حين قضى السلطان الأشرف بن خليل قلاوون على أخر الممالك الصليبية فى 24/7/1293م بعد استيطان دام 176 سنة(1097-1293م) لم يكن الروائى الإسرائيلى( أبراهام يهوشوا) قد كتب روايته (فى مواجهة الغابة) بعد..ذلك أنه كتبها فى ستينيات القرن العشرين .!! وحين كتب الكاتب الاسرائيلى (يورى افنيرى) عن أن أحد أسباب(القضاء )على الممالك الصليبية هو ذلك الصراع بين( المسيحيين الفرنجة من جهة وأبناء المسيحيين العرب بمختلف طوائفهم من جهة أخرى ..الأمر الذي أضعف مجتمع الفرنجة الاستيطاني.).لم تكن( داعش )قد بدأت فى ترويع (المسيحيين العرب) فى الموصل وتهديدهم بالهجرة أو الجزية أو القتل بعد!!؟؟ ..ذلك أن افنيرى كان قد كتب هذه الدراسة فى كتاب صدر له سنة 1968م بعنوان(إسرائيل بدون صهيوينة).!! تتناول قصة(في مواجهة الغابة) الحالة النفسية لطالب اسرائيلى عين حارسا لغابة غرسها الصندوق القومي اليهودي في موقع قرية عربية أزالها الصهاينة مع ما أزالوه من قرى ومدن. ورغم أن هذا الحارس ينشد الوحدة إلا أنه يقابل عربياً عجوزاً أبكم من أهل القرية يقوم هو وابنته برعاية الغابة،وتنشأ علاقة (حب وكره) بين العربي والإسرائيلي فالإسرائيلي يخشى انتقام العربي الذى أصيب بعاهته أثناء عملية (الإبادة العرقية) التى قام بها الصهاينة عام 1948. ولكن وعلى الرغم من هذا يجد نفسه منجذباً إلى العجوز العربى بصورة غير عادية بل يكتشف أنه يحاول بلا وعي مساعدته في إشعال النار فى الغابة. وفي النهاية عندما ينجح العربي في أن يضرم النار في الغابة يتخلص الحارس من كل مشاعره المكبوتة ويشعر براحة غريبة بعد احتراق الغابة أى بعد( نهاية إسرائيل..) ابراهام يهوشوا مولود فى القدس عام 1936م وهو من أهم واشهر الأدباء الإسرائيليين وله رواية أخرى شهيرة اسمها(بأثر رجعى) صدرت عام 2012م يبرز فيها مشاعر الخوف والحيرة التي تسكن الناس فى إسرائيل في ظل عدم الاستقرار.. والتساؤل الدائم عن العدو المجهول، يورى أفنيرى الكاتب وعضو الكنيست السابق كان من المستوطنين الصهاينة الذين أدركوا منذ البداية استحالة تحقيق المشروع الصهيونى. منذ الخمسينات وهو ينشر مجلة بعنوان (هذا العالم) تخصصت فى توجيه النقد للسياسات الصهيونية. على الدوام كان أفنيرى يحذرهم فى إسرائيل من مصير (الممالك الصليبية) التى لم يبق منها سوى بعض الخرائب. وفى كتابه الذى أشرت إليه عقد مقارنة مستفيضة بين (الممالك الصليبية) و(إسرائيل) وأكد أن النهاية واحدة .. عام 1983م بعد غزو لبنان نشر فى مجلته مقال بعنوان(ماذا ستكون النهاية؟)قال فيه: أن الممالك الصليبية احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها إسرائيل.. وأن الصليبيين كانوا قادرين على كل شيء إلا العيش في سلام لأن الحلول الوسط والتعايش السلمي كانا غريبين على التكوين الأساسي للحركة الصليبية. وحينما كان جيل جديد يطالب بالسلام كانت مجهوداتهم تضيع سدى مع قدوم تيارات جديدة من المستوطنين من أوروبا الأمر الذي يعني أن الممالك الصليبية لم تفقد قط طابعها الاستيطاني. كما أن المؤسسة العسكرية الاقتصادية (الصليبية)..قامت بدور فعال في القضاء على محاولات السلام فاستمر التوسع الصليبي ثم بدأ الإرهاق يحل بهم حتى كانت النهاية . يوري أفنيري كتب مؤخرا مقالا مهما على موقعه يتناول فيه الاعتداء الوحشى الجارى الأن على غزة .. قال فيه ( أن كافة الخبراء الإسرائيليين يتفقون على أن سقوط حماس سيضع قطاع غزة تحت سيطرة (منظمات إسلامية متطرفة ) بما سيؤدي إلى إغراق القطاع في الفوضى .. وهو ما لا يحبذه أولئك الخبراء . ومن أقوى وأشد ما جاء فى المقال المقارنة التى عقدها بين الغارات الألمانية الشهيرة على (لندن) فى الحرب العالمية الثانية وغارات اسرائيل على (غزة)..يقول كيف سيبدو التاريخ إذا تمت كتابته على طريقة عملية (الجرف الصلب)؟ الاتهامات التي تكيلها إسرائيل إلى المقاومة الفلسطينية في غزة بأنها تعرض حياة الناس للموت وتستخدم المدنيين دروعا بشرية تصبح اتهامات مشروعة عندما تفرض الحرب .. ونستون تشرشل وضع أهل لندن تحت رحمة قصف الطائرات الألمانية لمدة 5 سنوات مستخدما المدنيين كدروع بشرية في تلك الحرب المجنونة. مضيفا إنه في الوقت الذي كان يتعرض فيه المدنيون للقصف بدون (قبة حديدية) كان تشرشل يختبئ في مخبئه تحت 10( داوننج ستريت ) واستغل كل سكان لندن كرهائن !!. وعندما عرض الألمان (هدنة) رفضها مسببًا معاناة لشعبه لم يكن أحد يتصورها. لكن مع ذلك كان الطيارون الألمان رحماء بالشعب البريطاني !!! فقد كانوا يضربون الأهداف العسكرية فقط ويستهدفون منازل الضباط الإنجليز فقط . وقد وجهوا نداءاتهم لأهالي لندن بإخلائها لكن تشرشل كان يدعوهم إلى البقاء في منازلهم وهم استجابوا لطلبه... فى كل الهجوم التى تلقته حماس على مقاومتها (الأسطورية) لم يذكر احد من( الأغاوات) غارات لندن التى استشهد بها افنيرى. افنيرى ولد في ألمانيا و هاجر إلى فلسطين عام 1933..