البترول: 4 سفن تغييز لتأمين إمدادات الغاز بجميع قطاعات الدولة    مصر تستهدف جذب 146 مليار جنيه استثمارات خاصة بقطاع التشييد    باحث: رفع العقوبات عن سوريا يفتح الباب أمام الاستثمارات    مقتل 24 شخصًا بفيضانات تكساس وفقدان أكثر من 20 طفلة    بي إس جي ضد البايرن.. التشكيل الرسمى للقمة النارية فى كأس العالم للأندية    المالية: بنك التنمية الجديد يمكن أن يلعب دورا رائدا فى سد فجوات تمويل التنمية للدول الأعضاء بالبريكس    تشكيل بايرن ميونخ ضد باريس سان جيرمان في مونديال الأندية    تأهل ثلاثي مصري لنهائي الرجال بكأس العالم للخماسي الحديث    الهلال الأعلى والأهلي يتساوى مع فريقين.. كم حصدت الأندية العربية في كأس العالم 2025؟    جهود المرور خلال 6 أشهر لملاحقة المخالفين| إنفوجراف    محمد أنور وكريم عفيفي ينضمان لأسرة فيلم «الست لما» بطولة يسرا    عمرو دياب يتصدر تريند يوتيوب لليوم الثالث على التوالي بأغنية «خطفوني»    نائب وزير الصحة يتابع مصابي حادث الإقليمي بمستشفى الباجور    إجتماع تنسيقي بين «الرعاية الصحية» و«التأمين الصحي الشامل» في أسوان    «المونوريل والبرج الأيقوني».. المشروعات القومية رموز جديدة ب انتخابات مجلس الشيوخ 2025 (فيديو)    جمعية الإغاثة الطبية تحذر: تفشي الأوبئة يلوح في الأفق بغزة المنهارة    صحيفة أمريكية: واشنطن لم تعد قادرة على تسليح أوكرانيا وإسرائيل معًا    لمرشحي مجلس الشيوخ 2025.. «الصحة» تطلق منظومة إلكترونية لخدمات «الكشف الطبي» (تفاصيل)    4 مرشحين يتقدمون لانتخابات "الشيوخ" في الأقصر حتى الآن    برلماني: قانون المهن الطبية يحقق التوازن والعدالة ويسهم في تطوير المنظومة الصحية    وفاة جوتا.. كيميتش: رحيل ديوجو يؤثر على بايرن ميونخ    "بقت إدمان".. رئيس تحرير مجلة الزمالك السابق يثير الجدل بشأن صفقة جديدة للأهلي    العروض تحاصر ثلاثي بيراميدز.. والإدارة تعد قائمة بدلاء    التضامن تفتتح مركز سيطرة طوارئ بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة    استمرار تلقي تظلمات الإعدادية بكفر الشيخ حتى 13 يوليو الجاري    سحب 659 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين في حادث مروري بدمياط    القبض على المتهم بسرقة فيلا في الطالبية    أوبك+ يرفع إنتاج النفط بمقدار 548 ألف برميل يوميًا    «محتوى البرامج الدراسية» في ندوة تعريفية لطلاب علوم الحاسب بجامعة بنها الأهلية    «الصمت أحيانًا يعني أننا تعبنا».. حنان مطاوع توجه رسالة غامضة في أحدث ظهور لها    بمشاركة طلاب صينيين| بالصور.. تنظيم أول مدرسة صيفية بجامعة القاهرة    باحث: نحن أمام خطوتين من إعلان اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار فى غزة    "بدأت بموقف محرج".. قصة تعارف أمير صلاح الدين وزوجته ليالي    تعرف على أكثر 5 أبراج تشتهر بالوفاء    فضل صيام عاشوراء.. هل يجوز صيامه منفردًا؟    أمين الفتوى: يوم عاشوراء نفحة ربانية.. وصيامه يكفر ذنوب عام كامل    أحمد نبوي: الأذى النفسي أشد من الجسدي ومواقع التواصل تتحول لساحة ظلم    قانونية مستقبل وطن: مصر تواصل الاستحقاقات الدستورية وسط التحديات التي تشهدها المنطقة    شريهان تعود للأجواء الفنية بزيارة خاصة لمسرحية "يمين في أول شمال"    طبق عاشوراء يحسن صحتك.. فوائد لا تعرفها    الصحة: 10 كوادر يشاركون ببرامج تدريبية في الصين    استقرار أسعار السكر اليوم السبت بالسوق المحلي    الرئيس السيسي: استقرار ليبيا السياسي والأمني جزء لا يتجزأ من استقرار مصر    وظائف خالية اليوم ... 