المليونية التي يعتزم البعض القيام بها يوم الجمعة 1/7/20011 تحت اسم:(مليونية تطبيق الشريعة الإسلامية)، تؤكد على مدى انتشار ثقافة الضجيج والهزل في قضية لا تحتمل إلا ثقافة التأمل والجد والفهم والاستيعاب. كما أن الأسباب التي أعلنت فيها الجماعة السلفية بالإسكندرية على لسان ياسر برهامي عدم مشاركتها في المليونية أسباب تحتاج أيضا إلى شئ من المراجعة. ذلك لأن الرفض ارتكز على سببين: الأول: وسيلة التظاهرة المليونية في هذا التوقيت، حيث تؤدي المظاهرات المليونية إلى ضيق الكثيرين مِن أبناء الأمة من هذه الوسيلة، فيتطور هذا الأمر إلى فقد الاستقرار فى البلاد. الثاني: أن البعض ربما يقولون: لم يحضر هذه المظاهرة إلا عدد قليل، فيكون هذا هو حجم المطالبين بهذا الأمر، ويعتبرون الأعداد التى تخرج فى هذه المظاهرات دليل على شعبية ما يُطلب فيها، فتكون محاولة للهجوم على الإسلاميين عمومًا، ولذا فنحن نناشد الداعين إليها، إلى تأجيلها، تحقيقًا لأكبر قدر مِن المكاسب.اه. والظاهر من الكلام أنه في حالة انتفاء العلتين تكون الدعوة لمظاهرة تطبيق الشريعة لا مانع منها. والذي أراه أن مثل هذه الدعوات هزل في موضع الجد، ومن ورائها استعراض لبعض القوى على حساب دعوى تطبيق الشريعة. ذلك لأن الدعوة لتطبيق الشريعة أمر عظيم ملتبس، ويحتاج إلى تأصيل واستيعاب ومعرفة بالخلفيات والآليات والأساليب، وفهم ومتابعة لما أنجزته الأمة في هذا الشأن حتى نبني عليه. فالإمام الأكبرشيخ الإسلام والأزهر حسن العطار طلب من رفاعة الطهطاوي أن يحضر قوانين نابليون ويترجمها. ثم جاء العالم الأزهري مخلوف المنياوي فطابق قوانين نابليون بالقوانين الإسلامية ومقررات مذهب الإمام مالك فوجد تطابقا في 75%، وأصدر المقارنات التشريعية في أربعة مجلدات. بعده جاء العلامة حسين التيدي وفعل هذا في مذهب السادة الشافعية، فصدر له المقارنات التشريعية في مجلدين. وفي هذا الصدد أيضا فإن مجلة الأحكام العدلية صاغت مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة في عدة قوانين، هذا بخلاف كتابات المرحوم السنهوري في كتاب مصادر الحق. ثم جاء أستاذنا المستشار مصطفى السعفان أمد الله عمره وقام بعمل دراسة حول تطبيق الشريعة في مصر، جمع فيها 700 شبهة تحول دون تطبيق الشريعة، وأخذ يدرس كل شبهة على حدة ليرد عليها. هذه بعض فقط بعض المجهودات التي بذلت في قضية تطبيق الشريعة، نغفلها ونتجاهلها ونظن أن الأمر يتم بمظاهرة في التحرير، أو بقرار يقول: سوف نطبق الشريعة، فنصبح وقد رأيناها مطبقة. والسبب وراء ذلك أن تطبيق الشريعة كما هو شائع ومنشر في الأدبيات المعاصرة عند المسلمين وغيرهم، معناه تطبيق الحدود العقابية إزاء الجرائم خاصة الزنا والسرقة، دونما استيعاب كامل لمفهوم تطبيق الشريعة، ودونما بحث ولا استقصاء ولا بناء على الجهود التي بذل فيها السابقون أعمارهم، بل هدمٌ لهذه الجهود فيما يدعى الآن بترك المذاهب الفقهية الأربعة، واستبدالها بما يسمى منهج أهل الحديث في الأحكام، هذا الهدم الذي رزئ به الفكر الإسلامي حديثا أنشأ سدودا بين الأمة وبين الفهم الكامل المستوعب للشرع الشريف. إن الدعوة الحقيقة الممنهجة لتطبيق الشريعة تبدأ من جمع هذه المؤلفات ونشرها وتيسيرها ومساعدة المستشار سعفان في الرد على ال 700 شبهة، وخلق جو عام لفهم كلمة تطبيق الشريعة بأبعادها الكلية، ومفهومها، وآلياتها، ومعوقاتها، ونسب تطبيقها، وألا نحول بيننا وبين هذه الدراسات لعدم انحسار المد المعرفي مع أسلافنا بل مع الأمم المجاورة. في هذه الحالة ترد كلمة (تطبيق الشريعة) على ألسنتنا ومنابرنا ومظاهراتنا ونكون قد استوعبناها وفهمناها وتصورانا. إن لم يحدث ذلك فإن مثل الذي يطالب بتطبيق الشريعة في مظاهرة كمثل أعجمي نطق بكلمة عربية دون أن يدريها. كما أن من يريد أن يطبق الشريعة حقا، فعليه أن يدخل إليها من باب الدفاع عن الحرية والديمقراطية وقبول الآخر وإعلاء قيم العمل والإنتاج والتسامح بحيث تصبح تلك مرحلة التأسيس، وبعدها الانطلاق. [email protected]