تعني الكوربورقراطية سيطرة منظومة الشركات الكبرى على المؤسسات السياسية والعسكرية والمخابراتية والاعلامية في الدولة . وتقوم هذه الدولة كما هو الحال في أمريكا على ثلاثة أعمدة رئيسية وهي أولا الشركات الكبرى الأمريكية وثانيا البنوك الدولية وثالثا الحكومة الأمريكية . وهي بذلك يمتد نفوذها إلى جميع دول العالم لتبسط سيطرتها الإقتصادية ومن ثم السياسية لتحقيق مصالحها ومصالح شركاتها وكذلك حلفائها ضاربة بالمبادئ والقيم الدولية والانسانية عرض الحائط ، ويشهد التاريخ على مدى تعبير سياسات هذه الدولة عن مصالحها ومصالح تلك الشركات التي تتحكم في الدولة وعلى رأسها الشركات النفطية ، كما في احداث ايران في خمسينيات القرن الماضي عند تولي محمد مصدق رئاسة الوزراء وكذلك الانقلاب ضد سلفادور الليندي في السبعينيات في تشيلي وكذلك محاولة قلب نظام شافيز في فنزويلا وغيرها من الأحداث التي تجسد مبدءها الخسيس في التعامل مع الدول . ومما يبين تداخل الأعمدة الثلاثة المبينة سلفا والتي تقوم عليها هذه الدولة ،أن رجلاً مثل روبرت مكنمارا يتولى منصب رئيس شركة فورد الأمريكية ثم يعينه كينيدي (الرئيس الأمريكي) وزيراً للدفاع ثم بعدها يتربع على عرش رئاسة البنك الدولي وهو البنك الأكثر نفوذا في العالم . فتتبع هذه الدولة المهيمنة على شؤون العلم الإقتصادية ومن ثم السياسية عدة طرق تجسد فيها هذا المبدأ الخسيس للسيطرة على الدول النامية وإخضاعها لهيمنة النخبة الأمريكية التي تدير الحكومة والشركات والبنوك .يأتي في أول هذه السياسات هوعرض القروض للدولة المستهدفة بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمدن الصناعية ،فتقوم صفوة الخبراء في الشركات الاستشارية الأمريكية باستخدام المنظمات المالية الدولية (أحد أعمدة المنظومة ) بإعداد الدراسات التي بناءً عليها توافق المنظمات الدولية على تقديم القروض وكذلك نماذج التنبؤ للنموالإقتصادي المتوقع لهذه الدولة لسنوات قادمة معتمدين بلا شك على الطابع المخادع للأرقام الجافة كنمو الناتج الإجمالي القومي الذي يكون نتيجة استفادة أقلية من المواطنين عاى حساب الأغلبية من الناس التي لا تزيدها هذه الأرقام إلا فقرا وقحطاً . ويشترطمع هذه القروض المخصصة لتطوير البنية الأساسية أن تقوم المكاتب الهندسية وشركات المقاولات الأمريكية بتنفيذ هذه المشروعات .وبهذه الطريقة لا تغادر الأموال الولاياتالمتحدة لأنها تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن إلى حسابات الشركات ويتبقى على الدولة المدينة سداد أصل القرض والفوائد. وفي إطار خطة القروض والمشروعات هذه يتم تكوين مجموعة من الأفراد أو العائلات الثرية ذات النفوذ الإقتصادي والسياسي داخل الدولة المستهدفة والتي تشكل بطبيعتها إمتداداً للنخبة الأمريكية حكومة رجال الأعمال في مصر قبل ثورة يناير قد تكون مثالاً على ذلك ، فترتبط سعادة هذه المجموعات ورفاهيتها بتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة وهذا هو الحال في معظم الدول النامية . ومن النماذج الأكثر وضوحا في تطبيق هذه السياسة هوما حدث لدولة الإكوادور والتي تمدفعها نحو الافلاس .