في زحمة التحديات التى نواجهها هنا في استراليا وهى بالمناسبة فوق الاحتمال والطاقة ولكننا بحمد الله نقبض على النار بأيد غير مرتعشة، في هذا الجو المشحون بالتوتر والحساسية جاءنى شيطان مستفز ليجرح مشاعرى بكلام يعترض فيه على مواقف لبعض أساتذتى ويطعن به رموز أزهرنا الشريف في قاهرة المعز. · المستفز كان حديثة عن "مصر" أم الدنيا ، وما جرى لها وما يجرى فيها ، وبدأ بخطبة عيد الأضحى في العاصمة المصرية ، حيث يرى صاحبنا أن كلمات الخطيب عكست نفسيته التى تربت على خدمة الحاكم مهما كان طاغية مستبدا ، وظهر من خطبة الإمام أن حظ السلطان كان أقوى وأوفر من حظ الرحمن في نفسية الخطيب رغم تجاوزه للثمانين من عمره، وأضاف : · خطر هؤلاء الخطباء لا ينحصر في الواقع المؤلم فقط ، وإنما يمتد ليعمق الهوة بين العلماء ولو كانوا ربانيين وبين الجماهير ، ويحدث نوعا من التوهان والضياع وغياب البوصلة ، إذ كيف تفرق الجماهير بين ما هو حق وما هو باطل والناطق بالأمرين شيخ معمم ؟ الأمر الذى يجعل أغلب الناس ينفضون أيديهم من أي أمل في هذا المصدر ، وذلك وضع خطير يصب بالدرجة الاولى في خدمة أعداء الامة ، ويؤخر كل دعوة للنهوض، ويحول الجماهير على المدى البعيد إلى قطيع من الهمج ، أو إن شئت قل: من الغنم لا يربطهم رابط ولا يخضعون لتوجيه ، وأخطر ما تصاب به أمة أن تعيش بلا رأس ولا رمز ولا مرجعية. · بلا رأس يفكر ويقود وفق خطة وبرنامج عمل محدد ومرسوم . · وبلا رمز يكون قدوة ونموذجا تلتقى عنده وعليه إرادة الأمة فتقتدى به وتمشى خلفه وتترسم على الدرب خطاه. · وبلا مرجعية تصحح المسار وتوجه الركب ، وتكشف مواضع الزلل والخطر وتزيل اللبس وترفع الخلاف عند الخصومة والتنازع . · مصيبة الأمة تكون بلا حدود حين يستخدم الدين بواسطة علمائه مطية لسلطان جائر · الدين جاء في الأصل ليحرر العباد ، فإذا برجاله وعلمائه يحولونه إلى سند شرعي للظلم ، وظهير ديني للظالم ضد المقهورين، وتأتى كلماتهم البائسة من فوق المنابر كخنجر في خاصرة وقلوب المظلوم ، ولتشكل خيبة أمل لكل المقهورين حيث ينتظرون من هذه الجهة عدلا وإنصافا، فإذا بها تسوغ للظالم والدكتاتورما يفعله، وتصبغ فعله المشين بالمشروعية ، وتضفى عليه حب أهل الأرض والسموات كماصور خطيبهم. · العبث هنا ليس بعقول الناس فقط ، وإنما هو بالقيم العليا التى يحملها الإسلام كرسالة ربانية المصدر ، وإنسانية الغاية والهدف ، ومن ثم يكون قول الخطيب امتهانا لما يجب أن يصان ، وصرفا للناس عن طرق الهداية ،وصدًّا عن سواء السبيل. · كلمة العالم حين ينطقها هنا وعلى المنبر بالذات ليست صوتا وحروفا تخرج من فمه وانتهى الأمر، إنما هى إما أن تكون مضادا حيويا يقتل في عقول الناس وقلوبهم وأخلاقهم كل جراثيم الوضاعة والمعصية وفقدان المناعة ، ويسمو بهم روحا وخلقا وإرادة وهمة ومهمة ، وإما أن تكون هى ذاتها جرثومة للاستبداد والطغيان والقهر ، تمهد ظهور الشعوب للانحناء وقبول المذلة والخنوع المهين ، وتسلب من البشر أغلى وأعلى ما يمتلكونه في دنياهم وهو الحرية والعزة والكرامة الإنسانية التى خلقهم الله مزودين بها ، فإذا بهذا الشيخ يسرقها منهم وينتهك فطرتهم وسيادتهم بكلماته ليحولهم في نهاية الأمر إلى أسرى وموالى لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا. · وأراد صاحبنا أن يخفف من وقع الكلمات علينا فقال : أعرف أن الأمر ليس جديدا ،وأن التاريخ فيه كثير من الصفحات السوداء احتوت مثل هذا الفعل الفاضح في عصور الانحطاط المختلفة. · وأعرف أن أحدهم قال مثل هذا وزاد عليه :أن الأخبار تواترت بالتأييد للحاكم وانقلابه . وأن أحد المنتسبين للأزهر في (زمن الرمادة السياسية والعلمية) تجاوز كل الحدود في أم الدنيا وخرج على إجماع الأولين والآخرين ، القدامى منهم والمحدثين وفتح من جديد باب الاصطفاء للنبوة والرسالة ، وقال إن الله بعث لمصررسولين هما "عبد الفتاح السيسى ومحمد إبراهيم" كما بعث موسى وهارون. · التشبيه لا يعكس فقط قدرة عقل صاحبه فى النفاق المفضوح واختلاق الأكاذيب، وإنما يعكس جرأة صاحبه في الفرية على