قد يهرب بعض الناس من ماضيهم لما فيه من سوءات , ولكن الأمم الراشدة تنظر إلى ماضيها بعين الاعتبار , وتفتخر بما فيه من انجازات أو انتصارات , ولعلنا نلاحظ أن هناك من الشعوب من يتغنى بأمجاد الآباء والأجداد , ويقف خاوي الوفاض بلا إضافات جديدة لتاريخ أمته ولهذا يقول أحد الحكماء ( إن الفتى من يقول هاأنذا , ليس الفتى من يقول كان أبي ) وجوهر هذه العبارة أن من وقف خاملاً معتمداً على حضارة أبائه فهو محكوم عليه بالفشل , لأن حضارة الآباء يمكن أن تنهدم بفعل الأجيال التالية لها التي لا تعرف كيف تحافظ على هذا المجد بين الأمم . إن الذي يحزنني حقاً أن هناك من المصريين من يعتز بالفرعونية ويتناسى الحضارة الإسلامية العظيمة فلا ينتسب إليها وهو لا يدري أن الفراعنة كانوا وثنيين وليس لهم إنجازات سوى في عالم التحنيط وصناعة التماثيل وبناء المقابر التي استعانوا فيها بالجن فشيدوا لهم ما أراده الملوك والكهنة , وبالتالي ليس هناك ما يدعو للفخار , إلا أن عظمة الانتساب للإسلام هي الأولى لكونها أمة خيرية وهي أفضل الأمم حيث قادوا الناس إلى مافيه خيري الدنيا والآخرة , ولقد ترك الأوائل منهم عقيدة راسخة وأخلاقاً حميدة تعلّموها من رسولنا صلى الله عليه وسلم , كما أنهم برعوا في العلوم فكان فضلهم على البشرية كبيراً لا تنازعهم فيه أمة من الأمم , ولا حضارة من الحضارات . ولعلي حين أتكلم عن ماضي الأمة أشير إلى أهمية الاستفادة من تراثها وخبراتها , بل وأخطائها لتطوير الأداء نحو الأفضل , فقراءة التاريخ المنصرم بوعي وفقه وتدبر يؤدي إلى فهم جيد للواقع الذي نحياه , كما أنه يساعد على رسم الطريق الصحيح نحو المستقبل الذي نريده , إن القادة الذين يتجاهلون قراءة التاريخ ولا يقوّمون تجاربهم ولا يتعلمون منها لن ينجحوا في رسم رؤية مستقبلية بلا أخطاء مكررة من ماضيهم . وها نحن اليوم في مصر كجزء من الأمة الإسلامية نحيا واقعاً مريراً يتنازع فيه أبناء الوطن الواحد وقد وضعوا الأصابع في الآذان وصوبوا البنادق إلى الصدور ليسقط الأبرياء من هنا وهناك , والكل لا يرى إلا ما يراه فريقه أو طائفته , وهو تنازع مذموم ومصيره الفشل لا محالة قال تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) فإن لم نتدارك هذه الأزمة سيأتي علينا اليوم الذي نعض فيه أصابع الندم على وطن كنا نعلق عليه آمالاً عريضة , ولكننا علقنا المشانق في الميادين وأهدرنا على الارض دماءً زكية ما كان لها أن تُراق في هذا الموضع , ولكنه العناد المسيطر , والاستبداد بالرأي , وترك إتباع الحكماء والعلماء في الفتن والملمات , والانصياع وراء أهواء النفوس , ودعاة التحريض والفوضى . هذا ونسأل الله السلامة لبلدنا والرخاء لشعبنا , وأن يقيض من عباده من يخرج بنا من النفق المظلم إلى نور الهداية للحق والصواب . والله المستعان