153 فُرصة عمل بمحافظة المنوفية    يوم عاشوراء.. تعرف على أهميته الدينية ولماذا حثنا الرسول على صيامه    محافظ بني سويف يستقبل وزير الإسكان والمرافق في بداية زيارته للمحافظة    3 وديات.. في الجول يكشف تفاصيل معسكر الأهلي في تونس تحضيرا للموسم الجديد    أسماء مصابي حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    طقس الأحد شديد الحرارة وشبورة ورطوبة والعظمى بالقاهرة 36 درجة والإسكندرية 31    الجريدة الرسمية تنشر قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي    الصحة: زراعة 12 صماما رئويا بالقسطرة التداخلية العلاجية مجانا بمعهد القلب خلال 6 أشهر    اختيار ناصيف زيتون لحفل افتتاح مهرجان جرش بالأردن.. وأصالة في ختام الفعاليات    رسائل مهمة من السيسي لرئيس مجلس النواب الليبي    الجار قبل الدار    اليوم.. نظر محاكمة 37 متهما بخلية التجمع الإرهابية    أسعار الفراخ اليوم السبت 5-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    ربع نهائي كأس العالم للأندية| تشيلسي يتقدم على بالميراس في الشوط الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحوالُ "السيادةِ" و "سيادتُك"
نشر في المصريون يوم 15 - 10 - 2014

يختزلُ أنصارُ النظم الاستبدادية وأبواقها الإعلامية مفهومَ سيادة الدولة في قدرتها على البطش بمعارضيها السياسيين، وكفاءتها في نشر الخوف العام من أشخاصها ومؤسساتها في نفوس السواد الأعظم من مواطنيها؛ حتى تأكل سيادتهم الشخصية!. ويسمون هذه السيادة باسم شهرة هو: "هيبةُ الدولة". وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تتجه "سيادة الدولة" و"هيبتُها" نحو الخارج والداخل معا،ً تراهم يصوبونها نحو الداخل فقط، ويصورونها بصورة فظة؛ تستأسد على الداخل الذي هو مصدر قوتها وأساس شرعيتها، وتستنوق(من قولهم في المثل العربي: استنوق الجمل) تجاه الخارج الذي يضغط عليها ويأكل من هيبتها كما يحلو له، ويعطبها في أصل سيادتها.
كان الجدلُ حول "الدولة" قد خمدَ في بلادنا أغلب سنوات النصف الثاني من القرن العشرين لأسباب كثيرة لا مجال لها هنا. ولكن غارةَ الربيع العربي الخاطفة على أنظمة الاستبداد والفساد والفشل، وما تبعها من غارات مرتدة للثورة المضادة؛ سرعان ما أحيتْ الجدلَ حول فكرة "الدولة"، وطرحتْها للنقد، وأحيانا للنقضِ من أساسها. فكثيرون راحوا ينتقدون نمط "الدولة" العربية الحديثة، وبخاصة دولة ما بعد الاستقلالِ. ووفر سجلُ أعمال هذه الدولة مادةً خصبة لنقدها، فهي فشلتْ في تحقيق الاندماج الوطني ولا تزال الولاءات المحلية والقبلية والجهوية أقوى من الدولة وتنازعها سيادتها بأشكال لا حصر لها. وهي فشلت في إنجاز التنمية، اللهم إلا من قشور وبهارج استأثرت بها "العاصمة" وبعض المدن الكبرى دون بقية المناطق، وبخاصة المناطق الريفية التي لم تنل من "دولة ما بعد الاستقلال" إلا مزيداً من القهر، والظلمِ، والتمييزِ، واستعلاءِ "المدينة"، و"البندر" عليها وعلى أبنائِها. وهذه "الدولة" فشلتْ أيضاً في بناء قدرات عسكرية قوية، ولم تحرز تقدماً معتبراً على طريق الاستقلال في تصنيع السلاح وتطويره. وهي عجزت كذلك عن توفير مناخ حر لنشوء وازدهار ثقافة جديدة تحترم إنسانيةَ الإنسانِ، وتحصنُه ضد القهر، وتدفعُه للابتكار والتجديد، وتشعرُه بالأمن والأمان.
