في أزقة "درب الملاح" بحي باب الشعرية وسط العاصمة المصرية القاهرة تقبع 3 ورش هي كل ما تبقى من صناعة دمى الحلوى التقليدية للمولد النبوي من عرائس وأحصنة، وهي صناعة تشتهر بها مصر منذ عهد الدولة الفاطمية (969-1171 ميلادية). وسنويا، يحتفل المسلمون بذكرى مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في الثاني عشر من شهر ربيع الأول بتقويم السنة الهجرية، والذي يوافق هذا العام بعد غد السبت الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري. ومنذ حكم الفاطميين استمرت صناعة دمى المولد النبوي من الحلوى في ازدهار إلى أن نافستها العرائس المصنوعة من البلاستيك، حتى أوشكت عرائس الحلوى على الاندثار وانحسرت صناعتها في 3 ورش فقط بين عشرات من الورش التي تصنع الآن العرائس البلاستيكية.وفق الاناضول ورشة "العربي" هي إحدى تلك الورش الثلاثة، وقد زارتها وكالة الأناضول لرصد مراحل صناعة الدمية من الحلوى، بداية من كونها أكواما من السكر إلى أن تصير دمية بأشكال وألوان مختلفة. علي العربي، مالك الورشة العتيقة، قال للأناضول: "ورثت هذه الورشة عن أبي في الخمسينيات (من القرن الماضي) وهو بدوره كان قد ورثها عن جده، وعمل على بقاء هذه الصناعة حية في مصر التي شهدت ميلاد عروس المولد النبوي من الحلوى". وأطاحت ثورة شعبية بالرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، عام 2011، ومن حينها شهدت مصر تقلبات كثيرة على وقع تطورات سياسية متسارعة واضطرابات أمنية دموية خلفت قتلى وجرحى. لكن العربي، وهو في العقد الخامس من عمره، لم يترك الظروف السياسية المتواترة تؤثر على صناعة أجداده، حيث يقول إنه "رغم اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني 2011)، وفرض حظر التجول حينها وإنعدام الأمن خلال فترات كثيرة، إلا أنني حرصت على تصنيع العروس في موعدها لتكون جاهزة في استقبال المولد النبوي الشريف". معتزا ومتمسكا بتلك الصناعة لكونها إرث أجداده، مضى قائلا عن بداية تلك الصناعة إنه "في العصر الفاطمي، وتحديدا أثناء حكم المعز لدين الله الفاطمي لمصر، تحققت انتصارات حربية كانت مرتبطة بصورة الجندي المسلم وهو يمتطي جواده مزهوا بتلك الانتصارات". ويتابع: "تزامنت إحدى تلك الفتوحات مع المولد النبوي الشريف، فطلب المعز لدين الله من صانعي الحلوى في مصر أن يصمموا فارسا على جواده من الحلوى، ابتهاجا بالمولد النبوي الشريف واحتفالا بالفتوحات الإسلامية". بعدها "طوّر صنّاع الحلوى الفكرة، وبدأوا في صناعة عروس من الحلوى للفتيات، بعد أن شاع شراء الحصان المصنوع من الحلوى بين الصبيان، ومن هنا عرف المصريون عرائس وأحصنة المولد النبوي وتوارثوا شرائها"، بحسب العربي. غير أنه، وبحسرة، أضاف أن "هذه الصناعة لم تعد كما كانت.. مصنعي أنتج العام الماضي 15 طنا من عرائس الحلوى في مقابل 10أطنان هذا العام للزبائن الذين لا يزالون يفضلون تلك العرائس التي تربطهم بتراثهم وذكريات طفولتهم". وهو تراجع عزاه صاب المصنع إلى "التطور التكنولوجي الذي أنتج للأطفال دميات بلاستيكية، فأثر بطبيعة الحال على عدد المصانع التي تتخصص في صناعة العرائس من الحلوى، لكنه لم يقضِ عليها.. والمصانع الثلاثة الموجودة تُورد تلك العرائس إلى أحياء القاهرة المختلفة، سواء الشعبية منها والراقية". وأوضح أنه "رغم أن