المجلس الأعلى للقوات المسلحة يقوم حاليًا بدراسة وتحليل وتصنيف المقترحات المقدمة من مختلف الهيئات والأفراد لطرح منظور جديد ورؤية واضحة لتطوير الإعلام المصري، من أجل النهوض بهذا الإعلام والعودة إلى عصر الريادة. وتطوير الإعلام من القضايا الملحة فعلاً، فنحن أمام نوع من الفراغ الإعلامي لا يقل خطورة عن الفراغ الأمني مازال قائمًا. وهو فراغ إعلامي يتمثل في عدم وجود رسالة إعلامية واضحة وذات هدف بعد أن انقلبت مختلف وسائل الإعلام من اليمين إلى اليسار لتتحول جميعها إلى صحافة صفراء تبحث عن الإثارة علي حساب الحقيقة وتبتعد عن مهمتها الأساسية في تثقيف وتنوير الرأي العام، وتقديم الخبر الصادق والتعليق النزية في كل ما يدور ويتعلق بقضايا الوطن. وهو إعلام سيظل علي حالة من التدهور والتراجع، حتى أنه أصبحت هناك مقولة شائعة في الأوساط الصحفية تقول أن عليك أن تستمتع بالسيئ لأن ما هو قادم أسوأ..! والذين أطلقوا هذه العبارة كانوا يقصدون أنه كلما وقعت تغييرات صحفية علي سبيل المثال فإن من يتولى المناصب القيادية الجديدة يجعل العديد من الصحفيين يترحمون ويتأسفون علي القيادات السابقة لأن هناك انحدارا في المستوي بدلا من التصحيح في المسار والمعايير. وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يبحث عن وسائل تطوير الإعلام المصري فإنه يجب أن يبحث عن قنوات وأساليب جديدة لاختبار القيادات الإعلامية بعيدا عن تقارير الأمن والشللية والاختبارات التي تعتمد علي العلاقات العامة و" خفة الدم " وتعيينات رد الجميل..! فالمعايير الحقيقية يجب أن تتمثل في المهنية والحرفية والخبرة الإعلامية والقدرة علي القيادة وتوظيف طاقات وإمكانيات الجميع. فنحن نفتقر الآن إلي قيادات مهنية حقيقية ذات باع وتاريخ في العمل الإعلامي تملك القدرة علي الإبداع والابتكار وتستطيع أن تقود الأجيال الجديدة من الإعلاميين بفهم ووعي وثقة. فقد شاعت في الفترة الماضية قواعد ومفاهيم جديدة للمهنة سمحت بتحويل العمل الإعلامي إلي مهنة من لا مهنة له، حتى أصبح ممكنا لأي لاعب كرة قدم سابق أن يصبح إعلاميا قديرا بين ليلة وضحاها، ويقوم بتقديم برنامج رياضي في أي قناة فضائية يستمر بالساعات ويقول فيه ما يريد طبقا لثقافته ومعاييره ويصبح قائدا للرأي العام ومحركا للجماهير. ولم يخجل العديد من الإعلاميين وخاصة من الصحفيين أن يتحولوا عن مهنتهم إلي العمل كمندوبين للإعلانات يقومون بجلب الإعلانات لصحفهم نظير عمولات، وتحولوا بذلك من ضمير حي للأمة إلي ضمير نائم يسكت عن الحق وعن الفساد مقابل الحصول علي أموال الإعلانات التي تشتري البيوت والسيارات..! وكان شائعا أيضا أن القيادات الإعلامية التي كانت تفتقر إلي الثقة والخبرة والتي حصلت علي مناصبها عن طريق أمن الدولة، أو عن طريق التسلق والتملق تقوم دائما بإبعاد كل الكفاءات الإعلامية وتحجيمها والتقليل من شأنها لدفعها إلي الرحيل إما عن المهنة وإما إلي خارج مصر وعدم العودة نهائيا. ولجأت هذه القيادات إلي تصعيد كل من لا يملك فكرا أو موهبة ودفعه إلي الصفوف الأولي لكي تكون دائما في مأمن من أن أحدا لن يزاحمها علي القمة وأن الذين رفعت من أقدارهم سوف يظلون دائما مدينين لها ولن يتطلعوا يوما إلي شغل أمكانها أو إزاحتها عن مواقعها. ولهذا امتلئت الساحة الإعلامية بأنصاف الكفاءات والموهوبين، وظهرت مواهب حقيقية في فن النفاق واللعب علي كل الأوتار والأطراف، وتفنن البعض في ذلك حتى أصبح للنفاق مدارس وللمطبلين أحزاب.. واقتحام هذه المنظومة الإعلامية المتهالكة والمنتهية الصلاحية عمل يحتاج إلي معجزة، لأن شلل الفساد والمصالح الإعلامية أصبحت تشكل منظومة يصعب اختراقها، فقد تعددت المصالح وتشابكت، ومن يمدح هذا يجد له مكانا في صحيفة أخري للعمل، ومن يشيد بذاك يظهر علي الفضائيات ويرتفع ثمنه، وكل واحد من هؤلاء ينحاز إلي من يضمن له مصدرا آخر للدخل، والرسالة الإعلامية كلها تحولت إلي عبارة وشطارة، والحقيقة ضاعت بين أقدام لاعبين لا يجيدون فقط إلا استخدام العنف بعد أن غابت عنهم المهارة. إن إصلاح المنظومة الإعلامية المصرية يجب أن يبدأ أيضا بالبحث عن صيغ جديدة لشكل الإعلام الحكومي والمؤسسات الصحفية القومية، فليس مقبولا أو معقولا أن تستمر الحكومة في سياسة تعيين القيادات الإعلامية الحكومية ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية ثم نبحث بعد ذلك عن إعلام يتسم بالتحرر والموضوعية والتجديد..! وفي هذا فنحن ندعو إلي أن تكون هناك صيغة جديدة لإدارة وامتلاك المؤسسات الإعلامية وأن تكون مسئولية الاختيار علي عاتق العاملين بها، لكي يكون علي الفور تغيير القيادات التي لا تحقق نجاحا وانتشارا..! إن هناك العديد من الصحف والمجلات التي تصدر من مؤسسات صحفية قومية ولا يتجاوز توزيع البعض منها عدة مئات من النسخ ويعمل بها جيوش من العاملين، وعلي ذلك ما زالت مستمرة في الصدور ويبحث من يعمل فيها عن حقه في العلاقات والإمتيازات والترقيات بها ويحصل علي ما يريد لأن الدولة اعتادت الرضوخ..ولأن المنظومة كانت كلها فاسدة..وقد جاء أوان التصحيح..! [email protected]