يبدو أن وزراء التربية والتعليم قد اعتاد كل منهم أن يثير الزوابع عند وصوله لكرسي الوزارة ، وأن يأتي بما يُنقم عليه الرأي العام داخل وزارته دون أن يُحَسّن من وضع العملية التربوية والتعليمة التي تردّت في العقود الأخيرة في شتى مناحيها . ومن تلك الزوابع زوبعة اختبار الكادر الخاص بالمعلم التي ابتدعها الوزير الأسبق يسري الجمل التي أتت على ما تبقى من هيبة وكرامة لدى المعلم ، ذلك لأن الاختبار العسير الذي وُضع أمامه كل مدرس بعد أن جلس على الطاولة يمسك بورقة أسئلة وورقة إجابة وحوله المراقبون من كلية التربية الذين جاءوا للإشراف على عملية الامتحان وبعضهم أصغر من الممتحنين سنا جعلت المدرس يفقد ما تبقى لديه من ثقة بنفسه ، وازداد الأمر سوءا عندما اضطر أكثر المدرسين لنقل الإجابة بعضهم من بعض وسط حالة من الهرج والمرج والغش الجماعي ، إذ تنازل المعلم عن المبادئ التي كان يؤمن بها ، ومنها تحريم الغش ، وصار بعدها مكسور النفس ، فكيف يقف أمام التلاميذ أيام اختباراتهم ويدقق في ملاحظته ومراقبته لهم بعد أن رأى نفسه ينتظر الخلسة لينقل من زميله الإجابة عندما وُضع في مثل ظروفهم ؟!!كيف يقول لهم إذن : إن الغش محرم لأنه يعطي الإنسان ما ليس له وقد التجأ هو إليه عند أزمته ؟!! .. ومن العجب أن هذا الاختبار الذي كسر نفس المعلم لم تحقق الوزارة منه أي شيء ، ولم تستطع أن تُقيّم به المدرسين وتعرف من يستحق الكادر الخاص ممن لم يستحقه ، ورغم ذلك تحاول أن تعيد كرة الاختبار مرة أخرى ، ولكن هذه المرة مع الرءوس العليا ، وهم الموجهون الذين يقومون بالإشراف على المدرسين وتوجيههم ، لتجعل الموجه هو الآخر مثار سخرية واستهزاء وتندر .. فقد فُرض حسب ما ورد إليّ على كل من يريد أن يلتحق بالتوجيه أن يخضع لاختبار تحريري في مادته ، بحيث يجلس الجميع المتقدمون جلسة التلاميذ ، وتقوم اللجنة المكلفة بالاختبار بتوزيع أوراق الأسئلة والإجابة عليهم ثم مراقبتهم أثناء الإجابة !!!!!!!!.. ومن العجب أن أحد الموجهين القدامى لما عوتب على هذه الأسلوب العقيم الذي لم يُشهد له مثيل في المصالح الأخرى في مصر كلها ، بل في كل وزارات التربية والتعليم في دول العالم المختلفة قال : إنه تقدم للترقية لوظيفة موجه عدد كبير وأراد أن يفاضل به بينهم ، وهذا تفسير عجيب ؛ لأن ثمة مئات الطرق الحديثة التي يمكن أن يُقيّم بها المدرس ويُعرف بها قدرته ومهارته دون تلك الطريقة المبتذلة ، ولكن يعض المسئولين في وزارة التربية والتعليم ممن لا يزالون يعيشون بفكرهم في العصر العتيق لا يحسنون غير ذلك.. ومن العجب أيضا أن هؤلاء المسئولين ومن وجه إليهم أوامره لم يكونوا جادين في زعمهم أنهم يريدون بالاختبار التفاضل بين المتقدين واختيار الأقدر بدليل أن مدرسا قد أخبر أنه يحمل درجة الدكتوراه في تخصصه من 7 سنوات ، وأنه كتب في مجاله العلمي بعد حصوله على تلك الدرجة أكثر من 3آلاف ورقة ما بين كتب وأبحاث علمية ، وهذا قدر لم يصنف أحد مثله من المنتسبين لمديرية التربية والتعليم التي يعمل بها منذ نشأتها إلى الآن ، كما أنه حريص على المشاركة في بعض المؤتمرات العلمية التي تنظم داخل مصر وخارجها ليواكب التطور العلمي في مجال تخصصه ، وعندما فكر هذا المدرس في التقدم للتوجيه وعرض الفكرة على الموجه العام كان رده عليه : أنه لا بد أن تحضر الاختبار مثلك مثل زملائك ، فليس عندنا خيار ولا فقوس !!! أي أنه لا يعترف بأي من المؤهلات التي يحملها ولا بالعلم الذي تعلمه ، ولا يعرف طريقة لتقييمه بها إلا ورقة الامتحان !!! ولا أدري هل تم وضع قرارات اختيار الموجهين بتلك الكفيفة بتكليف من الوزير أم لا ؟ إن كانت بأوامر منه ومن مستشاريه فمعنى ذلك أنهم لا يزالون يديرون العملية التعليمة بأسلوب بدائي لن يزيد مصر إلا تراجعا وتخلفا في الفترة المقبلة ، وإن كانت تلك القرارات هي مجرد اجتهادات شخصية ممن قاموا بها فكيف سمح لهم الوزير بذلك ، ولماذا لم يسع هو ومستشاروه لإخراج هؤلاء من جمودهم وتدريبهم على وسائل الاصطفاء الحديثة المتبعة في اختيار القيادات كما يفعل الكثيرون ؟!! *مدير موقع التاريخ الالكتروني