غالبية المصريين ينظرون الآن إلى العروس البلاستيك على أنها أفضل لأنها تعيش طويلا، إلا البسطاء منهم يفضلون عروس الحلوى؛ لأن سعرها أقل، من 15 إلى 40 جنيها (حوالي 2-5 دولار أمريكي) بعكس العروس البلاستيكية التي يصل سعرها إلى الضعف". بينما يتراوح سعر العرائس البلاستيكية بين 35 جنيها و250 جنيه (من 5 إلى 35 دولارا أمريكيا)، بحسب الحجم وجودة القماش المستخدم والإكسسوارات. وعادة، يتنوع من يشترون عرائس المولد النبوي بين أباء وأمهات يشترون لأطفالهم، وشباب يشترون العرائس لخطيباتهم. وقالت هند عامر، وهي ربة منزل مصرية في العقد الخامس من العمر، إن "اختفاء عروس المولد المصنوعة من الحلوى بشكل تام سيمثل تضييقا بشكل كبير على البسطاء (الفقراء)". وتابعت، في حديث مع وكالة الأناضول: "رزقني الله بأربعة أحفاد إناث لا زلن في سن الطفولة، وأحرص دائما على أن أهدي لكل منهن عروس في المولد النبوي، وبطبيعة الحال تكون عروس من الحلوى، فهي أوفر كثيرا لي؛ لأنني اشتري العرائس الأربعة بثمن أقل من العروس البلاستيكية الواحدة". وختمت الجدة المصرية بقولها: "أحرص على أن تتنوع ألوان العرائس التي أهديها إلى حفيداتي اللائي ارتبطن بدورهن بالعروس الحلوى حتى أصبحت طقسا إجباريا في أسرتنا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لدرجة أنهن يبالغن في الحرص على سلامة العروس أثناء اللهو بها كي لا تنكسر وتتلف، وفي حال كسرها أمنعهن من التهام حطام الحلوى؛ لأنها ربما تكون قد تلوثت جراء اللهو بها". وصناعة دمى العرائس والأحصنة وبقية الحلويات لا تستمر طيلة العام. وبحسب العربي فإن "صناعة دمى المولد النبوي من الحلوى هي مهنة مؤقتة لا يتجاوز العمل بها الشهر سنويا، والعمال المتخصصون في صناعة تلك العرائس يلتحقون بمصنعي في هذا التوقيت من كل عام، لما توفره لهم من أجر مجز يتراوح بين 80 إلى 150 جنيها يوميا (10 – 20 دولارا أمريكيا).. وفي بقية العام يقوم نشاط المصنع على تصنيع الشوكولاتة". وفي الغرفة المركزية للورشة يتم صهر السكر، وهي أهم مراحل التصنيع، قبل إضافته إلى بقية عناصر حلوى العروس والحصان، وتتخطى درجة الحرارة في بعض الأوقات 50 درجة مئوية، رغم برودة الطقس في مثل هذا الوقت من العام. رامي السيد، أحد العاملين في المصنع، قال للأناضول إن "تصنيع العروس والحصان من الحلوى يحتاج إلى ثلاثة مكونات، هي المياه والسكر وملح الليمون". وتابع السيد: "بداية نضع الماء الفاتر في إناء ضخم ونزوده بكمية محددة من السكر ونتركه يغلي إلى أن ينصهر السكر تماما، ويبدأ الخليط في إصدار البخار بكثافة معينة، قبل أن يصل إلى السُمك المطلوب لصناعة الحلوى.. بعدها نترك الخليط ليبرد قليلا، قبل أن نخلط به خميرة نصنعها من ملح الليمون ثم نقوم بتقليبها جيدا حتى تذوب تماما، قبل أن نتولى صب الخليط في قوالب العرائس ليأخذ شكلها في دقائق، ثم يأتي الدور على مرحلة تزيين الدمية". وختم العمل بأن "العادة جرت على أن تصنع عرائس وأحصنة المولد في القاهرة باللون الأبيض الشبيه بلون الشمع، إلا أن الوضع في محافظة الإسكندرية (الساحلية - شمال) مختلف، إذ يتم صبغ العروس والحصان بألوان صناعية صحية لتخرج في شكل مبهج.. والقوالب التي تكتسب فيها الدمية يتنوع ونع شكلها بين قوالب على هيئة عروس وأخرى على هيئة حصان، وذلك بأحجام متنوعة".