الله، وجسارته في إعلان ذلك على ملأ من البشر، وأمام عدسات النقل المباشر، وتلك كارثة اجتماعية تتجاوز كل الخطوط الحمراء ، وتسبب للمجتمع على المدى القريب والبعيد خسارة فادحة، حيث تتحول المرجعيات الدينية في نظر الناس إلى مجموعة من مرتزقة الفكر والثقافة ، الذين يأكلون على كل مائدة ، وينوحون في كل مأتم ، ويرقصون في كل فرح . · وشيوع هذا النموذج وانتشاره يهدم في عمق المتلقى قيمة عالم الدين، ويحوله إلى مجرد سمسار أو تاجر بالقطعة يقوم بتوصيل المطلوب على عنوان الزبون صاحب السلطة مهما كان بعيدا حتى ولو كان في سواء الجحيم. · واستطرد صاحبنا المستفز قائلا: في زمن الرمادة تسقط رؤوس ورموز كثيرة ، وتفتضح عقول ونفوس أكثر،ومع كل سقوط تتهاوى شخصيات كان البعض ينظر إليهم على أنهم قامة وقيمة وقوّامون يهدون بالحق وبه يعدلون. · غير أن الثورة كانت فاضحة ، وكشفت كل هؤلاء لأمر يعلمه الله وحده دون سواه. · العبث الثقافي والديني المشار إليه سلفا كان كله رخيصا ومستقبحا ، لكنه كان بعيداعن المنبر، وفي أماكن ومناسبات تعود الصغار من خدام السلطة وعشاق الظهور أن يكيلوا فيها مدحا فارغا لسيدهم ، ومن ثم فما قيل قد كان انتهاكا للحق والحقيقة في حفل تخريج أو حفل تهريج . · بينما الجديد في كارثة خطبة الأضحى أنها لم تكن انتهاكا للحق والحقيقة فقط ، وإنما أضافت إليها انتهاكا لرمزية المكان وقدسية الزمان أيضا. · إنتهاك رمزية المكان يتمثل في "القول الفضيحة" من فوق منبر مسجد يعرف الخطيب نفسه أنه لا يجوز أن يقال فوقه إلا ما يرضى ربنا ، وألا يعظم فيه إلا صاحبه "قال الله تعالى" {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَ حَدًا} (الجن 18) · أما انتهاك قدسية الزمان فالمناسبة "عيد الأضحى" وهو عيد أقبل فيه نبي كريم على ذبح ولده امتثالا وطاعة لأمر ربه ، وكاد أن يفعل، لولا تدخل القدر بشهادة الله للوالد والولد بأنهما أسلما. · شهادة الحق للوالد بأنه أسلم ولده لله ، وللولد بالطاعة والامتثال وإسلام النفس لله أيضا ، ومن ثم فالسياق هنا يمثل أعلى مقامات الصدق في الاستسلام لله، وأعلى تجليات التضحية والفداء في سبيله سبحانه ، فهل هذه مناسبة يصح فيها أن نهبط بالناس من هذا السمو وأن نخرج عن هذا السياق العظيم لنروِّج إشاعات مكذوبة ونشهد شهادة زور وبهتان ومن فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ · لم ينس ذلك الشخص الذى جاء يجرحنى أن يعرج أيضا على ما يقال في مصر حول الأضحية ، وكابوس الرجل الصالح في رأي ناعوت ، وأن يذكرنا بالشاب العلماني حامد عبد الصمد الغيور جدا على أصنام الجاهلية ، والغاضب جدا من تحطيمها في فتح مكة، وأنه من شدة غضبه على أصنامه التى تحطمت قديما سيؤرخ للفاشية الإسلامية بفتح مكة ، وعرج صاحبنا المستفز أيضا عن أقصر وأسرع حجة في تاريخ البشرية ،وهي حجة الوزير ورئيسه محلب ، وانتفاضة الأزهر ومجمع البحوث ودار الإفتاء وسباق البيانات لحسم الجدل الذى دار حول صحة تلك الحجة أو بطلانها ، وكأنها حجة الوداع التى يتم بها كمال الدين الجديد، ويكتمل بها صحيح الإسلام المعاصر، وتأخذ عنها الدنيا كلها كيفية أداء المناسك بسرعة البرق لتوافق مقتضيات الحداثة الدينية في القرن الواحد والعشرين.!!! · وعن حديث وزير للثقافة "المثقف جدا" حول الفروق الجوهرية والفلسفة الإشراقية والإسقاطية بين الرقص الشرقي ورقص الباليه ، وكيف يحقق الأخير ارتفاعا عن الأرض وسموا في الروح وصعودا إلى أعلى رغم عري الراقصة.!! وحديثه أيضا عن مظاهر التخلف المتمثل في حجاب المرأة المسلمة ، وأنه يفخر أن زوجته المصونة ليست محجبة ، وكذلك المرحومة إبنته لم تكن أيضا من هؤلاء المتخلفات !!!! · أصر الشيطان المستفز أن يسرد أخبارا غير سارة عن أم الدنيا ، وأنها تعيش في عام الرمادة . وأحسست بالضيق والضجر من حديث صاحبنا، ثم قلت له: نحن في أيام عيد ولدينا هنا ما يكفينا من الهموم، من فضلك كف عن هذا اللغو والبؤس ، فأنا أحبها وأحبه ، فقال متسائلا : من هي .؟ ومن هو .؟ · قلت : تربت يداك....هي مصر .!.، وهو الأزهر الشريف يا هذا !،