لكل إنسان هُويته التي تميزه عن غيره, وهذه الهُوية قد تكون دينية, أو دنيوية تتعلَّق بأعمال الدنيا, لكنها تميز عمل هذا عن عمل ذاك, وهذا ينبني على مفهوم الهُوية التي تقوم عليها شخصية الإنسان, والتي لا يمكن بدونها أن يحيا الإنسان ويعيش؛ إذْ الهوية قوام الشخصية وعمادها, وعليها تقوم حياة الشخص ويتميز عن غيره من البشر, بأفعال وأعمال تدلّ على هُوية مستقلة, وشخصية مميزة. وكما سبق وذكرتُ فإن هذه الهُوية قد تكون حقًّا, وقد تكون باطلًا, ولذا يحرص الكافرون أو غير المسلمين على العناية بهُويتهم هم أيضًا, حتى لا تذوب في هُويات الأمم الأخرى, فتراهم يحرصون على نشر لغتهم وعاداتهم وأعرافهم, بغرض المحافظة عليها والحرص على استمرارها من جهة, وإغراق الآخرين فيها من جهة أخرى. وهوية الإنسان هي التي تحركه وتُسَيِّره, وبقدر شرف هذه الهوية وشرف مصدرها يكون الإنسان, لأننا وإن لم ننازع في وجود الهوية المبنية على باطلٍ, لكن لا شكَّ في أَنَّ الباطل باطلٌ وإنْ رآه الناس حقًّا, باطلٌ وزائف وإن خُدِع الناس ببريقه بعض الوقت, ولن تستطيع هذه الهوية الفاسدة أن تتزَيَّنَ في أعين الناس طويلًا؛ لأن الله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين, كما قال سبحانه وتعالى: «فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ»([1]) فستخسر هذه الهوية المبنية على باطل معركتها سريعًا, حيثُ بُنيت على زيف وباطلٍ, يتلوَّن بألوان شتى حسْب المصلحة, فهو دائم التغيُّر, لا يستقر له قرار. ومثل هذا التذبذب والتلوُّن لا يصلح أن تستقرَّ معه هُوية, ولا أن تدوم معه على هيئةٍ واحدةٍ ثابتة, وإنما تتبعه الهوية التي بُنيت عليه, في تغيُّرها وتبدُّلها, وهذا ما جرى لكثيرٍ من الأمم التي حرَّفت دينها وبدَّلته وغَيَّرَتْه, تبعًا لهويتها التي أرستها لنفسها, واتخذتها أصلًا لها من دون الدين, فجعلت الدين تابعًا لهوية زائفة متبدِّلة, سرعان ما تغيَّرت وتبدَّلت, فغيرَّت الأمم دينها وبدَّلته. ومن هنا تعلم الحكمة الكبيرة من كثرة الآيات والأحاديث الشرعية الواردة في حاكمية الإسلام على مقاليد الأمور, وعدم قبوله التَّبعيَّة, وانفراده بالحكم والهيمنة على سائر الحياة الإنسانية, بأفكارها وأعمالها وكل شئونها, فلا يتكلم أحدٌ حتى يتكلم الإسلام أولًا, فإذا تكلَّم فلا تعقيب عليه ولا اعتراض على أحكامه. والذين يعارضون هذه القضية, ويريدون إخراج بلاد الإسلام من هويتنا الإسلامية, لتواكب بزعمهم حضارة الأمم الأخرى من غير المسلمين, هؤلاء في الحقيقة يعيشون في وهم وزيف يسمونه "علمانية" أو "تمدن" أو "تحضُّر" إلى آخر هذه الألفاظ التي لا يفقه أكثر هؤلاء ما وراءها, وبعضهم يفقه ما وراء اللفظ لكنه يصرُّ عامدًا على الاستمرار في مسيرة الهلاك؛ طمعًا في مصلحة شخصية تعود عليه, أو حفاظًا على مكاسب مادية يجنيها من وراء ما يقوم به من أعمال تخدم أغراض أعداء هذه الأمة الإسلامية. فهؤلاء الذين ينادون في بلادنا بما يمليه عليهم الغرب إما يجهلون المؤامرة, أو يخونون (عن عمدٍ) أمتَهم وديارَهم التي ينتسبون إليها. والحقيقة فإن الأمر في ذلك واضح جدًّا لا يحتاج إلى جهدٍ في فهمه, فنحن نرى الدعوات الكثيرة التي تصدر في بلادنا لإحلال اللغة العامية مكان العربية الفصحى, بما يعنيه ذلك من إهدارٍ لتاريخ المسلمين وتراثهم المكتوب بالعربية الفصحى من جهة, وما يعنيه أيضًا من إبطال