من صناعة الأبطال.. ل تشويه وتسريبات.. شيطنة النشطاء.. والزج بهم في السجون ما بين شهيد وقعيد ومطارد وخلف القضبان وآخر زاغ بصره بالشوارع والميادين خوفًا من أن يراه شرطي وهو ينشر ورقة تحمل نقدًا لسياسة النظام القائم فيلحقه بمصير سابقيه.. أصبح حال القوى والحركات الثورية خلال عام كامل مر عليهم حُملوا فى بدايته على الأعناق وزج بهم بالسجون فى نهاية المطاف.
متصدرو المشهد "الثوار" الذين سطع نجمهم عقب 25 يناير وذاع صيتهم باعتبارهم الشرارة التى انطلقت منها الثورة تبدل بهم الحال وانقلب رأسًا على عقب؛ فبعد أن تصدرت المشهد السياسى حركة 6 إبريل والاشتراكيون الثوريون وشباب من أجل العدالة والحرية وحركة كفاية وجابر جيكا الذين مثلوا "القوى الثورية الحقيقية التى تعارض النظام" ينضم إليهم نشطاء مستقلون وشباب الأحزاب على رأسهم أحزاب "الدستور والمصري الديمقراطى الاجتماعى والكرامة والتيار الشعبى والتحالف الشعبى الاشتراكي ومصر الحرية والعيش والحرية.. تساقطت فى طريق 2014 عشرات الحركات إما خوفًا من القبضة الأمنية أو طمعًا فى مقعد بالبرلمان أو حركات نشأت فى الأصل لإرباكهم وتشتيت أهدافهم. خلال 2014 شهد خسارة الثوار على عدة مستويات "سياسية واجتماعية وتنظيمية"؛ بسبب القبضة الأمنية غير المسبوقة التى انتهجها نظام 3 يوليو.
شيطنة الثوار
على المستوى الاجتماعي.. تعمد نظام 3 يوليو شيطنة القوى والحركات الثورية بكل ما تملك من أجهزة إعلامية وقضائية التي قامت بدور هام فى كراهية المواطنين العاديين ل"الثوار" وأصبحت 6 إبريل مشهورة إعلاميًا 6 إبليس. يقول خالد عبدالحميد، القيادى بجبهة طريق الثورة "ثوار"، إنه من الناحية الاجتماعية تأثر الثوار كثيرًا بحملات التشويه التى مارسها النظام ووسائل الإعلام ضده. وأكد أن العمل على الرأي العام يحتاج إلى وقت ومجهود كثير؛ حتى تسترد القوى الثورية صورتها الذهنية الجيدة لدى جموع الشعب إلا أن العمل قائم حاليًا على توعية الشارع المصري.
قانون التظاهر.. ينهى هالة الثوار
على مستوى الشارع.. افتقر العام للحراك الثورى الذى طالما اعتادت عليه الحركات الشبابية "نبت" أواخر عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك و"ازدهرت" فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى فكانت لا تمر ذكرى لحادث أو قرار يعتبره الثوار مخالفًا لأهداف الثورة أو القانون والدستور إلا وتمتلئ الميادين بحشد الثوار، ولعل الإعلان الدستور المكمل الذى أصدره "مرسي" 22 نوفمبر 2012 خير دليل على ذلك.. حتى "اختفى" هذا الحراك سريعًا بمجرد وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى لسُدة الحكم، وقبلها بقليل إبان عهد الرئيس المؤقت آنذاك "عدلي منصور" الذي أصدر قانون التظاهر الذى بموجبه حرم فعاليات الثوار وكان حجة قوية لمطاردتهم.
إحياء ذكرى الأحداث الفارقة فى الثورة لم يحضر أحد
الذكرى الثالثة لأحداث محمد محمود 19 نوفمبر، كشفت عن حقيقة تخوف الثوار من السيطرة الأمنية على الشارع المصري، واتضح ذلك عندما رفضت القوى الثورية إحياء الذكرى فى شارع "محمد محمود" على غرار كل عام، واكتفت بالوقوف على سلم نقابة الصحفيين، والتي لم تتم، بسبب محاصرة قوات الأمن النقابة وإلقائها القبض على بعض نشطاء القوى الثورية، الذين توافدوا إلى محيط نقابة "صاحبة الجلالة".
فعاليات سرية مفاجئة كانت الحل
رأت القوى الثورية، أن الفعاليات المعلن عنها تُعرّض الشباب للخطر، فاتبعت سياسة الكتمان والمفاجأة، فى إظهار اعتراضهم واحتجاجهم، على النظام الحالي، والقوانين التى أكدوا أنها تعوق حريتهم، وترجعهم إلى عصر الهيمنة والديكتاتورية، مثلما اتبعت حركة شباب 6 إبريل، الجبهة الديمقراطية فى الفترة الأخيرة، وذلك لإثبات أنهم لم يتنازلوا عن الإفراج عن المعتقلين، ومازالوا متمسكين بثورتهم، وبحقهم فى الوطن وبعدما لم يسمح النظام بذلك وصل بهم الحال إلى الاجتماع سرًا للاتفاق على توزيع منشورات ليلًا خوفًا من الملاحقات الأمنية.
