ثقف العربية وحفظ القرآن الكريم ودرس الأدب والنقد وعمل في عالم الكتب، هكذا كانت البداية. لكنه أحب في طريقه إلى السيد البدوي، وشكى إلى أبيه دروب الحياة الوعرة. كان إحساسه الشاعري الحالم، وثقافته العربية الأصيلة من المنابع الثرية التي استقى منها أشعاره؛ بدا شاعرًا بقسوة الحياة ونعيمها؛ ففي قصيدته الحنين إلى الملتقى تجلى رصده لمدى ما تعصف به الحياة لهذا الإنسان الذي يكابدها، شاكيًا لأبيه الرامز في قصيدته إلى الحنان ومخفف العبء عن الشاكي، وهو في هذه الحالة الشاعر المنجي سرحان. "أبي إن هذي الحياة مدى يسحق العمر والروح والأفئدة والمواسم قد خلفتنا على بابها مجهدين نكابد أيامنا المجهدة"(1). فالشاعر موثق بالرحيل وبالمنى، يحمله زمن ضائع في ضجيج المدائن، باعه الليل، واغتربت الأماني عنه، وأسلم ذاته المتعبة إلى الحزن، ذلك الذي احتاج معه إلى الحنين والحب، وهو ما وجده متمثلاً في أبيه. "يا أبي أنت متقد بالتشوق تحمل عبء بنيك وتحلم هل يلتقي الزهر بالعطر يمتزجان.. وتقت إلى دفء صدرك"(2). لقد رأى في أبيه سموق النخيل، وصدق المواويل، وكل القناديل؛ فهو ينبوع الحب والملتقى. والشاعر في رحلته إلى السيد البدوي، ملأت الفرحة دمه، وتحول الطريق في رحلته إلى السيد البدوي إلى شرايين قلبه، ذلك الذي تاق إلى الحب واستعاد نضارته أثناء هذه الرحلة المباركة. "كأن الطريق إلى السيد البدوي سيبدأ من خافقينا ويمتد ...... يمتد من أول الأبجدية حتى طفولة عينيك والفرحة المقبلة"(3). وتتحول رحلته هذه إلى تبيان للحب غير المنتهي، حتى تذكَّر المحبوبة ، وفتش عنها في جموع النساء، وكادت تنطفىء جذوة الحب، فقد مرت سنون طويلة، لكن الرحلة إلى السيد البدوي، كانت قد أوقدت شمعه. "وطرت إلى السيد البدوي وغنيت كان المدى فرحًا يكبر الآن، يكبر ثم نمضي معًا ونغني لأيامنا المقبلة"(4). عشق الشعر ومن قبله اللغة العربية ، فأبدع في نظمهما معًا في سياج شاعري محاط بمشاعر دافئة في حالة من الصدق والمصارحة مع الذات ، فاستحق أن يذكر، وأن تذكر أشعاره معه.
هوامش: 1- المنجي سرحان، قصيدة "الحنين إلى الملتقى"، مجلة الشعر، العدد 43، 1988، ص 72. 2- المرجع السابق، ص 72. 3- المنجي سرحان، قصيدة "الطريق إلى السيد البدوي"، مجلة الشعر، العدد72، 1973، ص 23. 4- المرجع السابق، ص 24.
* مدرس الأدب الحديث المقارن * المستشار الفني لكلية الآداب جامعة القاهرة