دينهم الذي يرتكز بصورة أساسية على هذه اللغة الفصحى, وفي الوقت الذي ينادي فيه هؤلاء الواهمون أو الطامعون أو الطمَّاعون بهذه الدعوات القبيحة؛ فإننا نجد تلك الأمم التي يتبعونها فكريًّا وسلوكيًّا, وتغدق عليهم من أموالها وألقابها الزائفة؛ نراها قد هَبَّتْ لنصرة هُويتها وثقافتها بالحفاظ على لغتها التي عليها مدار شخصيتها, ومنها تستمد قوتها, فتُعْقد بين الحين والآخر "مؤتمرات" و "اجتماعات" و "تشاورات" للناطقين بهذه اللغة أو تلك, من لغات هذه الأمم. ونجد أيضًا في الوقت الذي ينادى فيه أعداء أمتنا بفصل الإسلام عن الحياة, وتمرير مبدأ فصل الدين عن الدولة, عبر وسطاء أو عملاء لهم يسمونهم أو يسمون أنفسهم بالعلمانيين أو الليبراليين أو غيرها من الألقاب والأسماء؛ فإننا نجد تلك الأمم الحاقدة علينا تنادى فيما بينها بضرورة عودتهم إلى دينهم, رغم اعتراف أكابرهم بتحريفه وتبديله, ورأينا الجميع خاصة ساعة الحروب, يعودون لدينهم, يطلبون رأيه, ويتكلمون بلسانه, وقد نشرت "وسائل الإعلام" عددًا كبيرًا من الأخبار الخاصة بذلك, ففي بداية الحرب الأمريكية على أفغانستان سمَّاها الرئيس الأمريكي بالحرب الصليبية ثم تم التراجع عن هذه الكلمة لاحقًا, غير أن الأيام قد أثبتت صحتها, عندما تم العثور في أفغانستان على عددٍ من المنصِّرين, وكميَّات من الأناجيل يقوم الجنود الأمريكان بتوزيعها على الشعب الأفغاني, قرأنا ذلك كله فيما تناقلته "وسائل الإعلام". وقرأنا أيضًا عن زيارات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى مرجعيته الشيعية, واحترامه لرأيها وتمسُّكه بشيعيته, وقرأنا أيضًا عن رجل ألمانيٍّ حرق نفسَهُ اعتراضًا على انتشار الإسلام في أوروبا. وقرأنا الكثير من الأخبار والأقوال الغربية التي تحذِّر من "أسلمة أوروبا", يريدون بذلك التحذير من انتشار الإسلام في أوروبا. قرأنا أيضًا عن وجود حاخامات يهود مع الجيش الإسرائيلي أثناء عدوانه السابق على غزة هاشم, وكيف كان هؤلاء الحاخامات يحرضون الجنود على قتل الفلسطينيين. قرأنا هذا وغيره في "وسائل الإعلام" في الوقت الذي قرأنا فيه كثيرًا من مقالات العلمانيين والليبراليين في بلادنا, الذين احترفوا المطالبة بفصل الدين عن الدولة, وتفرَّغوا لذلك, فصار هذا هو شغلهم, يعيشون له وعليه, لما يجلبه لهم من أموال أعدائنا وألقابهم. فأين عقول هؤلاء الذين يطالبون بفصل الدين عن الدولة في بلادنا؟ ويتبرَّؤون من كل ما هو إسلاميّ, وينزعون عن أنفسهم هوية الإسلام؟ فهؤلاء أسيادهم وأئمتهم في الغرب يعملون غير الذي يقولونه لهم, فما بال الأتباع لا يهتدون سبيلًا؟ ولماذا تسقط الأفكار والمذاهب في بلادها ومهدها ثم تستمر في بلادنا؟ كالشيوعية التي سقطت في مسقط رأسها ولا يزال بعضهم يعتنقها وينصرها في بلادنا؟. أم أن المسألة تتعلَّق بمصالح العلمانيين والليبراليين والشيوعيين ومطامعهم في بلادنا, هم ومَن وافقهم أو انتحل أفكارهم وسلوكيَّاتهم من مذاهب وأفكار الغرب التي لا يزال هؤلاء يستوردونها إلى بلادنا, كما يستورد آخرون المنتجات المستعملة والمستهلكة في الغرب, فيأتون بها بأبخس الأثمان, ثم يبيعونها في بلادنا بأعلى الأثمان, فكأنَّ بلادنا قد صارت موضعًا لأوساخ الآخرين في المنتجات الفكرية والمادية. مع أننا نملك النور للبشرية جميعًا لو هي فتحت قلبها لمنهجنا, وأعطته مساحة من الحرية, كي يَعْرِض نفسه بصفائه