... قطعوا أحباله الصوتية ولم يُسكتوه ونهر العاصي مخضب بدم المغني الفقير إبراهيم القاشوش والاحتفال بالأبطال أساسي لإتمام النصر,وكأني بعمر أبو ريشة يكتبها في دماء الأمس القريب : وأرقناها دماء حرة/ فاغرفي ما شئت منها واشربي // وامسحي دمع اليتامى وابسمي /والمسي جرح الحزانى واطربي// شرف الوثبة أن ترضي العلى /غلب الواثبُ أم لم يغلبِ و لو عيونكم على ميدان التحرير والمشهد رائع في معظمه ملتبس في توزيع منصاته وأصوات خاطبيه, فاسمحوا لعيوني أن تتعلق بالشام بامتدادنا التاريخي ,حيث الشام جبل من الرجال كعادته وإن غيبه الزمن كما فعل بمصر وغيرها عقودا منتهية وإن طالت واستطالت.,و من الرجال من تعلو قاماتهم بفعل المحن ومنهم محشورون في المشهد كأمثال الذر الحقير الذي لا يرى في دنيانا إلا بعدسات الإعلام المقعرة والمزيفة, وبعض الأصوات تبقى ولو غنت على باب الحارة ,وكثيرها يذهب جفاء وإن علت في منصات احتفالات الحروب والثورات. إبراهيم القاشوش حموي امتلك حنجرة جريئة ربما لا تراها عذبة كحناجر بعض المخنثين ولكنها حنجرة شعب أراد الحياة وأراد التاريخ فأراده المستقبل,كان ولا يزال وسيبقى القاشوش يلهب قلوب أهالي مدينة حماه وكل الأحرار في سوريا .,كان يخرج إلى الشوارع ليواجه الموت بصوته العالي وأغانيه الارتجالية التى ألهبت الجماهير،وتحولت الشعارات إلى أهازيج شعبية تعبرعن تطلعات المدينة المكلومة وشعب يعاني الظلم .,و كانت تلك تهمته التي استحق عليها الذبح من الوريد إلى الوريد واقتلاع حنجرته وإلقاء الجثة في نهر العاصي,ليمتد الدم بعرض النهر وطول الوطن بينما سيظل دم السفاحين لا يغادر شرايينهم الزرقاء. وضاق الأسد بالبلبل الطيب فدق عنقه, وعلى الرغم من انقطاع أحباله الصوتية وغيابها بالنهر إلا أن صوت إبراهيم القاشوش سيبقى عاليا رنانا يدق كالمدفع ويهدر كالفيضان,ويئز كالرصاص ليصم أذن بشار وأشاوسه المناكيد. في لغته الشآمية يغني القاشوش:"وارحل يا بشار ومانّك منّا.. خود ماهر وارحل عنّا... شريعتك سقطت عنّا ..ويلا ارحل يا بشار... ويا بشار ويا كذاب.. وتضرب أنت وهالخطاب.. الحريّة صارت عالباب.. ويلا ارحل يا بشار...يابشار يامندس ..تضرب أنت وحزب البعث.. روح صلّح حرف الإس ..ياللا ارحل يابشار...ويا بشار وطز فيك ..وطز ياللي بيحيك ..والله قرفان طلع فيك.. ويا يللا ارحل يا بشار. أردت يا أيها الأحباب –الرفيق منكم بي والمعلق شديد العتاب- أن تظل حماة أمام عيونكم ملتهبة كالجرح ,ونازفة كذاكرة,ومبتلية كأمة عربية,ومستيقظة كشباب التحرير,ورائعو كدواوين عمر أبو ريشة ونزار قباني,أردت ألا تفارقنا لزوجة الدم الطاهر ورائحة اللحم البشري المشوي,ومشهد ظلم ذوي القربي الأنذال الذين ظنوا أهل حماة ودرعا وبانياس هم من يحتلون الجولان وليست إسرائيل,أردت وأنا بعروس البحر وإسكندرية البهية أن أستمتع ببعض الغناء وألبومات الصيف التافهة والساخنة فساقت إلى أمواج المتوسط امتدادت أحبال المغني المذبوح الطافية فوق صفحة العاصي ,فسكنني صوت إبراهيم القاشوش وحسبي الله ونعم المنتقم الوكيل في ذابحيه والراضين على ذلك. [email protected]