مزقت الثورة السورية مقولة أن التاريخ يكتبه المنتصر فقط، وربما ستعيد الثورة السورية النظر في مسلمات و أبجديات كثيرة، فقد غدت كاميرا الموبايل هي من يخط تاريخ البلاد والثورات،وتحوّل كل متظاهر سوري إلى مواطن صحافي ينقل الصورة ويوثق الحدث، بعد أن غابت كاميرات التلفزيون عن الساحات العامة والمظاهرات بخلاف الثورات العربية الأخرى التي كان دور كاميرا الموبايل ضئيلا جدا إن لم يكن معدوما، ولم يعد الصحافي الممنوع من العمل في سورية وما أكثر الممنوعات فيها هو المستأثر بالحدث والخبر وصياغة الرأي العام، وتتفاوت صورة المواطن الصحافي بحسب جرأته وقدرته على المغامرة والصبر على استمرار التصوير، وإن كانت دقة وجودة الصورة مهمة، وبقدر تغطية المواطن الصحافي لمشاهد القتل والاعتقال بقدر ما تجد طريقها إلى البث، وواصل النظام السوري تصحير الساحة الإعلامية السورية أسوة بتصحرها على صعيد المثقفين والمفكرين والسياسيين الذين إما أرغمهم النظام الفاشي على المغادرة أو على زجهم بالمعتقلات، ليفسح المجال إلى عناصر الشبيحة وفرق الموت الرهيبة العاملة بحماية وبمرافقة كتائب أسد .. شبيحة الإعلام والسياسة للنظام السوري لا يزالون يكررون اسطوانات مشروخة بطريقة ممجوجة كشخص سجل شريطا يعيده كلما طلب منه، فلا يخجلون من القول إن ما يبث ليس في سورية، وإن هذه الصورة مفبركة، ولا يشرحون لنا أين نستطيع أن نجد الصور التي تعكس الواقع، حتى ولو في التلفزيون السوري الرسمي الداعي إلى الفتنة والقتل، ولا يشرحون لنا كيف يحق للتلفزيون السوري أن ينقل مشاهد من اليوتيوب تروق له، معتمدا بالتالي على اليوتيوب، وحين تقوم فضائيات عالمية بالنقل عنه يُشكك في مصداقيتها.. سبق أن مزقت الثورة السورية العديد من الأبجديات والمسلمات في قدرة النظام الاستبدادي الشمولي على مواجهة شعبه، ولكن فجأة ينتفض الشعب السوري الذي صبر وتحمل لأكثر من أربعة عقود نظام الحزب الواحد والرأي الواحد والرئيس الواحد، وفجأة يثبت الشعب السوري بكافة أطيافه وجغرافيته أنه واحد، وأنه عصي على الإخضاع والابتزاز والإذلال ، فالنظام السوري الذي سعى جاهدا إلى رشوة أهالي درعا بمطالب لا تمس طموحاتهم، وسعى إلى رشوة الآخرين أيضا ،جوبه بجواب واحد " الشعب يريد إسقاط النظام" وبالتالي لم يفلح النظام السوري في رشوة الشعب بمال أو إصلاحات إدارية ونحوها في ظل إصرار شعبي عارم وفي كل المدن على رحيله، وهو ما فاجأ النظام تماما، وربما لم يكن يتحسب لهذا اليوم أبدا، بعد أن ظن أنه ملك الأرض والعباد وكل ما يمت إلى سورية فلجأ إلى تسميتها بسورية الأسد مستلبا بذلك حتى اسم الدولة وتاريخها وجغرافيتها.. الثورة السورية ليست كغيرها من الثورات، فالنظام السوري أعتى نظام ربما عرفه التاريخ الحديث، والموقع الجغرافي السياسي السوري سيهز أبجديات ويفضح شعارات مزيفة كثيرة، ليس أقلها تنازل النظام السوري عن شعارات المقاومة والممانعة الكاذبة والتي شكلت له المشروعية الوحيدة في ظل افتقاره إليها وسط شعبه، فاعترف بدولة فلسطين بحدود 1967 وهو ما كان يقاومه لسنوات، وبالتالي اعترف بشكل واضح بإسرائيل خارج حدود 1967 أولا، واعترف بسلطة عباس وتخلى عن حركة المقاومة الإسلامية" حماس" التي لم يكن معها أبدا وإن خيل للبعض غير هذا.