مبارك يحاكم في جريمة "قتل".. وهي جريمة جنائية وليست سياسية.. وكان ينبغي أن يقدم إلى محكمة ثورية.. فالتجربة أظهرت لاحقا، بأن ثورة يناير أجهضت، وانتصرت عليها الثورة المضادة، بسبب سوء تقدير الثوار، لقدرة "الدولة العميقة" على استعادة عافيتها، حال استشعرت سلمية كل الاجراءات بشأن سدنة نظام حكم عائلة مبارك. البعض قال آنذاك إن الثورة انتهت عقب ترك الثوار الميادين، وقال السياسي الإسلامي البارز حازم صلاح أبو اسماعيل: سيأتي اليوم الذي لن تستطيعون فيه النزول إلى ميدان التحرير. التطورات اللاحقة منذ استلام المجلس العسكري الحكم منذ 11 فبراير 2011، أظهرت بأن خيار المحاكمات الطبيعية لم يكن في صالح الثورة.. وأغرى نظام مبارك على العودة مجددا.. فالسياق التاريخي بعد تنحي مبارك، لم يكن سياقا طبيعيا وإنما لحظة استثنائية لا يناسبها إلا إجراءات استثنائية، وفي مقدمتها إحالة نظامه بكل تجلياته إلى محاكم ثورية استثنائية. أخافونا آنذاك بأن الغرب لن يعيد إلينا أموالنا التي نهبها مبارك وعائلته ونظامه، إلا إذا حوكم أمام قضاء طبيعي مدني.. وقد مر ما يقرب من ثلاث سنوات، ولا يزال مبارك يلاعب البلد كلها.. ولم يُعاقب على جرائمه.. وتمت "الطرمخة" على ما سرقه من أموال.. ويخرج حاليا كل رموز نظامه من السجون تباعا. والمدهش أن المسألة لم تتوقف عند "الخروج الآمن" من السجون.. بل وتحويل المحاكمات من محاكمة المجرمين والقتلة وناهبي أموال مصر.. إلى محاكمة ثورة يناير 2011.. وثورة 23 يوليو 1952. محاكمة الرئيس القاتل حسني مبارك.. هذه الأيام، تحولت فعلا إلى ساحة لكيل الشتائم والاتهامات إلى ثورة يناير.. ووصفها بأنها مؤامرة خارجية على مصر.. وأن قادتها وكل من شارك فيها كان متآمرا مع جهات أجنبية على البلد.. وهو الكلام الذي قد تطول بشأنه تفاصيل أخرى.. أخطرها: أنه إذا كانت ثورة يناير 2011 مؤامرة.. فإن الجيش الذي أزاح مبارك انتصارا للشعب بحسب كلام محامي مبارك فريد الديب يعتبر شريكا في المؤامرة أو هو على رأس المتآمرين على البلد.. بل إن مبارك تفسه يعتبر جزءا من المؤامرة على نفسه، لأنه في النهاية استجاب لمطالب الثوار وقال إنه يتفهم مطالبهم وأقر بأنهم كانوا على حق. الأكثر دهشة.. أن المحكمة تركت الديب يصول ويجول ويتحرك داخل القاعة ذهابا وإيابا متقمصا دور المحامي الذي تقدمه السينما.. وهو "يثرثر" بكلام لا صلة له بأصل القضية وفحواها الحقيقي: يشتم الصحفيين والكتاب والمثقفين والسياسيين ويتهمهم بالكذب .. ويشتم الثوار وثورة يناير ويكيل الاتتهامات للكل بما فيها القوات المسلحة.. ويصف الجميع بالمتآمر.. ولم يتحدث عن الموضوع الذي يحاكم بسببه مبارك: قتل وإصابة الآلاف من المتظاهرين السلميين في الشوراع وفي الميادين. كنا ننتظر من المحكمة أن تصد هذا المحامي عن الثرثرة وعن الشتائم.. وأن تأمره بأن يكف عن اللف والدوران والمناورة وتعمد تشتيت المنصة ونقلها من نظر جريمة قتل إلى الحكم على ثورة يناير .. وما إذا كانت مؤامرة أجنبية أم ثورة شعبية؟! والأكثر دهشة ان معظم فضائيات مبارك ورجال الأعمال الفاسدين الذين انتفخت جيوبهم وكروشهم بالمال الحرام في عهده.. وفرت لفريد الديب غطاء إعلاميا واسع النطاق.. فما أن ينتهي من مرافعته المرواغة و"الثرثارة" في النهار أمام المحكمة.. حتي يظهر على كل فضائيات الفتن ليلا ليكمل ثرثرته الفارغة عن الحمل الوديع حسني مبارك. هذه المرة.. يبدو الديب أكثر جسارة من كل مرة.. ويتحدث بجرأة غير مسبوقة.. ويترك له الميكرفون ليقول ما يشاء بلا مقاطعة.. واثق من نفسه ومن النتيجة ومن مآلات المحاكمة.. فما هي الحكاية بالضبط؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.