براءة "مبارك".. بداية نهاية الثوار
بمجرد النطق بحكم البراءة على الرئيس المخلوع حسنى مبارك ورموز نظامه يوم 29 نوفمبر الماضى، عاد غضب ثورة "25 يناير" مرة أخرى مؤقتًا عبر حشود بميدان عبدالمنعم رياض ظهرت وكأن النظام القائم سمح لهم بذلك؛ حيث عاد الثوار لأول مرة فى 2014 للتظاهر فى الميدان، بالقرب من التحرير، ليمتلئ الميدان بآلاف المتظاهرين، بعد أن دعت حركة 6 إبريل للنزول لرفض الحكم، وانتهت الفعالية بفضها من قبل قوات الأمن وقتل شخصان من رافضي براءة "مبارك".
تهم تلاحق الثوار
لم يغلب النظام القائم فى تجهيز عشرات التهم للثوار لإرهابهم وتحريم فعالياتهم لإسقاط قانون التظاهر والإفراج الفوري عن المعتقلين وأسندت إليهم النيابة العامة العديد من الاتهامات، أبرزها؛ الاشتراك فى تجمهر الغرض منه تعطيل تنفيذ القوانين، والتأثير على السلطات العامة وذلك أثناء تأدية عملها، وإحراز أدوات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة، وتنظيم مظاهرة بدون إخطار على الوجه المقرر قانونيًا، وتعطيل مصالح المواطنين والمواصلات والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وحيازة مواد حارقة ومفرقعات أثناء الاشتراك فى تلك المظاهرة، واستعراض القوة واستخدام العنف بقصد ترويع المواطنين وتخويفهم، والإتلاف العمدى للممتلكات العامة، وحيازة مواد مفرقعة بدون ترخيص، وحيازة أدوات تستخدم فى التعدي على الأشخاص بدون مسوغ قانوني.
ثوار خلف القضبان وائتلافات بلا قادة
أحمد دومة وأحمد ماهر ومحمد عادل وعلاء عبدالفتاح وماهينور المصرى وغيرهم المئات غابوا عن الساحة، فى 2014 وصار مكانهم خلف القضبان، بسبب مخالفتهم للنظام القائم ولاسيما قانون التظاهر الذي يقيد حريتهم، وبمجرد أن عبروا عن رفضه أصبح مكانهم السجون.. واستشهد منهم العشرات واعتقال منهم المئات.
ثوار "الأمعاء الخاوية"
بعد أن رأى معارضو النظام، أن الشارع مُحكم، والأمن يفرض سيطرته عليه، بحثوا عن طريقه جديدة للاحتجاج وللتعبير عن مطالبهم، فوجدوها فى الإضراب عن الطعام، ومعركة "الأمعاء الخاوية" وسيلة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، بدأها بعض المحبوسين داخل السجون فى آخر شهر يناير الماضي، وانضم لهم آخرون على فترات متباعدة، فبعضهم مازال مستمرًا فى إضرابه عن الطعام، للمطالبة بحريتهم. ويؤكد الناشط السياسى خالد عبدالحميد، القيادى بجبهة طريق الثورة "ثوار" والتحالف الشعبى الاشتراكي، أنه منذ 3 يوليو مارس النظام القمع على المتظاهرين باعتقال كل من يفكر التظاهر أو ينظم فاعلية أو الاعتصام، حتى العمال البسطاء أثناء تظاهرهم لمطالبتهم بالحصول على حقوقهم المادية أو تثبيتهم فى مقار عملهم.
