الأنظمة العربية والإسلامية المتخاصمة والتي تعيش فيما بينها أزمات سياسية ودبلوماسية إلى درجة سحب سفراء التقت بسهولة ويسر على ما هو ظاهر لنا في اجتماع جدة بالسعودية يوم الخميس الماضي ، وهو لقاء نادر، فهل يمكن أن يكون فاتحة خير لاستعادة علاقات طبيعية أخوية؟. ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" أو "داعش" وراء ذلك الاجتماع الذي ضم أمريكا و10 دول عربية، هي دول الخليج الست، ومصر، والعراق، ولبنان، والأردن ، ودولة إسلامية هي تركيا، والمفارقة أن داخل هذه المجموعة البلدان التي تشهد أزمات فيما بينها منذ فترات مختلفة. على طاولة واحدة جلس وزير الخارجية المصري مع نظيريه القطري والتركي، كما جلس الوزير القطري مع نظرائه في السعودية والإمارات والبحرين، وجلس الوزير التركي مع نظيره العراقي، وجلس العراقي مع السعودي. معروف أن هناك أزمة بين مصر من جهة، وكل من قطروتركيا من جهة أخرى منذ عزل الرئيس مرسي ، وقد تبادلت القاهرة وأنقرة سحب السفراء، كما أن السفير المصري في قطر مازال بالقاهرة بما يعني سحبه دون قرار رسمي، وقد ترددت أنباء قبل نحو أسبوعين عن جهود يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للمصالحة بين مصر وقطر، وقد أثارت التفاؤل بانقضاء أزمة عارضة، لكن جاءت القضية الجديدة لمرسي لتخلط بعض الأوراق مجددا. وفي تركيا فإن حكومتها لم تعترف بما جرى بعد عزل مرسي ولا بالنظام الجديد ، وهي دائمة النقد له لكن مع ذلك فعالم السياسة والمصالح متغير، وبعد تنصيب أردوغان رئيسا هل يمكن أن تنتهي تلك الخصومة بين بلدين يمثل كل واحد منهما ركيزة في المنطقة وهل يمكن أن يقوم بدور في حل الأزمة داخل مصر بما له وللدوحة من تأثير؟. جلوس وزير الخارجية القطري مع نظرائه في السعودية والإمارات والبحرين ليس حدثا في حد ذاته، فهم يلتقون في إطار اجتماعات مجلس "التعاون" رغم سحب سفرائهم من الدوحة، لكنه هذه المرة مختلف لأن الموضوع المطروح للتنسيق بشأنه هو محل اتفاق وهو محاربة الإرهاب وليس موضوعا خلافيا كما يحصل في اجتماعات "التعاون" الأخيرة حيث يسيطر عليها تباين وجهات النظر حول القضايا العربية خصوصا، فالدول الثلاث تريد من قطر أن تتبنى رؤيتها وتوجهاتها الخارجية وبالذات تجاه مصر لتدعم النظام الجديد بما يعني فرض رؤاها وسياساتها وهو مالا تستسيغه الدوحة باعتبارها دولة ذات سيادة واستقلالية، لكن المطمئن أن هذا اللقاء يحمل في طياته إشارات تزداد تأكيدا بأن أزمة السفراء انتهت وأن عودتهم للدوحة مسألة وقت، وهذا هو الطبيعي في البيت الخليجي، وعودة المياه الخليجية إلى مجاريها يمكن أن ينعكس إيجابيا على الأوضاع في مصر أيضا. وتركياوالعراق بينهما أزمات منذ حكومة نوري المالكي السابقة وصلت لتبادل الاتهامات العنيفة على خلفية الصراعات الداخلية بالعراق، وربما مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي تزول الأزمات الإقليمية بين بغداد وبين بلدان عديدة في الجوار منها تركيا والسعودية التي وصل الأمر بالمالكي إلى اتهامها بدعم جماعات إرهابية في العراق، وتلك الجماعات هم خصوم المالكي السياسيون، وكان مسلكه هي الهروب للأمام ودمغ كل من يختلف معه بالإرهاب باعتبارها تهمة جاهزة، وكان للسعودية دور في إزاحة المالكي عن رئاسة الحكومة، وقد رحبت بالعبادي على أمل فتح فصل جديد في العلاقات بين بغداد والرياض وأنقرة وبقية العواصم الخليجية والعربية الأخرى التي لم تكن راضية عن سياسات المالكي الطائفية والمذهبية ليعود العراق إلى حضنه العربي الطبيعي. خطر "داعش" ساهم في تجميع الفرقاء على طاولة اجتماعات واحدة حتى وإن كان كل بلد سيشارك في محاربة التنظيم بطريقته، أي ليس بالضرورة أن يحدث تحالف عسكري لخوض حرب برية ضد التنظيم في العراق وسوريا بعد الضربات الجوية من الأمريكان وحلفائهم الغربيين مثل بريطانيا وفرنسا حيث ستكون هناك مهام مختلفة لكل دولة في إطار سياستها ومصالحها. بلدان المنطقة شعرت بخطر هذا التنظيم وتمدده فيها ومع وجود "القاعدة" وتنظيمات جديدة أخرى عنيفة فإن الخطر يتعاظم وبالتالي كان هذا التوافق الجماعي على ضرورة محاربة قمة الخطر اليوم وهو "داعش" ثم محاصرة الجماعات الأخرى للقضاء عليها إذا أمكن ذلك أو تخفيف درجة خطورتها، لكن المواجهة العسكرية والأمنية وحدها لا تكفي، لا بد من مواجهة فكرية تترافق مع إزالة الأسباب التي توفر بيئة حاضنة تنمو وتزدهر فيها التنظيمات المسلحة وتجعل الشباب يتجهون للعنف، وأبرزها المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمارسها الأنظمة المستبدة، وغلق نوافذ الحرية والديمقراطية، واستمرار سياسة الإقصاء والقمع والكبت والمعتقلات والسجون، ورغم الربيع العربي وما أثاره من أحلام بالحرية والعيش والكرامة والعدالة وهو ما كان كفيلا بعلاج أفكار التشدد، ودمج التيارات التي تخاصم الديمقراطية في العملية السياسية إلا أن النتائج حتى اليوم مخيبة للآمال، بل حصل تراجع في تلك البلدان عن أهداف ثوراتها ليهيمن عليها مجددا شبح الاستبداد أو الاقتتال الأهلي، وهذا وحده كاف لدفع البعض مجددا إلى الانعزال، أو التشدد، أو كراهية المجتمع والخروج عليه. إذا كان خطر "داعش" وراء تلك الانتفاضة العربية فإن أمريكا تؤكد مجددا أن دورها مؤثر في تلك المنطقة، إذ بمجرد أن طلبت اللقاء ذهب الجميع وتركوا خلافاتهم وراءهم. نكرر مرة أخرى تمنياتنا أن يكون هذا الاجتماع من طرف بعيد بداية إزالة الخصومات وحل الأزمات وعودة العلاقات والوئام بين المختلفين وهو ما سينعكس فورا وبشكل إيجابي على الأوضاع الداخلية الملتهبة وغير المستقرة في أكثر من بلد عربي. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.