ما منْ يوم يمرُّ إلا وتجد كاتباً أو أكثر يتناولُ "الدولةَ" وما آلت إليه أحوالها البائسة في العالم العربي، أو يتأملُ في المصير الغامض الذي ينتظرُها في ظل التحولات الجذريةِ التي يشهدُها العالم. ورغمَ كثرة زوايا النقد في تلك الكتابات، إلا أن زاوية "سيادة الدولة" هي الأكثر عرضة للنقد؛ نظراً لشدة العواصف التي هبتّْ ولا تزال تهبُّ عليها؛ حتى كادت تختفي بمعناها التقليدي، لتحل محلها صيغةٌ جديدة لا تزال غامضة المعالم.
بعضُهم يرى دون تعاطفٍ أو دفاعٍ: أنَّ "داعش" ليستْ سوى صرخة مدوية ضد "الدولة" الفاشلةِ متآكلةِ السيادةِ الخارجيةِ، متعاظمةِ الاستبدادِ الداخلي في المنطقةِ العربيةِ، وأن التحالفَ الدولي الموسعَ الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها على داعش؛ ليس إلا محاولةً للمحافظة على "الدولة" بحدودها الاصطناعية، وبخصائصها السيادية المعطوبة؛ لأن وجود "الدولة" بهذه الحالة هي ضمانةٌ كبرى من ضمانات السيطرةِ العالمية للشركاتِ متعددة الجنسية، وهي الحارسُ اليقظ لحماية مصالح تلك الشركاتِ في اقتصادها الوطني. ومن الأدلة على ذلك: انقلابُ سياسةِ التأميم التي انتهجتها هذه الدولة غداة نشوئها بعد الاستقلال، إلى التسابق لتسليم مواردها وأراضيها المتميزة للشركاتِ العالمية متعددة الجنسيةِ. وكذلك انقلابُ خطابِ الاستقلال الوطني ومقاومة الاستعمار الذي كان يلهج به قادةُ هذه الدولة في الخمسينيات والستينيات إلى خطاب "الوسيط" ، و"الكومسيونجي"، أو السمسارِ، والمشهلاتي الذي لا يهمه إلا تحصيلُ "عمولته"، أو "إكراميتُه" من الصفقة. وكل هذا التحول يجري على حسابِ "سيادة الدولةِ" خارجياً، دون أن يلحقَ أذىً أو نقصاناً ملحوظاً باستبدادها وتوحشها الداخلي، رغم صعودِ خطاب "الديمقراطية وحقوق الإنسان" و"الحريات العامة"...إلخ.
لاحظ أيضاً أن اسمَ "الدولة الإسلامية" الذي تتبناه "داعش" لا صلة له بمفهوم "الدولة" القطرية، أو "الوطنية" الذي تدافعُ عنه أمريكا وحلفاؤها الدوليون؛ بل إن المفهومَ "الداعشي" للدولةِ يسعى في ظاهر الأمر على الأقل والله أعلم بالسرائر لإزاحة المفهوم "القومي" أو "الوطني"، المستمد نظرياً وفلسفياً من تقاليد معاهدة وستفاليا في منتصف القرن السابع عشر، والمرتسم جغرافياً بريشة سايكس بيكو إبان الحرب الأوربية (العالمية) الأولى.
ثمةَ تعقيداتٌ نظرية كثيرة بشأن مفهوم "سيادة الدولة". ولكن أقصرَ الطرق لتعريفها في رأيي هو أنها تعني تمامَ ولاية المجتمعِ على نفسه في علاقته بدولته، وتمامَ ولاية دولته على نفسها في علاقتها بالعالم الخارجي. وإن أيَّ نقصٍ في ولاية المجتمع على نفسه، يقابله بالضرورة نقصٌ في ولاية دولته على نفسها، والعكس صحيحٌ أيضاً.
