رغم الفرحة العارمة داخل إسرائيل ب"الفتيو" الأمريكي ضد مشروع القرار العربي في مجلس الأمن الدولي حول إنهاء الاحتلال, إلا أن التطورات التي أعقبت هذا الأمر, سرعان ما قلبت الطاولة على تل أبيب, خاصة بعد توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اتفاقية الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية. ولعل إلقاء نظرة على ردود فعل الصحافة الأمريكية يدعم صحة ما سبق, ويكشف حجم الصدمة التي تلقتها واشنطن وتل أبيب, حيث ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها في مطلع يناير أن توقيع عباس على اتفاقيات دولية, من بينها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية, لا يعد أمرا مفاجئا. وأضافت الصحيفة أن معاناة الفلسطينيين تزايدت كثيرا عبر سنين طوال من محادثات عديمة الجدوى مع الإسرائيليين، وأن فشل المحادثات بين الطرفين يدفع بالرئيس عباس لاتخاذ خطوات تتمثل في نقل القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية. وتابعت أن حل الدولتين يبدو بعيد المنال، خاصة في ظل وجود يمينيين إسرائيليين يعارضون قيام دولة فلسطينية، وأشارت إلى أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طالما وقفت ضد حل الدولتين, وأنها واصلت تعقيد القضية من خلال استمرارها في سياستها الاستيطانية بالأراضي الفلسطينية، وسط عدم التفاؤل بشأن ما قد تؤول إليه الأمور. كما نشرت الصحيفة أيضا مقالا للكاتب روجر كوهين، أشار فيه إلى المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون بغزة, وإلى الأوضاع المتردية هناك، والتي تنذر بنشوب حرب جديدة، خاصة مع تصاعد التوتر بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وقال الكاتب إن باستطاعة الإسرائيليين والفلسطينيين والمصريين والأوروبيين والأمريكيين العمل على تغيير الأوضاع البائسة التي يعيشها أهالي غزة، وإلا فالبديل هو الحرب. وبدورها, أشارت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في مطلع يناير إلى الخطوة الفلسطينية المتمثلة بنقل قضيتهم إلى مجلس الأمن الدولي، وقالت :"إنه برغم فشل مشروعهم، فإنهم كسبوا دعما سياسا يتمثل في نقل قضيتهم إلى المحافل الدولية، خاصة إلى الأروقة الأوروبية, بعيدا عن محادثات السلام التي ظلت تقودها الولاياتالمتحدة عبر السنين". وفي السياق ذاته، أبرزت مجلة "فورين بوليسي" غضب واشنطن من قرار عباس حول الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأضافت أن وزارة الخارجية الأمريكية انتقدت مساعي عباس، وذلك لأنها تمهد الطريق لتقديم شكاوى ضد إسرائيل، خاصة بشأن جرائم الحرب, التي ارتكبتها في الحرب الأخيرة على غزة. وكان عباس وقع في 31 ديسمبر على اتفاقية الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية, وعدد من الاتفاقيات الدولية الأخرى، في خطوة من شأنها أن تمهد السبيل أمام المحكمة للنظر في جرائم يتهم الفلسطينيون إسرائيل بارتكابها، لا سيما خلال العدوان الأخير على غزة. ويأتي توقيع عباس على الاتفاقيات بعد يوم من رفض مجلس الأمن الدولي في 30 ديسمبر مشروع قرار عربي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في غضون عامين, وإقامة دولة فلسطينية. ومن جهتها، وصفت حركة حماس التوقيع على المعاهدات الدولية, بأنه "خطوة بالاتجاه الصحيح"، مشددة في الوقت نفسه, على ضرورة أن توضع في إطار سياسة عامة وبرنامج وطني مشترك. ودعت الحركة إلى انعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية لإقرار وقف كل أشكال المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي ووقف التنسيق الأمني، ورفع الحصار عن قطاع غزة, والمباشرة الفورية في إعادة الإعمار. وفي المقابل، هاجم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو توقيع عباس على طلب الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وقال غاضبا :"إن من يتعين عليه الخشية أكثر هو السلطة الفلسطينية التي شكلت حكومة مع حماس، المنظمة المعروف عنها أنها إرهابية، وترتكب -مثل تنظيم الدولة- جرائم حرب". كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أن واشنطن "تعارض بشدة" الطلب الفلسطيني بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية ، معتبرة أنه "لن يحقق شيئا من تطلعات الشعب الفلسطيني نحو قيام دولته المستقلة ذات السيادة". يذكر أنه بعد الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية, سيكون بإمكان الفلسطينيين اللجوء إليها للتحقيق في جرائم حرب يتهمون إسرائيل بارتكابها.