يشهد فضاء الإعلام صراعًا محمومًا، بشكل بات ملحوظًا، حتى بات هذا الصراع جزءًا من معادلة الصراع السياسي الراهن، وأحد الأدوات التي يتم استخدامها من قبل الفرقاء السياسيين، ودخلت هذه القنوات في سباق على استقطاب النخبة المصرية من لكتاب ومثقفين وسياسيين، وهو الأمر الذي يعيد فتح ملف التمويل، خاصة مع ضخامة الإنفاق ومصادر الدعم التي يتم تقديمها، في الوقت الذي لا يعرف فيه هوية مؤسسي تلك الفضائيات، ما يثير المخاوف من حدوث اختراقات أجنبية للإعلام المصري، خاصة في ظل هذه الأجواء المضطربة، وحالة الاستقطاب الحادة. وعبر الكاتب الصحفي سليم عزوز رئيس تحرير جريدة "الأحرار" ل "المصريون" عن خشيته مما يحدث، خاصة في حالة الفوضى الحاصلة في مصر وأن يصل بنا الحال، كما حصل في لبنان عندما اجتمع أحد رؤساء الوزراء السابقين وقال للصحفيين اللبنانيين: "مرحبًا بكم في وطنكم الثاني لبنان"، لأنه كان من المعلوم في تلك الفترة أن لكلا منهم ولاء لدولة أخري من دول المنطقة ولبنان بالنسبة لهم الوطن الثاني. وقال إنه يتم حاليا تداول "معلومات" وإن كان بشكل غير رسمي عن عمليات تمويل ضخمة من قبل "قوى خارجية" في مجال الإعلام علي وجه التحديد، وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قامت بتمويل بعض الصحف في مصر، لكننا لا نملك علي ذلك المستندات الكافة، مؤكدا أن المشهد الراهن يثير الخوف، حيث أن هناك صحيفة مرصود لها 30 مليون جنية قبل أن تصدر عددا واحدا فضلا عن القنوات الفضائية الكثيرة التي انطلقت. وأكد أن هناك حالة ارتياب شديد تجاه ضخ الأموال بشكل مبالغ فيه لإطلاق قنوات فضائية وتأسيس صحف، لأن الإعلام وإن كان صناعة ثقيلة لكن ربحها ليست مضمونًا، مشيرا إلى أنه لا يعقل أن تكون الأسماء التي تقوم بهذا الإنفاق الضخم من أجل قناة فضائية. وأشار إلى أنه كان بالإمكان التعامل مع هذه الظاهرة، باعتبارها ظاهرة صحية إذا تمكنا بالفعل من إثبات أن هذه الأموال هي أموال مصرية خالصة، وليست أموالاً خارجية بهدف التأثير في الرأي العام المصري، واصفًا المشهد التونسي بأنه أكثر شفافية من الوضع في مصر، نظرًا لأن فرنسا تقوم بتمويل بعض الأحزاب وبعض القنوات الفضائية والصحف بشكل معلن وبغرض الوقوف في وجه القوي الإسلامية والقوى الوطنية التونسية بشكل عام. واعتبر أن المشكلة في انعدام الشفافية، وينبغي على السلطات المعنية في مصر أن تكشف للرأي العام مصادر تلك الأموال التي يتم ضخها "حتى يتبن لنا الخيط الأبيض من الأسود"، مشددا على ضرورة التصدي لمحاولات اختراق المال الأجنبي التي لا نعرف حقيقة دوافعه من خلال تفعيل القانون، والذي يظل حبيس الأدراج ولا يتم تطبيقه إلا وقت اللزوم أو مع شخصيات معينة يراد التخلص منها. وحث الرأي العام المصري على ضرورة التيقظ وأن يطالب بالكشف عن هوية أصحاب هذه القنوات وأصحاب كافة وسائل الإعلام الحقيقيين، بعيدا عن الأسماء الظاهرة، لأن مثل هذه الأسماء لا يستطيع في واقع الأمر تمويل صحيفة أقلية فضلا عن قناة فضائية. وربط الدكتور محمد سيف الدولة الكاتب والمفكر السياسي، التحولات على صعيد المشهد الإعلامي في مصر كجزء من منظومة الإعلام العربي بالاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 حيث أطلقت الولاياتالمتحدة مشروعًا تحت