الآلاف من طلاب الجامعات والمدارس يستقبلون عامهم الدراسي بالسجون.. وأهالي المعتقلين يطالبون النظام بالإفراج عن أبنائهم
حرمت تلك القضبان، أمهات وآباء من متعة النظر إلى أبنائهم خلال طريقهم للجامعة أو المدرسة، آلاف الطلاب الذين حكمت عليهم السياسة بدخول المعتقلات والسجون، شارة رابعة أو صورة رئيس معزول أو المشاركة فى تظاهرة، جميعها طرق تدفعك للسجن بالقاهرة، ولن يشفع لك الزى المدرسى أو كشكول محاضراتك. لا فرق بين رجل راشد وطالب جامعى أو فتاة صغيرة، جميعهم خلف القضبان، بعضهم ينتظر حكمة إلهية، والبعض الآخر "يتعشم خيرًا" فى النظام الجديد، لإخراجهم من غياهب المعتقلات.
طالب تربية.. صورة مرسى وشارة رابعة كانت سببًا فى اعتقاله عبد الرحمن محمد السيد مصطفى، الطالب بكلية التربية جامعة الأزهر قسم اللغة الإنجليزية من مركز طهرمس محافظة الجيزة، تم القبض عليه يوم 12 فبراير 2014 فى كمين على الدائرى أثناء ركوبه إحدى السيارات فى نزلة الوراق، لحمله شارة رابعة العدوية وبعض الصور للرئيس المعزول محمد مرسي، وتم اتهامه بعدة اتهامات، منها الانتماء لجماعة إرهابية وحرق مبنى مدرية أمن القاهرة، وحرك مبنى كلية تجارة جامعة الأزهر. وقالت أم عبد الرحمن ل"المصريون"، إن نجلها تعرض لأبشع أنواع التعذيب بداية من القبض عليه وحتى إيداعه بسجن وادى النطرون، مؤكدة أنه تم تجريد عبد الرحمن من ملابسه وتم حبسه لمدة يومين فى دورة المياه، مشيرة إلى أن الكثير من الطلاب تم التحرش بهم وتعذيبهم بالكهرباء دون أى ذنب. وأضافت أم عبد الرحمن، أن نجلها لم يتمكن من أداء امتحانات العام الماضى، حيث كان بالصف الثانى الجامعى، ورفضت إدارة سجن وادى النطرون السماح له بأداء الامتحانات، موضحة أنه حصل على تقدير جيد جدًا فى الصف الأول، وكان دائمًا من الطلاب المتفوقين بشهادات معتمدة ولا علاقة له بأى جماعات أو تيارات سياسية، مطالبة بضرورة الإفراج عنه وعن جميع الطلبة المعتقلين. وتابعت أم عبد الرحمن أن والدها تم تحويله مؤخرًا من نيابة إمبابة لنيابة أمن الدولة العليا، موضحة أن وكيل نيابة إمبابة قال لها بالحرف: "خروج ابنك على جثتى لو كان تاجر مخدرات أو قاتل، كنت ساعدتك فى الإفراج عنه".
شقيق معتقل: أخى حافظ للقرآن وطالب ثانوى متفوق أكد الأخ الأكبر للطالب معاذ محمد أحمد، طالب فى الثانوية، حاصل على 92%، وكان يقدم فى كلية خدمات طبية من محافظة أسوان، أنه كان فى طريقه لشراء ملابس وتم القبض عليه فى محطة مترو "مسرة" يوم الخميس 28 أغسطس، وكان معه اثنان من زملائه، وتم سحب بطاقتهم بحجة ارتدائهم لملابس رياضية، وأخبروهم أنه سيتم التحرى عنهم، وقاموا بترحيلهم فى عربة البوكس إلى قسم الساحل ثم روض الفرج على سبيل أمانة، لأنه لا يوجد مكان فى قسم الساحل، وبالرغم من أنه كتب فى المحضر "لا توجد قضية ولا توجد أحراز ولا أى آثار لضرب شماريخ ولا أى شيء يدل على أنهم كانوا متظاهرين"، إلا أنهم أخذوا 15 يومًا، ثم تجدد لهم 15 أخرى، وتم التجديد للمرة الثالثة 15 يومًا. وأضاف أنه يتوجه إلى قسم روض الفرج يوميًا ويظل بالخارج وتمكن من مقابلة أخيه حوالى 10 مرات، مؤكدا أنه لا يتم التعامل معهم فى القسم بصورة سيئة، وأضاف أنه يحاول أن يعطيه حافزًا حتى لا يتأثر بالحبس، وهو حافظ للقرآن ونفسيته مدمرة لتفوقه الدراسى هو وزملائه، بجانب عدم قدرته على التقدم وإجراء الاختبارات المطلوبة منه فى الكلية.
