بالتأكيد، أن الكلام الرسمي الذي يقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسي بصدد إصدار قرار بقانون يجرم الإساءة إلى ثورة يناير، يعتبر مكسبًا سريعًا وعاجلاً من مكاسب "بروفة" عبد المنعم رياض يوم 29/11/2014. أقول "بروفة" لأنها كانت فعلاً تعبر عن "التسخين" قبل الانخراط في الملعب.. وهكذا فهمتها مؤسسة الرئاسة، من خلال رد فعلها في ذات الليلة، وانحنائها احترامًا ليناير، حين ضج "الاتحادية" بلقاءات الرئيس مع مساعديه، وكلامه "الحلو" عن 25 يناير.. فالمشهد في المنطقة المتماسة مع ميدان التحرير، وهدير الشوارع الذي سمعه من مصر الجديدة، والشعارات التي رفعت، والطيف السياسي المشارك، رغم محدوديته، كان مفزعًا لمن في القصر.. إذ ليس بوسع أحد أن يتيقن من مآلات الاحتجاجات.. صحيح أن قوى الثورة تفرقت واختلفت بعد 11 فبراير 2011، إلا أن الغطاء الإعلامي لاحتجاجات 29/11/2014.. كان يتحدث عن ضرورة عودة تحالف 25 يناير مجددًا، وتعليق الانقسامات التي استغلتها قوى الثورة المضادة وهيمنت مجددًا على كل مفاصل الدولة، خاصة الخشنة والباطشة.. وهو الغطاء الذي يعني وجود مظلة سياسية وإعلامية لحراك يناير الجديد الذي بدأ في عبد المنعم رياض، بالتزامن مع الانهيارات المتتابعة لتحالف 30 يونيو.. وانتقال بعضه المنحدر من أصول "ينايرية" إلى صفوف المعارضة للنظام الحالي والذي بلغ ذروته مع تبرئة نظام مبارك من تهمتي القتل والفساد وتلقي الرشاوى من رجال أعماله الفاسدين. حلفاء الرئيس طالبوه في اليوم التالي، بأن عليه أن يحدد موقفه وما إذا كان مع ثورة يناير أم ضدها.. والحال أن الرئيس متردد بين هذه وتلك، ولعلنا نتذكر قوله: من الظلم أن نعتبر يناير مؤامرة.. ولكن البعض استغلها لإسقاط الدولة. جملة تعكس قلق الرئيس فهو بين شقي رحى: ظهيره الأمني والميري والبيروقراطي وشبكة القوى المالية الطفيلية التي أثرت ثراءً فاحشًا من فساد دولة مبارك والتي تعتبر ثورة يناير "مؤامرة" وأنها ثمرة من ثمرات حروب الجيل الرابع.. وبين إدراكه بأنها ثورة "أصلية" وليست "تقليدًا تايوانيًا".. وتمارس عليه رقابة صارمة في غيبة المؤسسات التشريعية الرقابية المنتخبة، وشاركت في إسقاط مرسي.. وما زالت قادرة رغم التشريعات القمعية التي سنت لردعها على وضع أي رئيس على طريق مبارك ومرسي من بعده.. والدليل: أن النظام حتى الآن غير قادر على إعادة فتح محطة مترو التحرير.. ويغلق الميدان بالأسلاك الشائكة والبوابات الإلكترونية والكاميرات التي تراقبه على مدار الساعة. ويظل السؤال حاضرًا بشأن ما إذا كان قانون تجريم ثورة يناير كافيًا لحمايتها؟!.. وفي تقديري أنه أيضًا قانون وضع كرد فعل متعجل ومن قبيل المزايدة على الثورة.. فالثورة لا تحتاج إلى قانون لحمايتها.. وإنما تريد قيادة سياسية مؤمنة بها وتعمل "بجد" على تحقيق أهدافها.. لا أن تأتي بالسياسات التي تعيد إنتاج النظام القمعي الذي اندلعت ضده.. وبصورة أكثر وحشية ودموية.. وأكثر جرأة على انتهاكات حقوق الإنسان، وإطلاق يد كل مؤسسات الدولة الباطشة لترويع الناس. ثورة يناير لا تحتاج إلى قانون يحميها.. وإنما إلى رئيس مؤمن بها ويعتقد فعلاً أنها كانت ثورة وليست مؤامرة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.