يصل الهوس لدى بعض من يرفضون الاعتراف بإرادة الشعب المصري التي تجلت بوضوح في استفتاء 19 مارس إلى حد أن ينكروا وجود الآخرين في البلد تماما ، وأقصد بالآخرين تلك الجموع والغالبية التي تؤكد على احترامها لاختيار الشعب وإرادته الحرة وضرورة الالتزام بنتائج الاستفتاء الدستوري ، فتجدهم يتحدثون بلغة أن مختلف أطياف القوى السياسية والوطنية ترفض أو تتحفظ على إجراء الانتخابات البرلمانية أولا ثم إنجاز الدستور ، أو يقولون ببجاحة منقطعة النظير أن "الجميع" يريد الدستور أولا ، مثل هذه الجمل والكلمات تقابلها كثيرا هذه الأيام في مختلف صحف "رجال الأعمال" الخاصة ، وهو ما يعني أنهم يصادرون وجود الخلق ابتداءا ، أنت مختلف معهم فأنت غير موجود ، هذه هي المعادلة . أيضا من معالم الهوس انتشار "الدجل" السياسي والإعلامي للترويج لحملات تضليل الرأي العام ، مثل أن يتحدث بعضهم علانية عن أن هناك "خمسة وثلاثون حزبا وائتلاف" سياسي يطلبون تأجيل الانتخابات أو يطلبون اللجوء لمجلس الدولة من أجل النظر في حل الإشكال ، والحقيقة أن من تقدموا بالطلب هم حزب واحد هامشي وبقية هذه الأرقام عبارة عن مجموعات صغيرة من الذين تجمعهم عادة بعض مقاهي وسط القاهرة ، ولا يملكون أي وجود قانوني أو شرعي ولا شعبي ، ولا يتجاوز عدد كل مجموعة عشرة أو عشرين شخصا ، ومن الممكن وفق هذا المنطق أن يصدر البعض بيانات مقابلة تتحدث عن مائة وخمسين حزبا وائتلافا يطالبون باحترام إرادة الشعب والالتزام بنتائج الاستفتاء الدستوري ، وسيكون صادقا تماما بنفس المقاييس والمعايير ، بل الحقيقة أنه يمكنه الحديث بلغة آلاف الأحزاب والقوى والائتلافات. والحقيقة أني أستغرب اللجوء إلى مجلس الدولة من أجل النظر في هل يجوز الالتزام بنتائج الاستفتاء الدستوري واحترام إرادة الشعب ، أم يمكن لنا تجاهل ذلك كله ، وسؤال الجمعية العمومية للفتوى والتشريع في المجلس كما هو مقدم من بعض اليساريين يحمل روائح الديكتاتورية في أسوأ صورها والتحريض على الشعب وصوته ، فالسؤال محصلته هي : هل نقبل بالاستفتاء الدستوري ونتيجته أم نعتبر أن قرار المجلس العسكري بالإعلان الدستوري نسخ هذا الاستفتاء واستعمل سلطاته في فرض دستور جديد مؤقت ، ولما كان طالب السؤال يؤيد رفض نتائج الاستفتاء ، فالمشهد يصبح شديد الوضوح والفجاجة ، وهو طلب تأييد أي قرار من العسكريين بإلغاء إرادة الشعب حتى لو كان استفتاء دستوريا ، وهو ما يفتح الباب مستقبلا إلى تفويض الجيش بإبطال أي استفتاء آخر أو دستور آخر ، لأنك أسست لسابقة ، كما أنك اعتبرت أن الجيش له صلاحيات إلغاء إرادة الشعب إذا رأى أن الأصوب من وجهة نظره أن يهدر إرادة الشعب ، وباركت ذلك بكل برود. كل هذه الألاعيب , وكل ذلك الهوس ، يمثل فضائح حقيقية لم يتورطون فيه ، وعارا سيبقى لأمد بعيد لصيقا بأولئك الذين استسهلوا الاستخفاف بالشعب وإرادته ، أو أولئك الذين يديرون حواراتهم وأفكارهم ومقترحاتهم وتوصياتهم باعتبار أن الشعب غير موجود ، وأنهم يتحدثون نيابة عن مصر ، وهو لون من الدكتاتورية الناعمة في أسوأ نماذجها . [email protected]