هذه السطور هي خلاصة حوار مطول دار بيني وبين الصديق المغربي الأستاذ المصطفى العسري وهو إعلامي بارز ومثقف متزن، وهو محب لمصر مثل بقية الشعب المغربي الشقيق. اتصلت به، ولم نكن قد تحدثنا منذ فترة طويلة، واستفسرت منه عن رؤيته لخلفيات ذلك التقرير المفاجئ الذي بثه التلفزيون المغربي الرسمي يوم الخميس الماضي بخصوص مصر. قال لي: مشكلة المصريين إنهم يقذفون الناس بالحجارة، وينتظرون أن يكون الرد عليهم بإهدائهم الورود. منذ مدة والفضائيات المصرية تكيل الاتهامات والشتائم للمغاربة، مرة يطلع شيخ في الأزهر ويعتبر الاحتفال بعيد الأضحى عندنا باطلا لأن المغاربة لم يحتفلوا بالعيد مع السعودية، رغم أن التقارير تقول إن رؤية الهلال التي يُعتد بها هي فقط في المغرب وسلطنة عمان، ومرة تطلع مذيعة وتقول ردا على دعوة قائد "حماس" خالد مشعل للمغاربة بالدفاع عن المسجد الأقصى بسبب حبهم لفلسطين والمقدسات إن الاقتصاد المغربي مبني على الدعارة، وأن المغرب صاحب أعلى نسبة إصابة بالإيدز، وهو كلام غير صحيح، ومرة يطلع ممثل اسمه مصطفى شعبان ويقول إن 9 من 10 من المغاربة هم يهود، لكن الذي أفاض الكأس هو التالي: هجوم بعض الإعلاميين المصريين على الزيارة الخاصة التي قام بها الملك محمد السادس إلى تركيا، وتجوله في شوارع اسطنبول دون حراسة، واللقاء الأسري الذي عقده مع الرئيس التركي أردوغان بحضور زوجتي الرجلين وأبنائهما، معتبرين أن هذه الزيارة هي لتقطير الشمع على القاهرة، أي النكاية في القاهرة وإيلامها. مع العلم أن الملك يرد الزيارة الخاصة لأردوغان الذي سبق له القيام بزيارة دولة للمغرب ولم يستقبله الملك آنذاك لوجوده في فرنسا. النقطة الثانية وهي الأهم: مشاركة وفد مصري في فعاليات لتجمع في الجزائر لنصرة الشعوب المظلومة وفي مقدمتها "الشعب الصحراوي"، بالتزامن مع توقيع صفقة لتزويد مصر بالغاز الجزائري. هنا المغربي لا يعرف أباه كما يُقال لأن الصحراء قضية المغاربة الأولى. المغرب ضحى بقارة بأكملها من أجل الصحراء، فقد انسحب منذ عام 1981 من عضوية الاتحاد الإفريقي بسبب قضية الصحراء، وأرغم إسبانيا على تغيير موقفها من القضية بعد أن أصبحت 60% من الاستثمارات الإسبانية في أفريقيا موجودة بالمغرب. وردود الفعل من المغرب تكون غاضبة تجاه البلدان التي تسيء إليه حتى وإن كانت مهمة، مثلا: لمجرد اقتراح إدارة أوباما توسيع نطاق عمل بعثة الأممالمتحدة للإشراف على وقف إطلاق النار بالصحراء ليشمل مراقبة حقوق الإنسان قام المغرب على الفور بإلغاء المناورات مع الجيش الأمريكي المسماة الأسد الأفريقي، وهو ما أدى إلى إلغاء واشنطن لذلك المقترح، ودفعها للإشادة بمقترح الرباط منح الصحراء حكما ذاتيا موسعا. وعندما قامت فرنسا بمحاولة استدعاء رئيس المخابرات المغربية عندما كان في باريس جمد المغرب التعاون القضائي معها وتضررت مصالح الآلاف من الفرنسيين المقيمين بالمغرب، وقام الملك بإلغاء زياراته الخاصة لفرنسا وعوضها بالإمارات وتركيا، وللعلم المغرب أصبح منافسا قويا لفرنسا في أفريقيا جنوب الصحراء، فالبنوك المغربية تتوسع في موريتانيا والسنغال والكوت ديفوار والجابون وغينيا الاستوائية، والخطوط الملكية المغربية هي الآن أهم خطوط جوية تغطي سماء القارة السمراء، وشركة اتصالات المغرب تهيمن اليوم على العديد من شركات الاتصال في عدد من البلدان الأفريقية، كل هذا جعل فرنسا لا تنظر بعين الرضا إلى لعب المغرب في حديقتها الخلفية. وخطاب الملك محمد السادس الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء كان الأكثر قوة وهاجم فيه الجزائر بشكل مباشر، محملا إياها مسؤولية معاناة الصحراويين على أراضيها في مخيمات البوليساريو. وموقف المغرب الثابت أن أقصى ما يمكن أن يمنحه للصحراء هو حكم موسع ضمن السيادة المغربية التي يعتبرها غير قابلة للمساومة. الملك هاجم موظفي الأممالمتحدة الذين اتهمهم بالارتشاء من مداخيل النفط الجزائري، وكتابة تقارير تسيء للمغرب وتغض الطرف عما يجري في مخيمات البوليساريو. الصحراء أرض مغربية والأسر التي حكمت المغرب جلها أصلها من الصحراء كالسعديين والمرابطين والعلويين، وسكان الصحراء أكثر عروبة من سكان الشمال الأفريقي، والصحراويون لديهم ارتباطات قبلية مع سكان الشمال المغربي. وفي عام 1975 قام الملك الحسن الثاني بتحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني إثر تسييره المسيرة الخضراء التي شارك فيها 350 ألف مغربي، حيث كانت إسبانيا تخطط لتأسيس جمهورية على تلك المنطقة ولذلك قام القذافي الرئيس الليبي الراحل بتمويل وتأسيس جبهة البوليساريو وكان يرغب مع إسبانيا بالإطاحة بما كان يسميه النظام الملكي الرجعي الموالي للغرب. وقامت الجزائر باحتضان مشروع القذافي حتى لا تطالب الرباط باسترجاع الصحراء الشرقية التي ضمتها فرنسا من المغرب للجزائر والتي كانت سببا في حرب الرمال بين البلدين عام 1963. وإسبانيا تبنت قضية الشعب الصحراوي حتى لا يطالب المغرب باسترجاع سبتة ومليلية منها. قيادة البوليساريو التاريخية عادت للمغرب إثر النداء الذي أطلقه الحسن الثاني بأن الوطن غفور رحيم والمغرب يطالب الأممالمتحدة بمنح سكان مخيمات البوليساريو حرية التنقل والاختيار بين البقاء في مخيمات البوليساريو أو العودة لوطنهم في الصحراء جنوب المغرب الذي انتصر في الحرب عام 1990 ويسيطر على كل مدن الصحراء وهي العيون والداخلة والسمارة وبوجدور والكويرة. سألته: ما سر نهضة المغرب التي وردت في سياق كلامك؟ قال: المغرب لم يتأثر بالربيع العربي لأنه يعيشه منذ منتصف التسعينات عندما مهد الملك الراحل الحسن الثاني الأجواء لولي عهده في سنواته الأخيرة فمنح المعارضة اليسارية الحكم ممثلة في الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي بعد ذلك قام الملك محمد السادس بمجموعة من الإصلاحات كقانون الأسرة الجديد، والاعتراف بالأمازيغية وقام بإصلاحات اقتصادية واستثمارية ودعم القطاع السياحي وطور مجال الاتصالات وقام بمد شبكة الطرق السريعة التي باتت الأهم في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وأنشأ العشرات من الموانئ ومنها ميناء طنجة وهو الأكبر في أفريقيا وحوض البحر المتوسط، والمغرب يعمل الآن على مد خط سريع للسكك الحديدية سيكون الأول من نوعه في العالم العربي وأفريقيا، وفي المغرب اليوم صناعة سيارات صارت مزدهرة تسبق السياحة والفوسفات والفلاحة وتحويلات المغاربة العاملين بالخارج في مصادر الدخل القومي. تلك رؤية مواطن ومثقف مغربي للأزمة، ونود التأكيد على ضرورة أن تسعى مصر لعلاقات خارجية متوازنة مع جميع بلدان العالم، وضرورة إزالة أي سوء فهم مع المغرب، والإعلام بشكل خاص مُطالب بالمسؤولية الشديدة وهو يتناول الوضع في أي بلد شقيق، كما أن المغرب كانت لديه قنوات أخرى سياسية ودبلوماسية يعبر فيها عن ملاحظاته للقاهرة بدل ذلك التقرير الذي بلا معنى بعد عام ونصف العام من حصول التغيير وتشكيل سلطة جديدة تثبت أركانها وتحوز على اعتراف العالم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.