هناك شيء مقلق في موضوع شهادات استثمار قناة السويس ، التي طرحت من أجل الإسهام في إنجاز مشروع تطوير القناة الجديد ، فالمعلومات التي تتاح لنا شحيحة جدا ، وهناك احتفال بأرقام إجمالية تتحدث عن ستة مليارات في اليوم الأول وخمسة في الثاني وإجمالي في الأسبوع الأول يقترب من أربعين مليار جنيه ، وبدا أن الإعلان عن الأرقام يقصد به أساسا التزلف إلى القيادة السياسية الجديدة باعتبار أن هذا الإقبال الكبير على شهادات الاستثمار يمثل استفتاءا جديدا على السيسي أو ثقة في قيادة مصر حسب ما قال وزير الأوقاف الذي أهان المنصب وأهان الزي الأزهري من فرط تزلفه يوميا للرئيس بصورة فجة وشديدة التكلف وتهين عالم الدين أو رجال الأزهر ، فهل فعلا هذه الشهادات استفتاء على السيسي ؟ في سياق هذا الحدث يكون من الضروري أن نضم له الدعوة السابقة إلى صندوق "تحيا مصر" الذي افتتحه الرئيس السيسي لدعم الدولة في مشرعاتها الجديدة والإسهام في إنقاذ الاقتصاد الوطني ، وحظي صندوق "تحيا مصر" بزفة إعلامية وسياسية أكبر من تلك التي تصاحب شهادات استثمار قناة السويس ، غير أن الحصيلة في النهاية كانت محرجة للغاية لأنها لم تتجاوز المليار وربع المليار تقريبا ، منهم مليار كانت القوات المسلحة قد أودعته في الصندوق لتشجع الناس على الدفع ، لكن أحدا لم يدفع ، حتى رجال الأعمال ، وحتى تلك النخبة المخملية الرائعة التي تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي غزلا في السيسي ومشروعاته الوطنية ، لكنهم عند استحقاق التضحية المتواضع "بالمال" لم يدفع أحد ، واكتفوا باللعب على "الكي بورد" ، فهل يمكن أن نعتبر صندوق "تحيا مصر" استفتاء هو الآخر على السيسي ، وهل يمكن لوزير الأوقاف أن يمسح عارضيه في المجالس ويقول أن امتناع الناس عن الإسهام فيه يعود لعدم الثقة في القيادة السياسية ؟!! . ما يحدث في شهادات الاستثمار ، كناتج إجمالي شيء إيجابي ، باعتباره علامة على رغبة قطاع من الشعب في الإسهام في الأعمال الاقتصادية الجادة والمحددة ، بخلاف مشروع صندوق "تحيا مصر" الذي لم يحدد فيه أي مشروع ، كان مجرد صندوق للصدقات والنذور ، ولكن الفوارق واضحة بين الأمرين ، فشهادات استثمار قناة السويس مشروع استثماري ومحدد ، ومن يشاركون فيه يعرفون أنهم "يوظفون" أموالهم في مشروع تضمنه الدولة ، مقابل عائد هو الأعلى على الإطلاق في مصر 12% ، وهو ما يعني أن من يمتلك مائة ألف جنيه ، يمكنه أن يحصل على راتب شهري قدره ألف جنيه ثابت مع بقاء رأس ماله محفوظا ومعفى من الضرائب ومن أي مخاطرة أخرى ، وهو عرض مغري بالمقاييس الاقتصادية ، غير أنه يعطي أيضا إشارة إلى قدر من الثقة بالاستقرار لدى من يستثمرون هذه الأموال ، لكن السؤال المهم يبقى : هل الأربعون مليار جنيه حتى الآن هي إسهامات مواطنين عاديين ، أم شركات وبنوك ونقابات ، إذ أن ما يتسرب من اعترافات "نادرة" عبر الصحف والفضائيات ، يكشف عن أن شركات وبنوك ونقابات وحتى أحزاب وجامعات اشترت شهادات استثمار قناة السويس بمليارات الجنيهات ، دون أن نعرف حجمها بالضبط ، ولكن ما نشر حتى الآن أنها مليارات ، منها بنك واحد فقط سيل مبلغ ثلاثة مليارات جنيه واشترى بها شهادات ، وهو أمر يدعونا إلى التساؤل حول قانونية ذلك ، وأيضا قيمته ودلالته ، وهل قصد به التغطية على ضعف الإقبال الفردي أم ماذا ؟! أيضا هناك عملية ملاحقة وضغوط عنيفة من أكثر من جهة على المؤسسات الدينية الرسمية والأهلية من أجل إصدار فتاوى تبيح الفوائد على هذه الشهادات ، خاصة بعد أن أثار أحد الدعاة السلفيين المعروفين جدلا واسعا بفتواه عن أن فوائد هذه الشهادات ربا محرم شرعا ، وهي فتوى من شأنها أن تؤثر سلبا على الشهادات بدون شك في مجتمع للدين حضوره القوي وهيبته ، غير أن هناك فتاوى من المؤسسة الدينية الرسمية تقول أن فوائد الشهادات ليست ربا ولا شيء فيها ، إلا أن الجدل أثار غبارا استفز جهات رسمية عديدة ، فأظهرت العين الحمراء لمؤسسات دينية أهلية ولأحزاب لها مرجعية إسلامية ، من أجل التوقف عن إعلان أي فتوى تصف العائد على الشهادات بأنه ربا ، وهو ما يعني أن الدولة تريد أن "تؤمم" الدين أيضا كما أممت القطاع الأهم من السياسة وفضاءاتها.