والدة معتقل: تجديد النيابة لابنى قرارات سياسية من فوق فيما تقول والدة عبدالله أيمن، 18 سنة، الطالب بالثانوية العامة، إنها حضرت من أسوان يوم الأربعاء 27 أغسطس للذهاب إلى المستشفى، لتحديد ميعاد لإجراء عملية لنجلها فى عينيه، حيث إن إحدى عينيه ضعيفة بنسبة 90%، وأنه أثناء سيرها مع نجلها يوم 28، تركها على الرصيف وقام بعبور الشارع لشراء شيء من السوبر ماركت المقابل، ولكنه اختفى من أمامها وهى أول زيارة له إلى القاهرة، فظلت تبحث عنه وتسأل المواطنين عنه، إلى أن أخبرها أحد أصحاب المحال أن الشرطة قبضت على الكثير من الشباب بصورة عشوائية، وظلت تبحث عنه فى الأقسام حتى وجدته فى قسم روض الفرج، فقدمت لرئيس نيابة القسم الأوراق الخاصة بعملية نجلها وتذكرة قدومهما إلى القاهرة يوم 27، "ولا سألوا فينا"، وأضافت أن الجميع أخبرها أن القرار سياسي. وأشارت إلى أنه تم الإفراج عن حوالى 40 طفلاً فى ابتدائى، وقبضوا على الباقى 36، وتم حبسهم 15 يومًا ثم 15، وأفرجوا عن 10، أعمارهم تتراوح من 15 إلى 17 سنة، بمناسبة المدارس بقرار من النائب العام لعودتهم إلى مدارسهم. وقالت إن كل المعتقلين حاليًا 26، منهم عسكرى هارب من الجيش، مضيفة: "كلهم أولاد ناس ومتربيين وكل طالب له ظروفه المختلفة، فالقبض كان عشوائيًا، وهناك من تم القبض عليه أسفل منزله"، مؤكدة أن "النيابة جاية معاها القرار ب15 يومًا، قرار سياسى من فوق".
الركوب مع سائق ملتح كان ضريبة لاعتقال الطالب علاء لم يكن يتصور أن ركوبه مع سائق تاكسى ملتح سيكون سببًا فى اعتقاله، إنه عبد الله علاء الدين سليمان، الطالب بأكاديمية طيبة الفرقة الثالثة قسم إدارة وأعمال، حيث اعتقل هو وابن خالته يوسف السيد إمام، محاسب، بعد فراغهم من توزيع اكسسوارات حريمي لبعض المحلات بشارع محيى الدين أبو العز، حيث اعتقل يوسف وصاحبه بمنطقة الدقى فى الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير 2014 هو وصاحب التاكسى الذى استقلا معه بعد انتهاء عملهما مباشرة. ويقول مصطفى علاء الدين، أخو عبد الله المعتقل، إن شقيقه لم يتمكن من أداء امتحانات العام الماضى بسبب اعتقاله، حيث رفضت إدارة الجامعة إرسال لجنة خاصة إلى سجن وادى النطرون، وعندما ذهب لمساعد الوزير أرسل رسالة إلى إدارة الكلية، ولم يمتحن عبد الله سوى 3 مواد فقط. وأضاف مصطفى، أن عبد الله وصاحب التاكسى ويوسف، وجهت إليهم 17 تهمة بعد القبض عليهم، منها مقاومة السلطات والإضرار بالأمن العام وحيازة مفرقعات، مؤكدًا أن تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة، بالإضافة إلى أن تحريات أمن الدولة أثبتت أن شقيقه ليس له أى انتماءات سياسية ولا ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. وأوضح شقيق المعتقل، أن أول زيارة لأخيه كانت فى الكيلو 10 ونص، طريق مصر إسكندرية، ولوحظ عليه آثار تعذيب بالكهرباء وتجمع دموي فى عينيه، هو وابن خالته وسائق التاكسى وعدد من الأطفال فى تلك القضية، مؤكدًا أنهم يقبعون الآن بسجن وادى النطرون وأول جلسة لمحاكمتهم كانت فى 9 أغسطس، ورفضت الداخلية إرسالهم إلى مقر المحكمة، ومن وقتها يتم تأجيل القضية لعدم حضور المتهمين حتى أجلت ل1 أكتوبر المقبل.
