تحدثت في مقال سابق عن أننا أصبحنا لا نمثل المنهج في تطبيقاتنا حيث كثرت الأخطاء العملية من المنتسبين للإسلام بشكل أضر بالأصل عند البعض واستثمره الخصوم للنيل من ديننا الحنيف , ولكنني وجدت من المفيد أن أتناول في هذا المقال موقع الأمة من الأحداث الجارية , فالناظر في أحوالنا يجد أننا نكاد نكون خارج السياق الفاعل في المجتمع الدولي , فكيف لأمة يتجاوز تعدادها المليار ونصف المليار ألا يكون لها ممثل دائم في مجلس الأمن له حق الاعتراض على القرارات التي تضر بمصالح أمة يقترب تعدادها من ربع سكان العالم . إن حال الأمة الإسلامية والعربية يرثى له , فلم تستطع الأمة أن تختار دولة من بين أعضاء المؤتمر الإسلامي لتمثلها , وكذا لم تعمل على دعم وتقوية ثقلها الدولي من خلال الوحدة الاقتصادية , والتعاون فيما بينها بما تمتلكه من ثروات نادرة , ولكن الخلافات الكثيرة بين حكام هذه الدول كانت تحول دائما دون تحقيق الإنجازات , إذ أن المصالح الذاتية لكل دولة على حدة كانت مقدمة على مصالح الأمة !! ولهذا نجد أن الجامعة العربية فشلت في احتواء الدول العربية ولم تطور نفسها لتكون قوة إقليمية فاعلة على المستوى السياسي والاقتصادي , وبالرغم من التعهدات الكثيرة في اجتماعات القمة بين الرؤساء العرب بتنفيذ القرارات المتفق عليها إلا أنها لم توضع موضع التنفيذ خاصة ما يخص الشأن الفلسطيني , كما أن الاستراتيجية العربية في تشكيل منظومة الدفاع المشترك المتمثلة في الفيلق العربي لم تجد طريقها إلى النور , بل إن العجيب أن حكام العرب كانوا يخافون من بعضهم أكثر من خشيتهم من عدوهم , وبالتالي كانت ترتيبات الأنظمة من الداخل تقوم على الاستعدادات بتقوية بنية الجيش على أساس زيادة حجم القوات البرية تحسباً لأي غزو خارجي من دول الجوار العربية , أو التصدي للشعوب متى ثارت عليها , وهكذا أصبحت الجامعة العربية بعيدة عن التخطيط الجماعي للمعركة الرئيسة مع الصهاينة , ولقد كان من الواجب أن ترتب تسليح الجيوش وفقاً لأوضاعها في ميدان المعركة ( بعداً أو قرباً ) , فدول الطوق التي تتماس مع العدو يجب أن يكون قوة تسليحها الرئيسة في المجال البري أكثر من أي مجال آخر , أما الدول البعيدة عن خط المواجهة يجب أن تكون الأولوية في التسليح للصواريخ والقاذفات الثقيلة بعيدة المدى , وكذلك الدول التي لها سواحل يجب أن يكون تركيزها على بناء الأسطول البحري القادر على تحقيق السيادة البحرية في المنطقة , ولكن انشغال القادة العرب بأنفسهم أفقدهم الاتجاه الصحيح في الإعداد , والتسليح المناسب لموقع كل دولة , ثم الأعجب من ذلك أن تأخذ الدول العربية خطوة إلى الوراء بعيداً عن الجامعة العربية بعقد التحالفات ( الخليجي – العربي – المغربي ) وأوهمونا أن في ذلك تقوية داخلية للروابط بين الدول وليس هناك ثمة تعارض !! ولكن الحقيقة أنه وقع على إثر ذلك الغزو العراقي للكويت , ثم تدمير العراق من خلال التحالف الدولي الذي شاركت فيه بعض الدول العربية , ولم يدركوا أن هذه الحرب كانت لصالح إسرائيل بتدمير الاحتياطي الاستراتيجي للأمة العربية المتمثل في القوة العسكرية العراقية , ولقد أخذ مبارك الجائزة بإسقاط بعض الديون العسكرية المستحقة للولايات المتحدةالأمريكية !! واعتبر أن ذلك إنجازاً ولكن المفسدة كانت أكبر بكثير من هذه المليارات القليلة . إن الأمة العربية لم تكن يوماً ما على مستوى الحدث سوى في معركة 73 عندما قرروا وقف ضخ البترول العربي في الأسواق كما دعموا الجهود الحربية للدول المشاركة في الحرب حتى تحقق النصر , ولكن لم تدم الفرحة طويلاً إذ بعد عدة سنوات بادر الرئيس الراحل السادات إلى عقد اتفاقية كامب ديفيد بقرار منفرد ليس من حقه وحده دون مشورة رفقاء السلاح , فتفرق الشمل العربي وطردت مصر من الجامعة العربية وعلى إثر ذلك أسرع السادات إلى طرح فكرة جامعة الشعوب الإسلامية لتكون في مواجهة جامعة الدول العربية وبديلاً عنها , ولكن لم يكتب لها النجاح لانتهاء عهده في أكتوبر 1981 وهكذا أصبح الكثير من الحكام العرب عقبة أمام نهوض الجامعة العربية بكثرة الاختلاف وتنوع الولاءات , والخصومة المتبادلة فيما بينهم , فأصبح اجتماع القمة لا يزيد عن كونه مؤتمراً إعلامياً تلقى فيه الخطب الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع , فبقيت الأمة دون مستوى الأحداث بلا دور فاعل أو أداء متميز على المستوى الإقليمي أوالدولي . إن قادة الرأي والفكر والمثقفين وطايعة الشعوب الإسلامية والعربية يدركون حقيقة الصراع وما هو المطلوب من الأمة ولكن يبقى دورهم هامشياً في ظل حكومات لا تعي ما يدور حولها , مالم يوفقهم الله إلى تصور يجتازون فيه هذه العقبات فيتواجدون في قلب الحدث وليس الاكتفاء بدور المتفرج المندهش مما يجري حوله من تحولات دولية واقليمية ومحلية . إن غياب الأمة عن موقع الصدارة والمشاركة الفعالة في الأحداث قد أفقد البشرية نوراً هادياً , وحكمة بالغة , وعدالة ورحمة في التعامل مع الجميع . والله المستعان