يرتبط مفهوم الثورة بالظروف المجتمعية والشروط التاريخية والحقب الزمنية التي أفرزته، وكذلك الثقافات السياسية للشعوب والجماعات البشرية التي أنجزته، لذا فهناك مفاهيم عديدة للثورة، وأيا ما كانت سياقات تلك المفاهيم، فإن الثورة عادة ما تحدث في فترة زمنية قصيرة جدا، وغالبا ما تحدث مناهضة لأوضاع ظالمة، وعادة ما يكون ما قبلها مختلفا عما بعدها، وعادة ما تستهدف تغييرًا للأفضل. والمتأمل لمسيرة المفهوم الاصطلاحى للثورة يلحظ أنه قد تطور عبر مراحل مختلفة، فكان يقصد بالثورة في البداية مقاومة الظلم أو إعلان السخط ضد الحاكم، ثم أخذت بعد ذلك مدلولاً سياسياً، ثم تطور لتأخذ مفهوماً سياسيا واجتماعياً واقتصاديا. لم تعد الثورة تستهدف مجرد تغيير الفئة الحاكمة، بل أصبحت "تستهدف تحقيق تغيير جذرى في الأوضاع الاجتماعية بقصد تحقيق حياة أفضل للمواطنين، فهي فعل شعبي عفوي تلقائي غير منظم يهدف إلى إحداث تغيير جذري شامل في بنية النظام السائد في المجتمع، وتختلف الثورة عن الانقلاب الذي يمكن تعريفه بأنه فعل منظم تنفذه مجموعة محددة لها قدرات عسكرية وتنظيمية للسيطرة على السلطة من خلال إزاحة الممسكين بها والحلول محلهم، في حين أن الثورة حدث يغير مسار التاريخ، وتستهدف تغييرا سريعا - وربما يكون - عنيفا في بنية الدولة، وعند الماركسيين فإن الثورة مجرد إعادة للتوازن المفقود بين علاقات الإنتاج من ناحية وبين أدوات الإنتاج من ناحية أخرى، وعرفت الثورة في المجال الاجتماعي والسياسي بأنها تغيير مفاجئ في النظام الاجتماعي والسياسي والمؤسسي القائم. وتستمد الثورة شرعيتها، من قدرتها على الاستمرارية كبديل يضيء وجود الناس في حياتهم اليومية، ويتماشى مع رغباتهم ودوافعهم، ويلبي احتياجاتهم، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو حضارية، ويدعم حرياتهم، الفردية والجماعية، ويضمن حقوقهم. لكن المشكلة تكمن في أن الثورات، عادة، ملغمة بالخيانة، ومنطوية على الغدر، إلا ما رحم ربي، ويخبرنا التاريخ أن الثورة الفرنسية شهدت قطع أعناق ستة ملايين من الشعب الفرنسي وعدد من زعمائها وخطبائها، مثل دانتون وروبسبيير وغيرهما، والثورة الإيرانية سرعان ما انقلب فيها رجال الدين من "الملالي"، بزعامة الخميني، على حلفاء الأمس من اليساريين والليبراليين، ليُعدَم البعض ويفر آخرون خارج البلاد، كما أن الثورة الروسية سنة 1917 سرعان ما أفرزت، بعد وفاة لينين، مُنظّرِها وقائدها الأساسي، نظاما إجراميا بزعامة ستالين، نصب المشانق لرفاق الأمس ونظم محاكمات موسكو الشهيرة، ونفى إلى "الجولاج" العديد من الثوريين والمنشقين ورفاق الثورة. كما أن الثورة غالبا ما تتحرك على الأرض، وفي دنيا الواقع، ولا تنطلق إلى عالم القانون وعالم المثال والماينبغي وعالم ما يجب أن يكون، لا ماهو كائن، لأن الثورة عادة تحكم بقوانينها الخاصة، ولا تُحكم بقواعد قانونية سابقة عليها. ولم تسلم ثورة من عنف - إلا ما رحم ربي- حتى تلك الثورات التي رفعت شعارات سلمية سلمية [1] لم تسلم هي الأخرى من ممارسة تجنح - ولو كانت اضطرارية ودفاعا عن النفس - إلى العنف. "لقد أصبح من المألوف في القرن العشرين الحديث عن مفهوم "ثورة اللاعنف"، فالحركة الجماهيرية التي قادها غاندي من أجل استقلال الهند، كانت قد قامت على أساس فلسفة اللاعنف التي تبناها هذا القائد، ولكن بالمقابل نلاحظ أنه لم يكن هناك محيض من اللجوء للعنف، وكذلك الحال بالنسبة لحركة الحقوق التي تزعمها مارتن لوثر كينك في الولاياتالمتحدة". [2] (1) ومع ذلك تظل الثورة عملية مفصلية في تاريخ الأمم والحضارات وحدثا نوعيا يفرد سلطته ونشوته على كل الميادين، وتفرز قيما ومشاعر مبهرة كالتضامن والأخوة والتضحية والمصير المشترك وتؤثر في الناس تأتير الأديان. وكما يقول بيجوفتش:[3] "إن المجتمع العاجز عن التدين عاجز عن الثورة، و"إن كلا من الدين والثورة يولدان في مخاض الألم والمعاناة ويحتضران في الرخاء والرفاهية والترف، حياة الدين والثورة تدوم بدوام النضال والجهاد، حتى إذا تحققا يبدأ الموت يتسرب إليهما". إن التغيير الاجتماعي الذي يمثل أقصى ما تتمناه ثورة ناجحة لن يتعدى مجموعة النظم الحاكمة لمعيشة الأفراد في مجملهم، لكن من المستحيل أن تتغير الأنظمة الأخلافية والسلوكية والمعرفية في ذات المجتمع تغييرا في هياكل النظام ومؤسساته المجتمعية، أي بواسطة تلك الثورة. من هنا يأتي الدين – لا سيما الإسلامي- بوصفه الخاتم والمهيمن على ما سبقه من ديانات ليسد هذا النقص الخطير، ومن هنا فإن الدور المنوط بالدين وأهله وخاصته ورجال حقله أكبر بكثير لإعادة بناء ثورة ناجحة ومستديمة وصدق الله (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). [1] اعترف المجتمع الدولي أن ثورة يناير بمصر أكثر الثورات في التاريخ سلمية وأقلها خسائر بالنظر لعدد الثائرين، ومقارنة بسائر الثورات. [2] عبد الرضا طغان، مفهوم الثورة، دار المعرفة، ط1980،ص170 [3] علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، مؤسسة بافاريا، ص1151