قال مصطفى النجار البرلماني السابق إن الشرع لم يفرض إقامة "الخلافة الإسلامية" بالصورة التي تتداولها كتب الفقهاء ولم يأمر بإقامة "دولة للإسلام"، لأنه "لا دولة تقوم على أساس الدين بل تقوم الدول على العدل والمساواة واحترام حقوق الناس"، واصفًا مفهوم الخلافة بأنه أصبح عبئًا على الدين نفسه. وكتب النجار في مقاله المنشور على موقع "التقرير": إذا كتبت لك الأقدار يومًا أن تقترب من الإسلاميين بشتّى تنوعاتهم، ستجد (أفيونة الخلافة) حاضرة لديهم جميعًا، ومهما اختلفوا حول تفاصليها ستجد أنها تمثل لحظة الشبق النفسي الأسطوري الذي يتم الوصول إليه بناءً على ضرورة الانتماء لجماعة تعمل من أجل الإسلام وإعادة دولة الإسلام (الخلافة)، ستجد هذه الديباجة المكررة والتي يمكن قراءتها في أدبيات أغلب الإسلاميين وفي مواقعهم الإلكترونية حيث تقول: (أول ما تحتاج إليه الدعوة الإسلامية في هذا العصر أن تقيم -دار الإسلام أو دولة للإسلام- حيث تتبنى رسالة الإسلام عقيدة ونظامًا، وحياة وحضارة. وتقيم حياتها كلها المادية والأدبية على أساسٍ من هذه الرسالة الشاملة، وتفتح بابها لكل مؤمن يريد الهجرة من ديار الكفر والظلم والابتداع، هذه الدولة المنشودة ضرورة إسلامية وإنسانية لأنها ستقدم للبشرية المثل الحيّ لاجتماع الدين والدنيا وامتزاج المادة بالروح والتوفيق بين الرقي الحضاري والسمو الأخلاقي، وتكون هي اللبنة الأولى لقيام دولة الإسلام الكبرى التي توحد الأمة المسلمة تحت راية القرآن وفي ظل خلافة الإسلام. لكن القوى المعادية للإسلام تبذل جهودًا جبارة مستمرة دون قيام هذه الدولة في أي مكان وفي أي رقعة من الأرض ، وإن صغرت مساحتها وقلّ سكانها). إذا كنت شبلًا صغيرًا أو شابًّا يافعًا أو ملتزمًا حديثًا ستأسرك هذه السلسلة التي تبدأ بوجوب انضمامك لجماعة تعمل لإعادة مجد الإسلام ودولة الخلافة، سيخبرونك أن من لا يؤمن بوجوب العمل الجماعي من أجل إعادة الخلافة آثم، سيخبرونك أنّ من لا يسمع لقيادات الجماعة ويطيع فهو عاص ومقصر ويؤخر نصر الله وعودة مجد الإسلام، سيخبرونك أن كل خطوة تخطوها مع الجماعة هي خطوة في الطريق الطويل لإعادة دولة الإسلام وخلافته، الآن أنت أسير لهذه الدوجما ولا بدّ أن تتبع كل ما تراه الجماعة والتنظيم لأنّه لصالح الإسلام ومن أجل الهدف الأكبر (عودة الخلافة الإسلامية). يسوق هؤلاء أدلة شرعية أغلبها من الأحاديث النبوية التي تتفاوت درجات صحتها وتواترها ويعيدون قراءتها وتأويلها بطرق تعتمد فلسفة الماضي والتجربة التاريخية وظروفها المحدودة ويخرجونها عن مسار الاجتهاد الذى يمكن ردّه والطعن فيه ليصلون بها لدرجة التقديس وجعلها من ثوابت الدين وأصوله. على سبيل المثال، يجمع هؤلاء أن الخليفة يجب أن يكون من قريش اعتمادً لقول الرسول (ص): “الأئمة من قريش”، ويصر هؤلاء أنّه لا يجوز تنصيب خليفة من خارج قبيلة قريش ويستدلون بواقعة سقيفة بني سعد عقب موت الرسول حين تنازل الأنصار عن الحكم لصالح المهاجرين (المنتمون لقبيلة قريش)، هكذا بهذه السذاجة في الاستدلال يريد منا هؤلاء ونحن في القرن الحادي والعشرين وعدد المسلمين غير العرب يفوق عدد المسلمين العرب بعشرات الأضعاف أن نصدق اجتهادهم حول نظام الخلافة -طبقًا لتصورهم- الذى يمارس التمييز العرقي والقبلي بين المسلمين أنفسهم، يريدوننا أن نخالف صريح القرآن الذى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ولم يقل إن أكرمكم من انتمى لقريش أو خزاعة، بل إن هذا الاجتهاد القاصر يخالف أحاديث أخرى للنبي يقول