ففي خلال ثلاثة عقود وبسبب هذه القروض إرتفع حد الفقر من 50% الى 70% من السكان وازدادت نسبة البطالة من 15% الى 70% وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار الى 16 مليار دولار وخصصت قرابة 50% من ميزانيتها لسداد الديون إلى أن باعت غاباتها إلى شركات البترول الأمريكية وكان هذا هو الهدف والسبب الرئيس في التركيز على الإكوادور وإغراقها بالديون نظراً لكون مخزون غابات الأمازون من النفط يحتوي على إحتياطي يعتقد أنه منافس للشرق الأوسط . ومع توالي القروض المقدمة للدولة المدينة وتعثرها بلا شك ، يفرض الدائن شروطه (كما في حالة مصر مع السادات والتي كان من نتائجها المشؤومة زيارته للقدس ومن ثم اتفاقية السلام وفتح الباب على مصراعيه لجميع أنواع الواردات ) وتتنوع هذه الشروط بين بيع صوت الدولة في الأممالمتحدة ومنظماتها أو السيطرة على موارد معينة في البلد المدين أو قبول تواجد عسكري أوجميع ذلك ، ولا تصبح السياسات الاقتصادية لتلك الدولة جيدة إلا من خلال منظور الشركات الكبرى ، وهذه الدولة مطالبة كذلك بخصخصة الخدمات والشركات من صحة وتعليم ومياه وكهرباء فتبيعها للشركات الكبرى ومضطرة أيضاً بعد ذلك إلى إلغاء الدعم الحكومي وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية وعليها في نفس الوقت القبول باستمرار أمريكا وشركائها من الدول الصناعية في تقديم الدعم لقطاعات الأعمال وفرض القيود على هذه الدولة لحماية صناعاتها وصادراتها وبذلك تضمن هذه المنظومة استمرار قبضتها ونفوذها ومصالحها ومصالح حلفائها على أرض هذه الدولة المدينة . وهذا هوعين ماحدث وما يحدث لمصر ولعموم دولنا العربية ونتساءل الى متى سنظل في هوة الاستسلام والتبعية السحيقة لمن دأبوا على استغلالنا والمتاجرة بمستقبلنا وأحلامنا وكلما زاد استرشادنا بهم وعيشنا في سرابهم كلما زادت هذه الهوة عمقا واتساعاً ، الى متى سنظل نستدعي سياسات الفشل وكأننا في غيبوبة من التاريخ ومعزل عن من سبقونا من أمم كنا واياهم على السواء بل كنا الأرقى في الامكانات والمقومات فانطلقوا ناهضين بعدما رفعوا انفسهم من تلك الهوة السحيقة واستبدلوها بجسور وصلتهم بالتقدم والرقي وبعدما شدوا العزم وتأملوا الوجوه فأدركوا العدو وأقنعته مهما تعددت ، ونحن مازلنا نراوح مكاننا ونركض في محلنا ولانقفز إلا للخلف كالبراغيث ، نصدق أمانٍ كاذبة وخيالات غير صائبة والحال هو الحال والفقروالتخلف لايزال . وحتى دولنا النفطية استداروا عليها بعد زيادة أسعار النفط وموقفهم في حرب أكتوبر 73 وزينوا لهم نمط الحياة الغربية من أسواق وخدمات ومساكن ومآكل ومشارب وأفخم السيارات والمركبات لكي لا تستأثر هذه الدول النفطية النامية بتلك الأموال بل تكون جلها في جيوب شركاتهم ومؤسساتهم . ثم فرضت الحروب على هذه المنطقة كحروب الخليج الأولى والثانية لإستنزاف ثرواتهم وشق صفوفهم وضمان الغلبة والسيطرة لهم ولحليفتهم المدللة . ثم أوهموهم بعداوات من دول وجماعات هي من صنع أيديهم كقاعدة الأمس ودواعش اليوم لضمان سياساتهم وترويج أسلحتهم . ففي حقيقة الأمر لا يريد هذا النظام الأمريكي الكوربوروقراطي إلا احتكار المستقبل لصالح منظومة الشركة الأمريكية وحبسنا في سجن الماضي ونكباته ، مسيطراً على جميع الأسواق مستغلاً لموارد الدول محتكراً للتكنولوجيا والإستثمار والانتاج العالمي ونحن لانزال لحماً على وضم موائدهم لا نملك شيئاً من أمرنا ولا نتعظ بنكباتنا