إبراهيم.. طالب الطب الذى رفع "سلمية" فعوقب بالسجن 10 سنوات لم يستطع أن يكمل دراسته، بالرغم من تفوقه فى جميع مراحل التعليم وحسن خلقه بشهادة جميع زملائه.. إنه إبراهيم السيد عمرو، الطالب بالفرقة الثانية كلية طب جامعة الإسكندرية، والأول على الثانوية العامة بمحافظة كفر الشيخ والثالث عشر على الجمهورية سنة 2012، وألقى القبض على عمرو يوم 16 أغسطس من مدينة سيدى سالم التابعة لمحافظة كفر الشيخ، أثناء مشاركته فى مظاهرة للتنديد بأحداث فض رابعة، حاملاً يافطة مكتوبًا عليها "سلمية"، وتم تسليمه لقسم أول كفر الشيخ، ثم ترحيله لمديرية أمن كفر الشيخ، وأمرت النيابة بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق وتم ترحيله لسجن الأبعدية بدمنهور، حيث استمر تجديد حبسه 15 يومًا بصورة متوالية ليصل إلى 272 يومًا. وقال عمر أحمد، أحد أصدقائه بالجامعة، ل"المصريون"، إن إبراهيم تم سجنه بطريقة غير آدمية فى زنزانة تحتوى على 26 معتقلًا كانوا يبدلون الوقوف والنوم "عشان تكفيهم". وأضاف أن أولى محاكماته كانت يوم مارس 2014، وتم تأجيل القضية عدة مرات، حتى تمت أخيرًا محاكمته النهائية يوم 18 مايو وحكم عليه بالسجن 10 سنوات ومعه 132 متهمًا آخر فى نفس القضية، وتم توجيه عدة تهم لا أساس لها من الصحة لإبراهيم، منها تخريب منشآت عامة وخاصة وقطع الطريق والانتماء لجماعة محظورة وحيازة أسلحة نارية وأسلحة بيضاء، بالرغم من أن محضر قضية إبراهيم لم يشتمل على أى أحراز.
خبراء: يمكن للرئيس الإفراج عن الطلاب المعتقلين.. والطلاب يمكنهم رفع طلباتهم للنائب العام وقال خبراء وقانيون، إنه يمكن لرئيس الجمهورية إصدار عفو رئاسى للإفراج عن كل المعتقلين من الطلاب، مؤكدين أن هناك حالة من البطش الأمنى بالطلاب، ويمكن للطالب أن يتقدم بطلبات للنائب العام بشأن تأدية امتحاناته أو غير ذلك. وقد أكد الدكتور محمود كبيش أستاذ القانون الدستورى وعميد حقوق القاهرة، أن من حق رئيس الجمهورية إصدار عفو عمن تم الحكم عليه بشكل نهائى لا يجوز الطعن عليه بغض النظر عن نوع القضية التى تم الحكم عليه فيها، شريطة ألا تتعارض مع مصلحة الوطن، مضيفًا أن القانون لم يحدد للرئيس شروطًا على أساسها يتم العفو، مثلما فعله الرئيس المعزول محمد مرسى، والذى أفرج عن العديد من الشخصيات التى كانت تنتمى إلى قضايا تضر مصلحة البلاد. وأضاف أن الطالب من حقه أن يتقدم بطلب إلى النائب العام، حتى يتمكن من أداء الامتحانات الخاصة به، وإذا كان الحبس على ذمة قضايا تخص الأمن العام، وكان من المتعذر خروج الطالب لأداء امتحاناته، فمن الجائز أن يتم انتداب لجنة له داخل الحبس أو السجن لأداء اختباراته، فهو من صميم حق المواطن الذى يكفله له الدستور والقانون، بجانب أن من حق الطالب أن يطلب المراجع التى يريدها للاطلاع والتى تؤهله لأداء اختباراته، سواء كان طالبًا فى مدرسة أو جامعة. من جهته، قال مؤمن رميح، المحامى بمجال حقوق الإنسان، إن ما يحدث لطلاب المدارس والجامعات من اعتقالات عشوائية، هو نتيجة حالة القصور الأمنى وتراخى المهنية والمعايير الشرطية، لعدم قدرته على ضبط العناصر الإجرامية التى تدخل عن عمد فى الحراك السياسى الذى تشهده الجامعة المصرية، بما يستتبعه من خروج الطلاب للتعبير عن آرائهم فى القضايا السياسية المختلفة. وأضاف أن الشرطة لا تستطيع أن تقدم المتهمين الحقيقيين لكل الأحداث والكوارث التى شهدتها الجامعات المصرية، لكنها نظرًا لانعدامية مهنيتها وقصور أفرادها عن مواجهة ما يسمى بالجريمة المنظمة، فهى تفقد جزءًا كبيرًا من سلامة إجراءاتها القانونية فى القبض على الطلاب، مدعية أنهم هم المرتكبون الحقيقيون لكل الأنشطة الإجرامية التى مورست على المسرح الجامعى. وأوضح رميح، أن النيابة العامة تقدم الطلاب إلى المحاكمة الجنائية دون توافر أى دليل مادى يمكن الأخذ به فى توجيه الاتهام، كما أن التحريات المقدمة من أجهزة المعلومات المختصة تفتقد هى الأخرى مصداقيتها، بمجرد أن تطلع عليها لأول وهلة، فالتحريات المنعدمة التى تقدمها النيابة كدليل إدانة تعتمد عليه فى توجيه الاتهام هى تحريات مكتبية، مطالبًا بالالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجرائم المنظمة والجرائم الإرهابية التى تتطلب تحريات خاصة.