تجري سبعة أحزاب وقوى سياسية مصرية مشاورات عاجلة لتأسيس كتائب شعبية سلمية من أجل حماية المؤسسات الوطنية التي تتعلق بمصالح الجماهير من العبث وتصحيح مسار حركة الثورة بعد الأحداث المنفلتة التي شهدها ميدان التحرير في الأيام الماضية التي أعقبت تظاهرة الجمعة الماضية واجتراء بعض الشباب على إغلاق مجمع التحرير الذي يضم مصالح يتابعها عشرات الآلاف من المصريين يوميا مما يسبب إضرارا عمديا بقطاع واسع من المواطنين . وعلمت المصريون أن المشاورات بدأت بشكل عاجل منذ أول أمس بين أحزاب جماهيرية جديدة تحت التأسيس وأحزاب سياسية جديدة وقوى شعبية أخرى تنتمي إلى التيار الإسلامي ، وأن هناك توافقا مبدئيا بين الجميع على سرعة تشكيل مجموعات من شباب الثورة لتشكيل جدار شعبي سلمي لحماية المصالح الحيوية ، مثل مجمع التحرير ومجلس الوزراء والتليفزيون المصري ومجلس الشعب ومترو الأنفاق وغيره من المناطق الحساسة القريبة من وسط القاهرة ، لمنع التحرش بالمواطنين ، وضمان سيولة الحركة وانتظام العمل والمصالح العامة ، مع الحفاظ على حقوق أي قطاعات سياسية في الاعتصام داخل ميدان التحرير ، شرط أن لا يعوق اعتصامهم المصالح الشعبية . وأكدت المصادر التي تحدثت إليها المصريون صباح أمس وطلبت عدم نشر اسمها بشكل مؤقت على أن التحرك الجماهيري الجديد ، والمنتظر أن ينطلق خلال أيام قليلة هو جهد شعبي سلمي ، وأنه ليس بديلا عن دور الجهات الرسمية في تأمين المصالح الحيوية ولكنه دور داعم لتلك الجهات ، ويأتي استمرارا لمسؤولية جماهير الثورة تجاه الوطن وتعزيزا لسلمية الثورة المصرية ، وأنه تحرك يهدف إلى تصحيح مسار الثورة ، وحماية صورتها أمام الجماهير ، وهي الصورة التي تشوهت بفعل التصرفات غير المسؤولة التي أقدم عليها بعض التنظيمات اليسارية والشيوعية في ميدان التحرير في أعقاب الجمعة الماضية . وأكدت المصادر أن "الكتائب الشعبية" التي يقدر عددها بعشرة آلاف ناشط سياسي ستبدأ ببسط حمايتها على مجمع التحرير ومحطة مترو التحرير ومداخلها بالكامل وأمام مبنى التليفزيون وأمام مجلس الشعب ومجلس الوزراء ، مشيرا إلى أن "الكتائب الشعبية" ستكون حريصة على عدم الصدام مع أحد ، وسوف تتعاون مع الجميع من أجل تصحيح المسار وحماية المصالح الشعبية . وسوف يوجه التحالف الجديد الدعوة إلى جميع نشطاء الثورة وشباب مصر في مختلف المدن والمحافظات من أجل تفعيل مبادرة "الكتائب الشعبية" لحماية المنشآت العامة ورموز الدولة وضمان انتظام مصالح الشعب وعدم الإضرار بمقدراته وممتلكاته . من جانبه أيد الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام" في تصريح ل "المصريون" فكرة إنشاء لجان شعبية لحماية المنشآت العامة للدولة بالتنسيق مع القوات المسلحة، بعد أن حذر من خطورة تشكيل كتائب مسلحة من أجل العمل على تحقيق مطالب الثورة. وقال إن تأسيس مليشيات مسلحة يشكل خطرًا رهيبًا على الدولة، واضعا هذا الأمر في نطاق التخريب، لأن أي عمل ايجابي لابد أن يكون عملا مدنيا وليس عملا عسكريا، لكنه