ونقائه, وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمبعوث قريش في «صلح الحُدَيْبية»: «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ»([2]). وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: " هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»([3]). وفي الوقت الذي تنشر الأمم الأخرى دينها بالقوة, وتُقَدِّم دينها للفقراء مع الغذاء, فإما يقبل الفقراء بالجميع, أو يموتون جوعًا, فبينما تفعل الأمم الأخرى ذلك نجد أنَّ الإسلام كان جازمًا حاسمًا في أنه لا إكراه في الدين, يقول الله عز وجل: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»([4]). ولهذه المسألة مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى. والمقصود هنا التنبيه على ضرورة الهُوية الإسلامية لبلادنا المسلمة, وضرورة التمسُّك بها, وضرر الانسلاخ من هُويتنا على البلاد والعباد, وتنبيه أولئك الأتباع للغرب إلى خطورة مسعاهم على أنفسهم, وعلى بلادهم, وقد أشرنا سابقًا إلى عمل الغرب بغير ما يُلَقِّنه لأتباعه في بلادنا, فخرج الأتباع بذلك إلى مسخٍ مشوَّهٍ لا يُدْرى له لون, ولا تُعرف له رائحة, فلا هم ظلُّوا على هُوية بلادهم وإسلامها ابتدءًا, ولا هم سلكوا سلوك الغرب وعادوا إلى هويتنا الإسلامية بعد ما ابتعدوا عنها, كما عاد الغرب إلى هُويته ودينه. وأَعْجَبُ والعجائب جَمَّة من هؤلاء المتغرِّبين وهم في وطننا, الذين هاجرتْ عقولهم وبقيت عندنا أجسادهم, كيف يكيلون بألف كيلٍ وكيل, بغير ضابط ولا رابط, سوى الطمع الدنيوي وحب الشهرة, فترى كثيرًا من الليبراليين والعلمانيين وأمثالهم قاموا بالانتصار للنقاب ضد الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله، الذي أقدم على نهر طالبة صغيرة السن كانت ترتدي النقاب في بعض المعاهد الأزهرية بالقاهرة, فلما هدأت الثورة, عاد هؤلاء العلمانيون إلى مهاجمة علماء الأمة الذين ينادون بالنقاب ويدافعون عنه, فماذا جرى لهؤلاء العلمانيين في أقل من شهرٍ واحد؟! ألم يكن النقاب محرَّمًا عندهم, يهاجمونه ويرمونه بكل المعايب؟ ثم صار حرية شخصية في وجه شيخ الأزهر؟ وكتبوا في نصرة النقاب والرد على شيخ الأزهر آنذاك؟ فما بال النقاب نفسه لا غيره قد عاد حرامًا مذمومًا لدى العلمانيين ومن معهم مرة أخرى؟ هل نسى هؤلاء في المساء ما كتبوه في الصباح؟ ثم ما هذا الحديث السمج لدى "بني علمان"([5]) عن جهل المنتقبة وتخلُّفها؟ ألا يعرف هؤلاء معنى الحياء؟ أو حمرة الخجل؟ ماذا يظن هؤلاء بأنفسهم؟ هل أغراهم الوقوف خلف "الكاميرات" وخدعتهم "الشُّهْرة" والأبواب المفتوحة لهم, فظنُّوا أنفسهم شيئًا ذا قيمة؟! أراهم بالفعل وقعوا في هذا الفخ, وهو مهلكة لهم ولمَن انخدع بهم. ألا فليعلم هؤلاء أن الذي فشل في التعليم, وعجز عن أخذ "شهادته العلمية" من بلده, فذهب يتسوَّلها من أعجمي بحاجةٍ إلى مَن يُعلمه؛ فمثل هذا الفاشل لا يحق له أن يتكلم. ثم قد ملك "بنو علمان" قلوب وعقول الكثير ممَّن اخترن العُرْى والانفلات, فماذا أخرج لنا "بنو علمان" سوى "الراقصات المنفلتات"؟. هل سمعتم أيها القراء بواحدةٍ من "بني علمان" قد صارت شيئًا مذكورًا اعتمادًا على علمانيتها؟. أنا ما سمعتُ بهذا قط, وعلى يقين بأن "العلمانية" لا تملك ما يؤهلها لإنتاج شخصية متميزة, تحمل هوية تميزها عن غيرها من الهويات الدينية والعلمية, ولهذا يلجأ "بنو علمان" إلى