قد يبدو جيدا لكثيرين ولأسباب يرونها وجيهة ومعتبرة اختفاء الإخوان وحماس من حالة الفاعلية في المشهد المصري والإقليمي,لكن يبقى السؤال : هل من مصلحة لوجودهما بغض النظر عن حبنا أو كراهيتنا؟ ولعله طرح بين حالة ترى ضرورة استمرار الخصومة, وبين حالة ترى امكانية الوصول الى حلول (مبادرة حسن نافعة مثالا), ولست بحاجة لتقديم (غُسل اليد) من الإخوان كما يفعل أخرون كتقدمة لأطروحاتهم, لكنني فعلا مع كرام آخرين ممن قدموا نقدا مبكرا ( من 2006 وما قبلها) لتنظيم الإخوان في بعض الجوانب الفكرية والتنظيمية وفيما يتعلق بممارسات وخيارات, أما الآن فلعلنا ننظر الى الموضوع من زاوية أخرى, لنطرح عدة اسئلة منها : هل الاختفاء مفيدا ؟ هل سيترك فراغا؟ هل ستكون حياتنا داخليا وخارجيا أفضل؟ إنها المصلحة الوطنية للبلاد, وهي المصلحة التي قد تدفع الى ابرام صلح أو سلام حتى بين ألد الأعداء , وليس بين الأشقاء أو بين أبناء الوطن الواحد .. الدولة والإخوان رأت الأنظمة المتعاقبة في مصر وغيرها ضرورة وجود الإخوان على الساحة حتى في ظل اشد الأوقات خصومة, فقد حدث تعاون بين ناصر والإخوان في 1952 للإطاحة بالملكية, ثم كان الفراق, ومع ذلك حافظ ناصر على علاقة ما مع الإخوان في ظل خصومة بالغة, واستعان ببعض رجالهم في مواقع مختلفة في الدولة, وكان يردد أنه ليس ضد الإخوان بالمطلق لكنه ضد المتشددين منهم, أما السادات فقد رأى لهم دورا في تحقيق التوازن المجتمعي حتى لا يطغي تيار على تيار, وكذلك رأى مبارك الأمر نفسه, وزاد عليه أنه اعتبر أن وجودهم مهما كفزاعة , بهذه السياسات أستطاعت الأنظمة المتعاقبة تحقيق التوازن المجتمعي بل والاستفادة منه, فقد يبدو التنوع لبعض الناس مزعجا لكنه لا يخلو من فوائد.. هل من فائدة لوجود الإخوان؟ قل في الإخوان ما تشاء,عن حب أو كراهية ,مدح أو ذم ,لكن تبقى حقيقة أن الإطار الفكري الجامع لهذا التنظيم هو إطار شعبي سني وسطي معتدل, قد لا يستطيع القيام به غيرهم, ولا يمكن لمؤسسة رسمية كالأزهر أن تحل محل تنظيم شعبي يحتضن الفكرة, ولقد ساهم تنظيم الإخوان في نشر فكر الأزهر دون طلب من الأزهر أو من الدولة, ولكنه حدث تلقائيا للتلاقي الفكري لمفهوم الوسطية, لذلك لم يكن غريبا أن يضم التنظيم علماء كبار واساتذة وطلاب من الأزهر .. ولقد أدى هذا النهج للإخوان الى انتقاد كثير من السلفيين لفكرهم (وللأزهر ايضا بوصف رجاله بالأشاعرة) كما انتقدتهم التنظيمات الجهادية باعتبارهم لم يتخذوا مسلك جهاد الأنظمة وحربها .. 25 يناير 2011 وما بعدها انتقد كثير من الشباب الثائر من اليساريين وغيرهم اداء تنظيم الإخوان بعد 25 يناير, واتهامهم بأنهم تنظيم اصلاحي لا ثوري, ولو نظرنا الى مشاركة الإخوان في ثورة يناير سنجد أنهم شاركوا فيها بقوة ودعم, لكنهم لم يكونوا من مفجري أحداثها ولا من المنادين بها, ولقد اقمحمهم نظام مبارك اقحاما حين توجهت آلته الإعلامية بصب الاتهامات لهم حتى لا يُقال عن احداث يناير أنها شعبية, وقام باعتقال كثير من قياداتهم فوجد الإخوان انفسهم أنهم هم من سيتتحملون المسئولية في كل حال (واصبح وجههم للحائط) فكان ما كان . التنظيم الواحد أم التشظي ؟ قد يبدو وجود تنظيم متماسك كتنظيم الإخوان خيارا سيئا للمنافسين, ولكن دعنا ننظر للموضوع (كما أسلفنا) من زواية أخرى,فالتنظيم المتماسك خير من التشظي, لقد استطاع نظام مبارك التواصل الدائم مع الإخوان بطريقة ناعمة احيانا وبطريقة خشنة في أحيان اخرى, فكانت الجماعة محظورة بينما كان مرشدها ومكتبه مفتوحا يستقبل الزائرين من داخل البلاد وخارجها, وكان بعض الإخوان يُحاكمون أمام المحاكم العسكرية وبعضهم اعضاء في مجلس الشعب, وبلغ التفاهم مع أمن الدولة وكذلك الحوار مبلغا كبيرا في تنظيم بعض الفعاليات, منها على سبيل المثال الوقفة الكبيرة أمام مسجد الاستقامة بالجيزة لدعم المقاومة بقيادة حزب الله اثناء العدوان الاسرائيلي على جنوبلبنان, وفاعلية استاذ القاهرة الكبرى لدعم العراق وغير ذلك من الأمور الفرعية التي تخص الأحياء والمناطق والمكاتب الإدارية المختلفة والانتخابات الداخلية للجماعة .. وكانت التفاهمات (الى حد كبير) في تحديد نسب المشاركين في انتخابات البرلمانات المختلفة وهذا يعني أن التنظيم كان (الى حد ما) جزء من منظومة الدولة, وهذه أحدى فوائد التنظيم المتماسك, أما إذا تشظى التنظيم, وتسللت أفكار يائسة نتيجةاغلاق كل المسارات (الحزب والجماعة والمقار والوجود نفسه, فضلا عن الاعتقال والحبس ومصادرة الأموال وغلق الجمعيات والشركات والمطاردة لكثير من أفراد الجماعة) فهو خطر بالغ, إنه يعني دفعهم من مربع (الإصلاح) الى مربع (الثورة) أو دفعهم دفعا نحو العنف,حين يؤمنون أنه لا طريق غيره, وخطورة هذا الأمر يتجاوز مصر الى غيرها, فالفكر واحد, وستكون التجربة ماثلة للعيان.. وقد ترى بعض الدوائر التي تقدم النصح لصناع القرار أنه توجد مصلحة في وصم الجماعة بالعنف بناء على احداث حقيقية حتى تظل مبررات المواجهة قائمة ومشروعة ومتفهمة داخليا وخارجيا, لكنها تظل مغامرة غير محسوبة النتائج, وخارجة عن نطاق التحكم والسيطرة.. وقد نجد أنفسنا قد استبدلنا جماعة واحدة موصوفة من بعض المراقبين بالاعتدال (وكان هناك سبيل للتفاهم معها كوحدة واحدة) الى عدة جماعات متناثرة .. وقد يتضرر أي تنظيم بالضربات الموجهة له أو يضعُف لكن فكرته لا تموت, وفكرة العمل للإسلام ستظل قائمة, وستجد الأجيال التالية طرقا جديدة تتفادى فيها التجارب السابقة التي رأت فيها الفشل والقمع ..وتجربة "داعش" لست منا ببعيد ! وأخيرا, لقد كانت الجماعة أمام استحقاق كبير من اعضائها صوب قياداتها للمحاسبة والمراجعة, لما يمكن تسميته (إصلاحها) وقد تأجل هذا كله, وتماسك التنظيم مرة أخرى (كعادته) مع كل حالات المظلومية .. وهل من فائدة لحماس ؟ مقولة لعلها تُلخص الامر كله : (لو لم تكن حماس موجودة لاخترعها النظام للحفاظ على مصالحه) ..كيف؟ 1/ للنظام علاقات معروفة باسرائيل, وتظل حاجة اسرائيل للنظام المصري (اي نظام) قائمة كلما بقيت على أرض فلسطين مقاومة,فهب ان المقاومة قد اختفت فما حاجة اسرائيل لمصر؟ وما هو قيمة الدور الاقليمي لها, وفيما يهرول لها الأمين العام للأمم المتحدة والوزير الأمريكي ومسئولون اوربيون وصينيون وغيرهم ؟ 