رأى أن هناك مبالغة حول هذه المسألة، مرجعا ذلك إلى أن هناك حالة من عدم اليقين عند الجمهور تخلق حالة من المبالغة في كثير من الأمور، معتقدًا أن الوضع على الأرض يمكن أن يصل إلى هذا الحد. وعبر الدكتور رفيق حبيب النائب الثاني لرئيس حزب الحرية والعدالة عن خشيته من الانزلاق إلى حالة من الصدام في مصر، نتيجة التباين الحاد في الرؤى والمواقف السياسية وحالة الاستقطاب الراهنة، مشددا على ضرورة احترام الخيار الديمقراطي وأن حسم الخلاف السياسي يجب أن يكون من خلال صناديق الاقتراع وليس في الشارع. وأضاف: يجب أن ننتبه أن تحقيق مطالب الثورة تعني رفع وعي الجماهير وحماسهم من أجل تحقيق مطالب الثورة والشعب حول نظام سياسي جديد، وهذا الأمر لا علاقة له بتعطيل مصالح الناس والاقتصاد، لأن استخدام أسلوب تعطيل المصالح العامة يكون على حساب الناس وليس على النظام، ولأنه لا يوجد حاليا نظام سياسي، محذرا من خطورة أن يؤدي هذا الضغط إلى الانفجار الشعبي. وأكد أن للجان الشعبية المقترح تشكيلها دورا هاما في تلك المسألة، لكن يجب أن يكون هذا بالتنسيق مع الشرطة، لأن ذلك يمكن أن يكون عاملا مؤثرا لتهدئة الشارع من ناحية ضبط حركة التظاهر، وأيضا تمكين الشرطة من القيام بدورها، وبالتالي يمكن أن يكون لها دور هام، أما إذا انزلق هذا الطرف أو ذاك في المواجهات فسيكون ذلك على حساب الوطن في النهاية. وتابع: نحن بالفعل نحتاج إلى جهد شعبي من أجل إعادة الانضباط للشارع المصري، في حركة التظاهر والأمن، وانضباط العلاقة بين الشعب والشرطة، وإذا استطاعت هذه اللجان القيام بهذا الدور فإنها ستنقذ مصر مما هي فيه، خاصة مع شعور البعض ممن يعانون من مشكلات حياتية بأن الحركة التي يشهدها الشارع من أجل الثورة باتت تشكل عاملا مؤثرا على أوضاعهم المعيشية، ومن هنا قد يحدث الاحتكاك. واستطرد: أننا بصدد الاحتياج لوعي شعبي حقيقي يفصل بين العمل من أجل تحقيق مطالب الثورة وعودة الاستقرار وإعادة عجلة الإنتاج. من جانبه، أبدى الدكتور محمد يحيي المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب الإنجليزي تأييده بشدة لفكرة تشكيل لجان شعبية تتصدي لما أسماه "التهديدات المنظمة" التي يقف وراءها رجال أعمال فاسدون وأياد أجنبية، لكنه طالب بطرحها على المجتمع لكي تحظى أولاً بموافقة الجمهور والجهات المسئولة، متمثلة في المجلس العسكري والحكومة. وأكد ضرورة تشكيل هذه اللجان لمواجهة "الحركة العدوانية على المؤسسات العامة للدولة"، لكنه طالب بالتمهيد لعمل هذه اللجان بشكل جيد، حتى تصل الفكرة إلى الناس بصورتها الحقيقية على أنها قوي وطنية حقيقية وليست مليشيا تقاوم مليشيا أخرى. وأوضح أن هذا يأتي من خلال إكساب تلك اللجان شرعية ثورية وشعبية وسياسية ومؤسسية، من خلال التنسيق مع الجهات الرسمية مثل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ووزارة الداخلية ولو بشكل ودي، وأن يواكب ذلك حملة إعلامية، كي تكتسب الفكرة القبول والحماية، وكي لا يتم التنكيل بها من خلال الآلة