سدِّ هذا العجز بحصد نتائج زرع غيرهم, واستدراج الأفذاذ من عقول المسلمين, لضمهم إلى مجالس "بني علمان" والتبجُّح بوجود هؤلاء الأفذاذ فيما بينهم, وربما كان هذا الفذّ باحثًا مرموقًا أو أستاذًا جامعيًا له قيمته العلمية, لكنه لا يجد متَّسعًا من الوقت لغير تخصُّصه, فيكتفي بإحسان الظن بأبناء بلده ووطنه, ولا يمانع في الظهور مع "بني علمان" إحسانًا للظن ببعضهم, لكن يبقى على حالته لا يُغَيِّر جلْدَه كما يفعل العلمانيون, وهم يقنعون منه بذلك, لما يمثله ظهوره معهم من مكسبٍ كبيرٍ لهم. فأين هوية "بني علمان" في أنفسهم؟ وأين هوية بلادنا في ظلِّهم؟ وإلى أين سنسير إنْ أخذنا بفكرتهم؟ وهل عندهم مِن فكرة سمعها الناس منهم سوى "الانفلات والانسلاخ من الإسلام ومعاداته", مرة باسم "الحرية الشخصية", وأخرى باسم "فصل الدين عن الدولة", وثالثة ورابعة, وفي كل يوم لهم لون جديد. وقد أثبتت الأيام والتجارب فشل "بني علمان" وغيرهم من أصحاب المذاهب والأفكار الأرضية المبتوتة الصلة بالدين أو المعادية له, وسيفشل غيرهم ممن سيسلك مسلكهم, وسيجدون أنفسهم في نهاية المطاف بلا هوية تميزهم, ولا شخصية يُعْرفون بها. وصدق الإمام ابن كثير رحمه الله عندما قال: « مَا تَعَرَّضَتِ الدُّوَلُ لِلدِّينِ إِلَّا سُلِبُوا مُلْكَهُمْ وَذَلُّوا بَعْدَ عِزِّهِمْ»([6]). ويبقى الإسلام دائمًا أبدًا, وتبقى الهوية الإسلامية, بنقائها وصفائها وحلاوتها, تبقى الهُوية الإسلامية تُعلن عن نفسها في انتشار الإسلام في كل مكانٍ. وفي الوقت الذي كان الناس يشاهدون لحظة بلحظة عبر "وسائل الإعلام" حجم الدمار والخراب والقتل والتشريد الذي خلَّفته الحرب الأمريكية على أفغانستان ثم العراق؛ في الوقت نفسه قرأنا عن أخبار سيول وفيضانات تحصد مئات من الأمم الأخرى في أمريكا وغيرها, في مقابل ذلك: قرأنا عن قرى بأكملها تدخل الإسلام طواعية, وتعتنق هويته عن رغبة ومحبَّة وقناعة, بغير جهد من المسلمين, ولا يزال الناس يدخلون في الإسلام أفواجًا, ويتخذونه دينًا عن رغبة وقناعة منهم, مع تقصير المسلمين في الدعوة إلى دينهم. ورغم ما يلاقيه أهل الإسلام من اضطهاد وعنصرية من بقية أمم الأرض؛ فإننا نرى الهوية الإسلامية في انتصار دائم ومستمرٍّ, وما قد تخسره في مكان تكسب أضعافه في أماكن أخرى, وعندما تحاربه أوروبا في بلاده إذا به يدخلها, وينتشر بداخلها في انسياب وهدوءٍ تام, وقناعة من معتنقيه, ولا يصدّه عن ذلك شيءٌ, مهما بلغت الحرب والعنصرية الأوروبية ضده وضد أتباعه, حتى لو بلغ الأمر أن يحرق أحد الألمان نفسه اعتراضًا على انتشار الإسلام, فليمتْ من شاء بغيظه فالإسلام مستمرٌّ, وهُويته في انتشار. لكننا بحاجة إلى قراءة المشهد العالمي بصورة جديدة, نجمع فيها بين أطراف الصورة كلها, ولا نقتصر على قراءة جزء دون آخر؛ لأنَّ القراءة الجزئية لا تتضح منها الصورة الحقيقية لانتصار هُويتنا الإسلامية, واندحار هوية "بني علمان" وأسيادهم, فالإسلام كالشمس لا يغيب, لكن قد يغرب في مكانٍ ليشرق في أماكن, ليعود ثانية للإشراق في أماكنه السابقة, ويستمرّ. فالحمد لله رب العالمين. ([1]) سورة يونس عليه السلام: آية 81. ([2]) «صحيح البخاري» (2731). ([3]) حديث صحيح: رواه أحمد (15192) وغيره. ([4]) سورة البقرة: آية 256. ([5]) اسمٌ وجدتُ بعض الكُتَّاب يطلقه على «العلمانيين». ([6]) «البداية والنهاية» لابن كثير (2/86).