مخجلة. والصحافة هى الأخرى تلوثت لغتها وأصبحت مصدرا للتلوث. ولعلنا سمعنا بعض رجال القانون وهم يخطئون في أثناء تلاوة الأحكام. وأذكر بهذه المناسبة أستاذا بكلية الآداب كان في ضيافة الدكتور طه حسين ونطق أمامه كلمة المصيف (بسكون الصاد وفتح الياء) فامتعض وجه الدكتور طه حسين وامتقع، فسارع الأستاذ إلى التصحيح معتذرا وأعاد نطق الكلمة بكسرة على الصاد. إلى هذا المدى وصل الحرص على اللغة، ولو كان طه حسين بيننا اليوم لمات حسرة على ما أصاب لغتنا. ومثال آخر على الحرص على سلامة اللغة... جلس أحدهم إلى قوم من العرب يتحدث معهم فقال: قد عييت، فقالوا له لماذا تلحن... فتعجب الرجل وقال كيف! فقالوا إن كنت أردت التحير فقل عييت، وإن كنت أردت التعب فقل أعييت. وهذا سيبويه إمام النحاة وقد مات كميدا عندما أخطأ في جملة في معرض مناظرة بينه وبين أحد النحاة. لقد أصبحنا في موقف بالغ السوء... لا نجيد لغتنا العربية ولا نعرف الإنجليزية التي نتشدق بها؛ في الوقت الذي نحتقر فيه لغتنا ونستهزئ بمعلميها. أروني دولة في العام لا تعتز بلغتها ولا ترضى عنها بديلا، بل وتعمل على نشرها. وحتى العبرية أحيوها من رقادها. بالقطع إذا استمرت هذه الحالة سنفقد لغتنا ومعها هويتنا. أننا نهيب بالمجلس الأعلى للجامعات، ومعه توصية من المجمع اللغوي والأزهر أن يفرض استمرار تدريس اللغة العربية في كل سني المرحلة الجامعية وما بعدها مثلما فرضت مقررات الجودة وحقوق الإنسان. ويجب التصدي بحسم لهذا الإسراف في كتابة بحوثنا ورسائلنا العلمية التي تنشر في مجلاتنا باللغة الإنجليزية، وحسب الأخيرة ملخص يذيل به البحث. أدركوا لغتنا قبل أن يواريها التراب ومعها هويتنا.