انهيار شعبي وغياب سياسى
كنتيجة طبيعية لكل ما سبق خسر الثوار رصيدهم السياسى وفضل النظام القائم الاستعانة ب"العواجيز" واستبعد الشباب ولعل عودة كمال الجنزوري ومشيرة خطاب اللذين تجاوزا الستينيات كمستشارين للرئاسة خير دليل على ذلك. وأكد خالد عبدالحميد، عضو جبهة طريق الثورة، أن البرلمان القادم لا يمثلهم ولن يشاركوا فيه وأن الأمر متروك لمَن يرغب فى المشاركة إلا أن الغالبية لن تشارك بقوله إن "البرلمان القادم تابع للنظام". وأشار إلى أن الحل فى استمرار الثورة، مع السعي للحصول على ثقة الجماهير الكادحة من أجل استكمال وانتزاع، حقوق المصريين جميعًا فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، مؤكدًا أنه طالما أن الحركة الثورية مستمرة فى الشارع ستفرز وجوهًا شبابية جديدة، مضيفًا: "أن هناك شبابًا ينتمون إلى الثورة، ومؤثرون فى الشارع ولكنهم غير معروفين إعلاميًا، تعليقًا منه على رموز الثورة المعتقلين فى السجون". سراب استكمال الثورة فى هذا الشأن سرد خالد إسماعيل، عضو المكتب السياسى لحركة 6 إبريل، ما مرت به القوى الثورة طيلة عام كامل.. فى البداية يقول "العضو الإبريلي" إنه فى عام 2014 أجبرت أخطاء جماعة الإخوان المسلمين وما تنتهجه من سياسة الاستقطاب والتفريق بين أنصارهم والمعارضين الثوار، على الانقلاب عليهم وتعميق فكرة رحيل "مرسي" فلجأوا إلى حملة تمرد. أوضح "إسماعيل" أن فكرة اللجوء إلى تمرد كانت لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ولم يكونوا على علم بأن مَن يديرها يسعون للانقضاض على أهداف ثورة 25 يناير بحسب قوله. واستكمل أنه عقب 3 يوليو تم اختزال الحدث فى المؤسسة العسكرية ولم يتحقق مما اتفق عليه الثوار، فالانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية لم تتحقق، وميثاق الشرف الإعلامى لم يُفعل، وخارطة الطريق لم تنفذ، فكانت بمثابة انهيار تمام للعدالة الاجتماعية والانتقالية، وأصبح الثوار يعيشون فى أكذوبة كبيرة - على حد تعبيره. وأوضح أن بداية انقلاب الثوار على نظام 3 يوليو كانت عقب إصدار قانون التظاهر وما وصفه ب"حنفية القوانين" التى أصدرها النظام مخالفة للدستور، متسائلاً كيف بمن جاء بالتظاهر يمنعه؟. ومضى عضو حركة 6 إبريل فى حديثه ل"المصريون" قائلاً إنه عقب اعتراض الثوار على قانون التظاهر شن إعلام النظام حملة تشويه وتخوين وشيطنة لدرجة أن "الناس" كرهت الثورة.
وأردف: "أن النظام الموجود يتعمد قمع الثورة ومطاردة أى عمل للحركات والقوى السياسية، معترفًا بنجاح النظام فى تمرير قانون التظاهر وفشل الثوار فى إلغاء القانون أو تعديله". واستطرد: "أن قمع النظام أوصلهم لمرحلة أن يتركوا الفعاليات فى الشارع ويلجأوا لوسائل أخرى كعمل مؤتمرات داخل نقابة الصحفيين ودار الأوبرا وغيرها، وكذلك حملات التوعية التى تدار فى الخفاء بعيدًا عن الملاحقات الأمنية". وقال: "إن الثوار ضحوا بعدد كبير من الثوار ما بين شهيد وقعيد ومطارد وخلف السجون متحفظًا الإعلان عن العدد الحقيقي لضحايا الثوار بقوله إنه لا يفرق بين ضحايا الثوار والإسلاميين.. فى نفس السياق، يعلق الدكتور يسرى العزباوي، الخبير السياسي، على ما مر به الثوار خلال العام الماضى بأن الأسباب التى كانت وراء ضعف موقف القوى الثورية فى الشارع المصرى القبضة الأمنية وكذلك حالة انقسام القوى الثورية على نفسها بجانب تأييد العديد من القوى الثورية للرئيس الجديد الذين قاموا بانتخابه ورغبتهم فى أن يستكملوا معه خارطة الطريق. وأضاف أن القوى الثورية بمختلف انتماءاتها عندما تتفق على هدف واحد تسعى لتحقيقه وتتناسى أي انتماءات سياسية حتى تحقق الهدف وبعد الانتهاء من تحقيق هدفها تنفصل اتجاهاتها وتعود إلى سيكولوجيتها السياسية مرة أخرى، مدللاَ على ذلك بالتفاف الجموع فى ثورة 25 يناير وفى 30 يونيو؛ فاجتمعت الصفوف جميعهًا ثم انفصلت وانقسمت بعد ذلك وتغيرت توجهاتها.
وأشار العزباوي إلى أن دور بعض القوى الثورية ومنها حركة 6 إبريل والاشتراكيون الثوريون أصبح ضعيفًا جدًا، وفقدت مصداقيتها فى الحشد على أرض الواقع، بحملات التشويه التى سلطت عليه، مؤكدًا أن الإعلام بغض النظر عن مصداقيته أصبح المنبع الذي يستمد منه الجمهور توجهاته القادمة. وأوضح الخبير السياسى أن القوى الثورية لن يكون لها دور فى البرلمان القادم؛ لأنها بعيدة كل البعد عن الشارع المصرى وفقدت مصداقيتها معه، خاصة أن القوى الثورية تمثل اتجاهًا وشريحة معينة لا تمثل فئات الشعب المصرى المختلفة.