تميز تلفزيون "الريادة" بزعامة كبيره صفوت الشريف وتلميذه المجتهد أنس الفقي بانعدام المصداقية وغياب الموضوعية والانحياز الأعمى والافتقار لأدنى معايير المهنية خاصة في تعامله مع خصومه ،وكنا نتوقع أن تتغير هذه السياسة بعد الثورة،ولكن يبدو أن عدوى "الريادة "هي التي انتقلت إلى القنوات التلفزيونية الأخرى . فمنذ عدة أيام أثناء متابعتي لقناة التحرير والتي أستبشرنا بها خيرا لما تضمه من أسماء لامعة وتجهيزات فنية عالية الجودة ووجوه شابة واعدة وأفكار جديدة وجريئة ، إلا أننا لاحظنا استمرار نفس إسلوب الهجوم التقليدي على الخصوم ولكن هذه المرة بشكل أكثر سفورا وأقل مهنية . ففي إحدى حلقات "في الميدان" والتي كان يقدمها محمود سعد ، فجأة وبدون سابق إنذار وبدون أي علاقة وجدنا محمود سعد يعلن احترامه للشيخ إبي إسحق الحويني ولكن ذلك لم يكن لوجه الله ولكن كان مقدمة لحملة شعواء عليه وعلى تصريحاته عن" الجهاد" وفعلا بث البرنامج مقطعا صوتيا للحويني مدته حوالي دقيقتين يتحدث فيه فعلا عن الجهاد وبعض العبارات التي قد تبدو مثيرة للجدل .وكان واضحا أن المقطع أُخذ فعلا في غير سياقه حيث لم يتضح الموضوع الأصلي للخطبة أو ماذا كان يقصده الشيخ بالضبط وهل هذا كان رد على سؤال أم ماذا؟ أي أن برنامج في الميدان قدم لنا مثالا عمليا لكيفية الاختزال والقص واللزق على طريقة و"لا تقربوا الصلاة" المشهورة بالإضافة إلى التعليق الموحي الذي صاحب الفقرة وهو " استمرار التصريحات المستفزة للسلفيين ". كل ذلك غير مستغرب ومعتاد من إعلام ما بعد الثورة الذي يسيطر ويهيمن عليه تيار واحد ،ولكن ما حدث بعد نشر المقطع هو الذي كان يمثل الكارثة التي لايمكن السكوت عنها ،وهوتعليق الاستاذ محمود سعد الذي قال " السؤال هنا ،هل نسمح لهذا التيار الذي يرى البعض –انه حيودي البلد في داهية – أن يدافع عن نفسه أم نتجاهله " وبالفعل تجاهله البرنامج ، فقد كان من الطبيعي أن يعطي معد البرنامج الفرصة للشيخ الحويني ليرد بنفسه على الاتهام والأمر لن يكلفهم سوى اتصال هاتفي بقروش قليلة وبالتأكيد لن يمانع الحويني في الرد أو حتى إذا رفض فقد كان باستطاعة البرنامج أن يستغل هذا الرفض في تدعيم موقفه ويقول إنه رفض الرد والمشاركة في البرنامج ، ولكننا فوجئنا باستضافة ضيف آخر يمثل من وجهة نظر البرنامج الوسطية ليرد على المقطع ،أي ان البرنامج سار في اتجاه الرأي الواحد ولم يستح أن يتصنع حتى من أجل إظهار الرأي الآخر . الهدف هنا ليس مناقشة ما قاله الشيخ الحويني أو الدفاع عن تيار معين ، فالحويني قد رد بنفسه بالفعل على هذه الاتهامات والرد موجود على اليو تيوب لمن أراد ،ولكن ما يهمنا هنا هو الخطاب الإعلامي الذي يتبع سياسة الإقصاء والاستعلاء والذي وصل لدى بعض التيارات وفي مقدمتها الليبرالية والعلمانية إلى أقصى مداه ، فلا تستحي هذه التيارات أن تمارس ما يمكن أن نطلق عليه "سياسة التطهير العرقي الإعلامي "بكامل معانيه. نعترف جميعا بأنه ليس هناك إعلام محايد مائة بالمائة ولكن هناك وسائل مهنية يمكنك أن توصل بها وجهة نظرك للمشاهدين وفي نفس الوقت تحترم عقولهم بالإضافة إلى مهنيتك . ولكن أن يتم إلغاء جميع المعايير المهنية ، بداية من إثارة قضية من لاشئ ، ناهيك عن شبهة الفبركة ، ثم تحول المذيع إلى طرف في القضية يكيل الاتهامات بل ويمنح ويمنع الحقوق ،والمفترض أن يكون المذيع محايدا يسعى لاستقصاء الحقيقة ، ثم حرمان المتهم من أبسط حقوقه ألا وهو حق الدفاع عن النفس – فمثلا المتهم بالقتل العمد ، يعطى له حق الدفاع عن نفسه ، فما بالك باتهام عشوائي قد يحتمل اللبس أو الخطأ – وأخيرا حرمان المشاهد من حقه في الحكم بنفسه على القضية عن طريق استضافة الرأي والرأي الآخر . أعتقد أنه على كل من يعمل في هذا المجال أن يراجع نفسه ، ويحاول أن يفهم ماذا يرُاد منه ، فرجل مثل محمود سعد رأينا منه خيرا كثيرا خلال تقديمه لبرامجه السابقة سواء على تلفزيون "الريادة" أو غيره وكانت له مساهماته الايجابية لخدمة المجتمع ، كما كان أيضا من المذيعين القلائل الذي رفضوا مهاجمة شباب الثورة رغم الضغوط التي تعرض لها ، فلنأمل أن يحاول الجميع المحافظة على رصيدهم ومصداقيتهم ولاينساقوا مع التيار . إعلامي مصري