الإعلامية الضخمة التي تسير ضد التيار والتي يمولها رجال أعمال فاسدون. وطالب القوى الوطنية بتوعية الشعب المصري بما تقوم به تلك اللجان من دور في حماية مؤسسات الدولة وتنظيم عملها، والتأكيد علي فرز عناصرها بالكامل، ودراسة وتنظيم كل ما يتعلق بها، على أن يتم توعية عناصرها بأسلوب مواجهة كافة المواقف المختلفة التي قد تتعرض لها، وتحذيرها من مغبة الانجرار لأية محاولات استفزازية، أو استدراجها إلى العنف. بدوره، أكد الدكتور محمد سيف الدولة الكاتب والمفكر السياسي، أهمية وجود لجان شعبية تتصدى لما يحدث من بلطجة، على أن يكون على رأس كل لجنة شعبية من هذه اللجان شخصية عامة معلومة وموثوق فيها لدى الجميع، مثل الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية بالسويس، حتى لا تطلق الشائعات بأنهم قوى شريرة ومغرضة، وبالتالي لابد من دعمها بشخصية متفق عليها وطنيا، حتى لا نجد أنفسنا أمام احتكاكات ويقال إننا بصدد لجان شعبية من الأخيار ضد لجان شعبية من الأشرار، فتقوم حرب أهلية بالبلاد يخشى الجميع من الانزلاق إليها. وأوضح أن محاولات البعض السيطرة علي منشآت حيوية في البلاد، مثل قناة السويس يهدد باستعداء قوي خارجية، لأن المجتمع الدولي أكد في بداية الثورة أنه لن يقف صامتا في حال تعطيل القناة كممر مائي دولي، وبالتالي التهديد بإغلاقها استعداء للخارج علي مصر وهو لا يمكن أن يكون صادرًا عن أي قوة أو تجمع وطني علي وجه الإطلاق، وإنما هو صادر عن مجموعة تعمل علي تعطيل المرحلة الانتقالية وعدم إنجاح الثورة في تأسيس مؤسسات برلمانية منتخبة، والدفع باتجاه صراعات وهمية أو غير مطلوبة بين الشعب والجيش وشق قوى الثورة وتوسيع نطاق تلك الانشقاقات. وطالب سيف الدولة القوي الوطنية والسياسية في مصر وعلي رأسها التيار الإسلامي تبني فكرة التحذير من خطورة المشروع الأمريكي، وأنه صاحب المصلحة الأولي في إفشال الثورة، وبدلا من أن ننجر في صراعات حول ما هو مدني وإسلامي وليبرالي وديمقراطي فلندع هذا، ولنتكلم في الإطار الصحيح وهو تحرير مصر من التبعية للولايات المتحدة وإسرائيل. وشدد على ضرورة إعادة توحيد الميدان، لإنقاذ مصر من المشروع الأمريكي لإفشال الثورة والمتحالف معهم في أذناب النظام السابق من رجال الإعمال وعددهم بالمئات وربما بالآلاف وقيادات "أمن الدولة" وأنصار أمريكا بمصر. وأشار سيف الدولة إلى أن الموقف الراهن في مصر يؤكد وجود حالة من الغضب الشعبي جراء ما يحدث داخل أروقة الإدارة المصرية، وعدم اليقين بجدية الإدارة العسكرية والمدنية فيما يتعلق بقضية محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك أو قتلة الشهداء وباقي الملفات الأخرى، وهو شك طبيعي وصادق وله مبرراته. وحذر من أن هناك أطراف سياسية قال إنها تريد استخدام هذه الحالة ل "ضرب" المرحلة الانتقالية وإطالة أمدها، وقال إن أي تشكيك في قدرة المصريين على بناء مجموعة من المؤسسات المنتخبة البرلمانية والرئاسية يعرض الجميع للخطر، و"البلد على كف عفريت"، بحسب تعبيره.