2/ ثم من باب الأمن القومي ,ربما يأمن النظام لاسرائيل الآن, ولكن كيف يأمن لها وهي دولة يُقال عنها انها ديمقراطية ويتم فيها تداول السلطة, وقد يأتي للحكم حزب متطرف, يؤمن بدولة اسرائيل من النيل للفرات, ودون النظر الى الأمور العقدية الثابتة هنا أو هناك, لكن من باب المصلحة فقط ,هل من مصلحة مصر وامنها القومي أن يكون بينها وبين اسرائيل كيان "مناكف" لهم أم متعاون ومتصالح معهم ؟. 3/ أليس من مصلحة مصر وأمنها القومي ودورها الاقليمي أن تنشغل اسرائيل بالمقاومة الفلسطينية لأنها لولم تنشغل بها فربما تنشغل بغيرها بعد الفراغ منها, وخاصة أن اسرائيل لا تتماسك قواها الداخلية ( شديدة التناقض) إلا في حالات الحرب ؟ 4/ قد يقول قائل إن للمقاومة اطماع في سيناء وهذا خطر على أمن مصر القومي ( وهذا الكلام مردود عليه) لأن الفلسطيني يحب أرضه ويتمسك بها, وكم رأينا كثيرا من العالقين من الفلسطينيين عند المعابر يعودون في وقت الحروب بدلا من الفرار منها, وقد لا يخرج منها وقت الحروب إلا من هو مرتبط بعمل وتأشيرة يخشى فواتها, أو جريح لا يجد علاجا أو طالبا يريد استكمال دراسته, وفي حادثة اقتحام المعبر منذ سنوات وجدنا أن من اقتحم المعبر عاد من فوره بعد أن ابتاع حاجياته من سيناء, بمعنى أنهم لا يريدون العبور (للتوطين إنما لقضاء حاجياتهم) .. ثم دعنا نتجاوز هذا كله ونفترض جدلا أن للغزاويين مطامع في سيناء, فهل في المقابل لا توجد مطامع لاسرائيل في سيناء ؟ وإذا سلمنا جدلا بمطامع الفلسطينيين ( وهذا غير صحيح وغير وارد , وفي التاريخ ألف شاهد) : أليس مطامع الفلسطينيين (إن صحت) أهون من مطامع الاسرائيليين ؟ 5/ قضية فلسطين هي أخر حجر في جدار الوحدة العربية, فما بين الأنظمة العربية من تناقضات حتى للمتحالفين مع بعضهم بعضا لا تجعل وحدتهم أمرا هينا , لتضارب كثير من المصالح , لكن تبقى قضية فلسطين هي قضية الوحدة العربية, وهي التي يمكن ان نتقدم بها للعالم ككيان عربي واحد يحظى بالنظر والاهتمام,فهل لنا أن نعمل على ضياع أخر ما تبقى لنا من بنيان وحدتنا ؟ 6/ واخيرا وبا ختصار شديد ..أليست حماس درعا بشريا على حدودنا ؟ وفي الختام : لقد لجأت تركيا (لتنهض) وتنتقل من مربع "التخلف" الى مربع "التقدم" الى اعتماد سياسة "تصفير المشاكل" داخلها ومن حولها [كتاب "العمق الاستراتيجي" لأحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا، والذي تناول فيه سبل تأمين الأمن القومي التركي، وكيفية توظيف تركيا لموروثها التاريخي] ولقد حاصرتها بعد ذلك المشاكل لكنها حاصرتها بعد أن اصبحت أقوى وأقدر على احتمالها, ولعله حري بنا لننهض أن نضع مرجعا فكريا "لتصفير المشاكل داخليا" ومن حولنا لننهض.. نحن بحاجة احيانا الى نستمع الى حديث خارج السياق العام , وهو ما لم تستمع له الجماعة يوما من بعض اعضائها فتركوها أو تركتهم, ولعلنا نتفادى ما فعلت فنسمع حينا لحديث خارج السياق, لعل فيه مصلحة, قد يرى كثيرون فائدة لغياب الإخوان وحماس من المشهد, لكن الغياب لا يعني القضاء عليهما, إنما يعني اتخاذهما طرقا أخرى للاختفاء والظهور .. إنها باختصار فكرة [النفق], قد تستطيع بالقوة غلق كل الطرق الطبيعية و"المرئية"(بحرا وبرا وجوا) وهذا لا يعني القضاء على ما تظنه مشكلة, لكننا ندفع الأخر ( ليعيش ويكون) الى انفاق ومسارات اخرى, .. فهل من متدبر ؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.