ومؤدى هذا أن للسيادةِ وجهين: الوجهُ الأولُ داخلي، وهو يعني أن السوادَ الأعظمَ من المجتمع يقرر مصيره بنفسه، ويختارُ حكامه، ويزيحُهم ويقيم غيرهم مكانهم بإرادته الحرة، ويسيطرُ على موارده الوطنية ويسخرها لخدمة أبنائه ورفاهيتهم. ولا سيادةَ للدولة في وجهها الداخلي إلا بسيادةِ مواطنيها وحريتهم وولايتهم على أنفسهم. وأيُّ تحريفٍ أو تزييفٍ لهذه الإرادة يعني الجنايةَ على سيادة الدولةِ ذاتها. أَيْ أنَّ "سيادتك" أنت المدماكُ الأول في بناء ولاية المجتمع على نفسه، وفي بناء سيادةِ الدولة تجاه الخارجِ في آن واحد. والوجه الثاني لسيادتها خارجيُّ؛ ويعني أن السلطةَ الحاكمةَ المعبرةَ عن مجتعمها والناطقةَ باسم الدولة تكون حرةً في اتخاذ قرارتها إزاء العالمِ الخارجي؛ بما يحقق أعظم مصلحةٍ لمجتمعها، وبما يحمي أمنَ هذا المجتمع ويحقق سلامةَ أبنائه ورفاهيتهم. وبهذا المعنى تكون السلطةُ المنتخبةُ انتخاباً حراً ؛ والتي هي وليدةُ سياداتِ السواد الأعظم من أبناء المجتمع؛ هي المدماكُ الأول في بناء ولاية الدولة على نفسها، وهي أساس سيادتها الخارجية. وكما قلنا فإن النقص في "سيادتِك" يعني نقصاً مساوياً له أو أكثر منه في سيادةِ دولتك. وكذلك فإن النقص في سيادةِ دولتك يعني نقصاً في سيادتك مساوياً له أو أكثرَ منه.
تلك هي ببساطةٍ نظرية سيادة الدولة في صورتها التي يجب أن تكون عليها، أو لنقل في صورتها المثالية. وقد شغلت هذه النظرية موقعاً مركزياً في تكوينِ الوعي المجتمعي تجاه "الدولة الحديثة"، وفي إدراك الدولةِ لعلاقتها بالمجتمع منذ عصر النهضة الأوربية. وقد احتفظت هذه النظريةُ بمركزيتها وفعاليتها على الأقل منذ صلح وستفاليا الشهير في سنة 1648م إلى نهاية الحرب العالميةِ الثانية في سنة 1945م.
لكن بعدَ محاكمات زعماء دول المحور في "نورمبرج" عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ بعضُ رجالِ القانون يوجهون نقداً قاسياً لنظرية "سيادة الدولة". وكان البروفيسور "باديفان" الأستاذ بجامعةِ باريس آنذاك من أوائل الذين انتقدوا هذه النظريةَ. وتركز انتقادُه على فكرة أساسية وبالغةِ الأهمية من وجهةِ نظرنا وهي أن "الدولةَ" ليست لها شخصية معنوية تختلف عن "الحكومةِ"، وهذا بخلاف ما استقر عليه الفكر السياسي التقليدي بشأن نظرية الدولةِ. ودعا باديفان إلى التخلي عن أغلبِ الأفكار التقليدية التي تتحدثُ عن "سيادة الدولة"؛ لأن القانون الدولي يتطور بحسب رأيه نحو مرحلة جديدة تتميز بوجود منظمات دولية ذات اختصاصاتٍ واسعة لايمكن أن تمارسها إلا باستبعاد جزئي أو كلي لمبدأ "سيادة الدولة". واستدل على ذلك بأن محاكمة زعماء ألمانيا في نورمبرج التي شارك هو فيها باعتباره القاضي الفرنسيَّ في تلك المحكمة قد تجاوزت فكرةَ السيادة، وفتحتْ عصراً جديداً يخضع فيه الحكامُ للمسئوليةِ الشخصيةِ دون أن يقبل منهم التمسك بفكرة "الحصانةِ" التي جرى الفقه التقليدي على الاعتراف بها بما يسمى "أعمال السيادة" التي لا يجوز للقضاء مراجعتُها، أو مساءلةَ من قاموا بها من رؤساء الدول والحكومات؛ بحجة أن ما قاموا به ليس إلا تعبيراً عن "سيادة الدولة" وإعمالاً لها!. وسنكشفُ عن عوامل تآكل سيادةِ الدولةِ في مقالٍ آخرَ إنْ شاءَ اللهُ.
أكاديمي ومفكر مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.