من العلماء الذين يفخر بهم التاريخ الإسلامي كله ، سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، الذي لم تكن تأخذه في الحق لومة لاءم . فهو لم يسعَ إلى المناصب الرفيعة، وإنما هي التي سعت إليه لجدارته بها، ولم يكن يبالي بها إذا رأى أنها تحول دون الصدع بالحق وإزالة المنكرات، فقد تيقن من وجود حانة تبيع الخمور في القاهرة، فخرج إلى السلطان نجم الدين أيوب في يوم عيد إلى القلعة فشاهد العساكر مصطفين بين يديه، ومجلس المملكة، وما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة، وقد خرج على قومه في زينته ، وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ إلى السطان وناداه: يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوىء لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال السلطان: هل جرى هذا؟ فقال الشيخ: نعم، الحانة الفلانية يباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة ! يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون- قال: يا سيدي، هذا ،أنا ما عملته، هذا من زمن أبي. فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف : من الآية 22 ) ؟ فأمر السلطان بإبطال تلك الحانة . *********** ويروى أن الخديوي توفيق باشا زار - الأزهر الشريف – وكانت العادة أن يحاضر شيخ الأزهر الطلاب وهو جالس على الأرض .. وكان فضيلة الشيخ الإمبابي – شيخ الأزهر – وحوله تلاميذه يسمعون إليه وكان من عادته أن يحاضر وهو يمد رجله ، فطلب التشريفاتي منه ... أن يلم رجله لحضور الخديوي .. فأبى هذا الرجل الشجاع فنصح المقربون من الخديوي شراء هذا الشيخ حتى يقف بجواره في أزمته مع العرابيين ... فأرسل إليه بصرة ضخمة فخمة من المال ... فيها من الجنيهات الآلاف ... فردها الرجل إلى حاملها وقال له بلغ أفندينا .. أن الذي يمد رجله .. لا يمد يده .. رحم الله الشيخ الإمبابي . *********** إنهما صوتان من أصوات العزة الإسلامية التي عاش لها وعاش بها كثير من علماء المسلمين ، دون أن يحنوا رأسًا لحاكم ، أو ينافقوا جبارًا ، (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (النساء من الآية 139 ) . ولا حياة لأمة إذا عاشت ونامت على الوهن والاستسلام ، ونسيت أنها بعزة الله تسمو وتشمخ ، فإذا ما نسيت ربها نسيها ربها ، وجعلها طعامًا للسفلة من الشعوب . ولنذكر قوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)) ( طه ) . [email protected]