وأنشأ عام 1993 حركة كتلة السلام ..ومن اشهر مقالاته وأروعها فعلا..مقالة بعنوان (سيف محمد)منشورة على موقع (كتلة السلام فى 23/9/2006م ) يرد فيها على البابا بندكت السادس عشر حين قال أن الإسلام انتشر بحد السيف..ومن أقوى ما ورد فيها قوله (في عام 1099غزا الصليبيون القدس وأعملوا في سكانها المسلمين واليهود قتلاً وذبحاً بدون تمييز وذلك باسم السيد المسيح .في ذلك الحين كان قد مضى على احتلال المسلمين لفلسطين400 سنة وكان المسيحيون لا يزالون يشكلون غالبية السكان في البلاد. وخلال هذه الفترة الطويلة لم يبذل المسلمون أي جهد لفرض دينهم عليهم. أما بعد أن طرد الصليبيون من البلاد بدأ معظم السكان يتكلمون اللغة العربية وأخذوا يعتنقون الدين الإسلامي وهم أسلاف معظم فلسطينيي اليوم....وقال ايضا فيها (لا يوجد أي دليل على الإطلاق على وجود أي محاولة لفرض الإسلام على اليهود وكما هو معروف تماماً فقد نعم يهود أسبانيا تحت حكم المسلمين بازدهار لم يتمتع به اليهود في أي مكان من العالم حتى وقتنا هذا تقريباً.) يدرك الإسرائيليون تمام الإدراك أنهم يعيشون على نفس الأرض التى أقيمت فيها (الممالك الصليبية) والتى تحيط بهم خرائب قلاعها القديمة.التى تذكرهم بهذه التجربة الاستيطانية التى أخفقت وزالت. ومما يعمق من هاجس (نفس النهاية) والكلام هنا للعلامة د/عبد الوهاب المسيرى(أن الوجدان الغربى والصهيونى يوحد من البداية بين المشروع الصليبى والمشروع الصهيونى ويقرن بينهما..فلويد جورج رئيس الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور صرح أن الجنرال اللنبي الذي قاد القوات الإنجليزية التي احتلت فلسطين شن وربح آخر الحملات الصليبية وأعظمها انتصاراً.) ستظل دائما حقيقة أن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الصليبى .. العلماء الإسرائيليون لا يكفون عن دراسة المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية للمالك الصليبية والعلاقة بين هذا الممالك والوطن الأصلي المساند له. وقد وجه كثير من الباحثين الصهاينة اهتمامهم لدراسة مشكلات الاستيطان والهجرة التي واجهها الاستيطان الصليبى ومحاولة فهم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت به. يحكى العلامة د/المسيرى انه حضر اجتماع مغلقا فى مركز الدراسات السياسة والاستراتيجية فى الأهرام أوائل السبعينيات كان يحضره الجنرال الفرنسي (أندريه بوفر) الذي قاد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م (والأستاذ هيكل كان مغرما باستضافة القادة العسكريين الكبارالذين خاضوا حروبا فى مصر والشرق..ومشهورة استضافته للفيلد مارشال منتجمرى فى الستينيات..وسأله وقتها السؤال الشهير عن الحرب التى حصل فيها عبد الحكيم عامر وزير الحربية أنذاك على لقب فيلدمارشال(مشير)..وقال له أ.هيكل انه فيلد مارشال سياسى !! ) يقول الدكتور المسيرى أن الجنرال الفرنسى ذهب لزيارة إسحق رابين في منتصف يونية 1967 بعد انتهاء الحرب بعدة أيام وبينما كانا يحلقان فى سماء سيناء والقوات الإسرائيلية المنتصرة فى طريق عودتها إلى إسرائيل بعد أن أنجزت مهمتها قام الجنرال (بوفر) بتهنئة رابين على نصره العسكرى.. ففوجىء به يقول له :ولكن ماذا سيتبقى من كل هذا؟)يقول الدكتور المسيرى:فى الذروة أدرك الجنرال المنتصرأن(النهاية على عتبات الأبواب ).. تذكرنا غزة وحماس الآن ب (جيش الحفاة) فى فيتنام الشمالية الذى هزم (الجيش الأمريكي) المسلح بأحدث الوسائل القتالية.... جيش الحفاة كان يملك ما لا يملكه الجيش الأمريكي...كان يملك ( الروح)... التى دفعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار. (الروح )تعنى الإيمان والإرادة والوعى بعدالة النهج ...واليقين بعدم وجود خيار آخر..إلا خيار(الذل) . إذا المر لم ينهض بقائم سيفه **فيا ليت شعري كيف تحمى الحقائق .