شهد الأسبوع الماضى قيام الرئيس البرازيلى السابق "لولا دى سيلفا" بزيارة عدد من الدول العربية و إلقاء بعض المحاضرات عن التجربة البرازيلية الناجحة فى التنمية من الفترة 2003 حتى 2010. وأقل ما توصف به هذه التجربة التنموية المذهلة بأنها مذهلة. ونظراً للعدد الكبير من الفقراء فى مصر يصبح من المهم استلهام العبر والدروس من التجربة البرازيلية. لقد كان أحد شعارات ثورة 25 يناير هو العدالة الاجتماعية. ترى كيف حققت البرازيل المعضلة الصعبة: تقليص الفقر وزيادة معدلات النمو الاقتصادى؟ وللإجابة على هذا السؤال دعونا نعود إلى عام 1999، ففى عام 1999 كان هناك 7 ملايين برازيلى يكسبون أقل من دولار يومياً، كما كان هناك 29 مليون برازيلى يكسبون أقل من دولارين يومياً. ونظراً لارتفاع تكلفة المعيشة فى البرازيل فقد حددت البرازيل الواقعين تحت خط الفقر بمن يكسبون أقل من دولارين ونصف يومياً. وتشير الإحصاءات الصادرة فى عام 2001 إلى وجود 39 مليون رجل و 49 مليون إمرأة يعيشون تحت خط الفقر المقدر ب 70 دولاراً شهرياً. إلا أن الحكومة البرازيلية منذ فوز الرئيس "لولا دى سيلفا" بالانتخابات قد أدركت فشل سياسات الاقتصاد الحر غير المنضبط فى تحقيق العدالة الاجتماعية. ولهذا سعت بقوة إلى تقليل الفقر من خلال تنفيذ حزمة من السياسات. وكانت أولى هذه السياسات هى زيادة الاستثمار الحكومى فى التعليمين الابتدائى والثانوى، وذلك لتحسين المستوى التعليمى للقوى العاملة. وبعد أن كان متوسط عدد سنوات التعليم للفرد الراشد فى البرازيل هو 4 سنوات فى عام 1983 أصبح الرقم 6.7 عامأ دراسياً فى عام 2006. وبالإضافة إلى هذا فقد زادت الحكومة من الإنفاق الاجتماعى. ومن أبرز المبادرات فى هذا المجال برنامج "المنحة التعليمية الأسرية"، وهو برنامج يقدم رواتباً شهرية للأسر التى يلتحق أطفالها بالمدارس. وقد بلغ عدد المستفيدين من هذا البرنامج 11 مليون أسرة تتكون من 45 مليون فرد. وقد نجح هذا البرنامج الذى يستفيد منه ربع سكان البرازيل فى زيادة معدلات التحاق الأطفال بالمدارس. وبالإضافة إلى هذا، فقد سعت الحكومة إلى رفع الحد الأدنى لأجور العمال وأصحاب المعاشات، كما عملت على تخفيض أسعار المواد الغذائية، وسعت إلى زيادة المساعدات المقدمة إلى كبار السن وإلى المعوقين. ولم تكتف الحكومة البرازيلية بهذا بل أنشئت صندوقاً لمكافحة عمالة الأطفال يهدف إلى مساعدة مليون طفل. ولم تقتصر مبادرات الحكومة البرازيلية على زيادة الاستثمارات فى التعليم وفى مجالات الانفاق الاجتماعى، بل قامت بدعم القطاع الزراعى من خلال تقديم القروض للأسر الفقيرة لتشجيعهم على العمل بالزراعة، حيث زادت ميزانية "البرنامج الوطنى لتشجيع الزراعة الأسرية" من 89 مليون ريال برازيلى عام 1995 إلى 6.4 مليار ريال برازيلى عام 2005. ولتشجيع النمو الاقتصادى قامت الحكومة بتخصيص 353 مليار دولار أمريكى لتحسين البنية التحتية ولتمهيد الطريق لانطلاقة الاقتصاد البرازيلى. ونتيجة لهذه السياسات الاجتماعية الناجحة تحرر 20 مليون برازيلى خلال 8 سنوات من ربقة الفقر، كما وضعت الرئيسة الجديدة للبرازيل "ديلما روزيف" خطة لتحرير 16 مليون مواطن من الفقر، ولتدريب 1.7 مليون مواطن على المهن المختلفة بحلول عام 2014. لقد وضعت الرئيسة الجديدة للبرازيل خطة طموحة عنوانها "البرازيل بلا فقر" بتكلفة مقدارها 38 مليار دولار أمريكى تنفق خلال 3 سنوات لتحرير 16 مليون مواطن من الفقر. والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة: ألم يأن الأوان لأن تستلهم حكومة الدكتور عصام شرف الدروس والعبر من التجربة البرازيلية فى مكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية؟ إن المعيار الحقيقى لنجاح الثورة المصرية هو انتشال ملايين المصريين من بين براثن الفقر الجهنمية، وبدون برامج معلنة وملموسة للقضاء على الفقر سوف تظل البلاد تدور فى حلقة مفرغة من المظاهرات والاعتصامات. – دكتوراه فى الاقتصاد والعلوم السياسية – اليابان