اسم تجميل وجه أمريكا، وتم ضخ ملايين الدولارات في دول عربية منها مصر، لتأسيس قانون فضائية وصحف منها جريدة شهيرة، بهدف الترويج بأن احتلال العراق كان بهدف تطبيق الديمقراطية، وليس هناك سبب آخر لذلك. ولاحظ أنه في أعقاب ذلك حدث انقلاب في الخطاب الإعلامي، حيث تراجع الحديث عن القضايا القومية وقضية فلسطين على وجه الخصوص وبدأ يركز فقط على فكرة التغيير الداخلي وفق الرؤية الأمريكية، إلا أنه ومع الثورات العربية توصلت الولاياتالمتحدة بعد دراسة الموقف إلى أن أكثر التيارات المرشحة للوصول إلي السلطة إذا ما أجريت انتخابات حرة هو التيار الإسلامي، الذي يهدد المصالح الأمريكية لكونه معاديًا لإسرائيل وداعمًا للمقاومة المشروعة للفلسطينيين. وأضاف: لذا قررت الولاياتالمتحدة أن تدعم تيارات بديلة من أجل أن تنافس التيارات الإسلامية على "الكعكة"، لذا فهي تعمل على فرملة أي "خارطة طريق" تبلور أي فكرة قد تحمل مشروعًا مناهضًا للمصالح الأمريكية، واضعًا في هذا الإطار رفض التعديلات الدستورية والمطالبة "الدستور أولاً" ،والهجوم على المرجعية الإسلامية والتشهير بعدد من القيادات الإسلامية. وقال إن من يقف كرأس حربة لتحقيق تلك الأهداف أشخاص معروفون لا يتعدون أصابع اليدين لديهم جريدتان أو ثلاث وعدد من القنوات الفضائية ويقررون كل مساء ماذا سيكون إفطار الشعب المصري من الإخبار صباحًا، واصفًا إياهم بأنهم رجال الولاياتالمتحدة وأصحاب توكيلات بها أسسوا صحفهم وقنواتهم بأموال وثيقة الصلة بها، وذكر أن من بين تلك الأسماء رجلي الأعمال نجيب ساويرس وصلاح دياب وآخرين غيرهما يفرضون سيطرتهم على الإعلام في مصر. إلا أنه في المقابل يرى أن الخطأ الذي يقع فيه التيار الإسلامي أنه يصدق أن الهجوم علي الإسلام فيدافع عن الإسلام، مشددا على أن هذا الموقف بحاجة إلى مراجعة بأن يدرك أن الهجوم ليس على الإسلام وإنما علي التوجه الاستقلالي للتيار الإسلامي من قبل الغرب، وبالتالي فعليه أن يعيد طرح نفسه باعتباره حامي حمى الوطن والاستقلال، الذي يهدف لإخراج مصر من التبعية للولايات المتحدة والحفاظ علي هويتها الحضارية المستقلة عن الحضارة الغربية. في حين رفض الدكتور محمود علم الدين وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة التخويف من ظاهرة السباق على إنشاء الصحف وإطلاق الفضائيات، واصفا هذا بأنه "أمر ايجابي ولا يجب الانزعاج منه"، مدللا بأنه في دولة مثل تركيا يوجد 2500 جريدة ما بين يومي وأسبوعي ومئات القنوات الفضائية، وأنه من المعلوم لدي الجميع مصدر تمويل كل تلك المؤسسات الإعلامية وهيكلها التنظيمي أو من السهل معرفتها. وأضاف: لابد أن يكون لدينا قدرة على أن نقبل بالتعددية في القنوات الفضائية والدخول في تنافس فيما بينها، لأن هناك الآن سوقًا مفتوح للتنافس والرابح هو من يستطيع الاستمرار وكسب الجمهور ومعلنين، معتبرا أن الأجواء التي تعيشها مصر الآن هي فرصة للمنافسة والعمل الإعلامي الذي به قدر كبير من التنوع والتعددية، فقد كانت شكوانا دائما أن هناك صوتا واحدا وليس هناك تنوع. وأوضح أن هذه الظاهرة الإيجابية من شأنها إتاحة الفرص للإبداع، لكنه يدعو للتأمل فيما ستقدمه تلك القنوات الجديدة وهل ستكون لها قدره المنافسة والتواصل مع الجماهير والاستمرار في السوق.