فيها: (إن أُمِّرَ عليكم عبدٌ مُجدَّع -أي مقطوع الأطراف- يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)، ويقول: (إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا). هذا مثال واحد سلكت فيه سبل الاستدلال الشرعي التي يحبذها هؤلاء، لكن الحقيقة أنني لم أكن أحتاج لذلك الاستدعاء للآيات والأحاديث، لأننا لا نتكلم عن أمر ديني بل هو دنيوي بحت وتشهد بحور الدماء التي سالت حول الصراع على السلطة طوال التاريخ على صحة ما نقول، حتى إن الإمام الشهرستاني قال: ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان. أما الإمام الآمدي فقال: اعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ولا من الأُمور اللابديات بحيث لا يسع المكلّف الإعراض عنها، والجهل بها بل لعمري، إنّ المعرض عنها لأرجى حالًا من الواغل فيها، فإنّها قلّما تنفك عن التعصب والأهواء وإثارة الفتن والشحناء. أفيونة الخلافة على مدار القرون الماضية نجحت في جذب كثير من الشباب الذين يتحول حبهم للدين إلى هوس ممزوج بالعنف، وما كان تاريخ الخلافة على مدى أربعة عشر قرن عقب الخلفاء الراشدين -باستثناء فترات محدودة- إلا صراعات على السلطة وتوريثًا وحكمًا جبريًّا قد لا يتمكن ولا تقوم دولته إلا بسفك دماء الآلاف من المعارضين، وفى كل زمان تجد شيوخ السلاطين الذين يباركون القتل باسم وأد الفتنة وتوحيد المسلمين وما نراه اليوم من عصابات داعش الإجرامية التي ترفع لافتة الدولة الإسلامية والخلافة هوسا وحنينًا إلى أسوأ فترات التاريخ التي خالفت صحيح الدين وابتعدت عن مقاصده. ليس فى الإسلام نظام حكم معيّن، بل به مقاصد ومعان إذا تحققت فقد وافقت الشرع، الإسلام يريد تحقيق العدالة والشورى ومساءلة الحاكم وفكرة العقد الاجتماعي، والديمقراطية هي تطور إنساني يعبر عن هذه المقاصد، وإذا وجد أي نظام يحقق هذه المقاصد فقد وصلنا للمراد.. يقول العالم حميد بن زنجويه: “إنّ الخلافة إنما هي للذين صدقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده، فإذا خالفوا السنة، وبدلوا السيرة، فهم حينئذ ملوك، وإن كانت أساميهم الخلفاء”. لم يفرض علينا الشرع أن نقيم شيئًا اسمه الخلافة بالصورة التي تتداولها كتب الفقهاء ولم يأمرنا بأن نقيم دولة للإسلام، فلا دولة تقوم على أساس الدين بل تقوم الدول على العدل والمساواة واحترام حقوق الناس، لن يضيرنا أن نحذف من أدبياتنا مفهوم الخلافة الذي أصبح عبئًا على الدين نفسه، ولكن سيضيرنا أن يموت العدل ويعلو القمع والتمييز بين البشر على أي أساس كان دينيًّا أو عرقيًّا أو فكريًّا. لن ينصر هؤلاء المهوسوون الدين بالقتل وإجبار الناس على تغيير عقائدهم ومعتقداتهم، لن يحب الناس الدين الذي يتشدق هؤلاء بنصرته وهم يخطفون زوجاتهم وبناتهم من أجل شهوة وضيعة باسم الدين يجيزونها باسم السبي والغنائم، الشجاعة الحقيقية تتمثل في نزع الغطاء الشرعي عن هؤلاء ومراجعة كل الفتاوى والأحكام الفقهية التاريخية التي تمثل مرجعية شرعية لهؤلاء المجرمين، لن تنجح الحرب على داعش وأخواتها قبل أن نخوض معركة تجديد وتنقية للتراث الإسلامي من كل هذه الكوارث التي تعج بها كتبه. هل نمتلك الشجاعة الحقيقية لفعل ذلك ؟ أم سنتوقف تحت ضغوط الابتزاز الرجعي والادعاء بالمحافظة على الدين والتمسك بالهُوية وما شابه من القوالب السخيفة؟ الطريق واضح لمن يريد؛ فهل نريد؟ – بولاق الدكرور: منطقة شعبية مصرية شهيرة. – الدوجما: سلطوية مقيدة للتفكير وليس فيها مجال للجدل وترى امتلاك الحقيقة المطلقة.