كثيرا مايعمد الحكام إلى العلماء، فتارة يقربونهم وتارة يقصونهم، وتارة يعلو نجمهم وتارة أخرى يخفت ويتوارى، فالحرب سجال ولقد جعلنى ذلك أفتش ، ،استشرت التاريخ حتى أكون منصفا، فجاءنى الجواب بسرعة البرق،يخترق الغمام ويتألق فى السماء، يأخذ الألباب ويسحر العقول، التاريخ ينطق ويشهد بذلك سلطان العلماء، إنه من تعرفونه " العز بن عبدالسلام" والذى حل على مصر فتألق نجمه وسمعت له الدنيا وطنت أذنها مصغية، ولم يكن يخشى فى الحق لومة لائم وإن كان فى ذلك هلاكه، ويوم تصدى للأمراء وأجمعوا الأمر على أن يغادر مصر، فى مشهد غير مسبوق خرج معه العامة والخاصة واسمحوا لى أن أترك التاريخ يحكى لكم بنفسه حتى لا أضع أنفى فأفسد لذة الموقف، فى طبقات الشافعى يحكى التاريخ موقف العز من الأمراء المماليك: لم يتوقف الشيخ مرة عن مصارعة الباطل والصدع بكلمة الحق، مهما كلفه ذلك من المتاعب والتبعات، »فقد ذكر أن جماعة من أمراء المماليك –في عهد السلطان أيوب- لم يثبت عنده أنهم أحرار، وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فبلّغهم ذلك، فعظم الخطب عندهم فيه، واحتدم الأمر، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعاً ولا شراءً ولا نكاحاً، وتعطلت مصالحهم بذلك، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستشاط غضباً، فاجتمعوا وأرسلوا إليه فقال: نعقد لكم مجلساً وينادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي. فرفعوا الأمر إلى السلطان فبعث إليه فلم يرجع (عن قراره). فجرتْ من السلطان كلمة فيها غلطة حاصلها الإنكار على الشيخ في دخوله في هذا الأمر، وأنه لا يتعلق به، فغضب الشيخ وحمل حوائجه على حمار، وأركب عائلته على حمير أخر، ومشى خلفهم خارجاً من القاهرة قاصداً نحو الشام، فلم يصل إلى نحو نصف بريد (ستة أميال) إلا وقد لحقه غالب المسلمين، لا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأنحاؤهم. فبلغ السلطان الخبر، وقيل له: متى راح ذهب ملكُك! فركب السلطان بنفسه ولحقه واسترضاه وطيب قلبه، فرجع واتقفوا معه أن ينادى على الأمراء (لبيعهم). فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنه بسيفي هذا . فركب بنفسه في جماعته وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ فرأى من نائب السلطنة ما رأى، فعاد إلى أبيه وشرح له الحال، فما اكترث لذلك ولا تغير وقال: يا ولدي! أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله! ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل على نائب السلطنة، فحين وقع بصره على النائب، يبست يدُ النائب وسقط السيف منها وأرعدت مفاصله فبكى، ويسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدي خبّر، إيش (أي شيء) تعمل؟ قال الشيخ: أنادي عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمننا؟ قال: في مصالح المسلمين. قال: من يقبضه؟ قال: أنا. فتمّ له ما أراد، ونادى على الأمراء واحداً واحداً وغالى في ثمنهم، وقبضه وصرفه في وجوه الخير. إنه السلطان المغيب للعلماء،الذين يظهر الله بهم الحق ويعلى بهم كلمته.... إنه العز بن عبد السلام الذى صدع بالحق فملك قلوب العامة من الناس والخاصة، فهل يجود الزمان بعز جديد؟ لقد تساءلت وتساءل معى المنصفون من ابناء هذا الوطن، أين سلطان العلماء الاّن؟ أين صوت العلماء مما يحدث فى مصرنا المحروسة؟ لماذا طال صمتهم؟ لم نسمع عن عالم تصدر وأفتى فيمن يقتلون الأبرياء وفيمن يروعون الاّمنين، هل غابوا عن الواقع وتقوقعوا؟ لماذا لاتجلجل حناجرهم ويدلوا بدلوهم شهادة لله ثم للتاريخ فيمن يتاّمرون ويسرقون إرادة الأمة؟ماحكم من يسرق إراة أمة؟ ماحكم من يصرون على تجويع شعوبهم وتكبيل أوطانهم ومحاربة الدعاة المخلصين؟ أليس فيكم عز؟ يارب سلم.. د. إيهاب فؤاد