بكل المقاييس ، فإن ما يفعله نفر محدود من " أقباط المهجر " هو جريمة بحق مصر وبحق شعبها : بمسيحيه ومسلميه ، وجريمة بحق مستقبل هذا الوطن واستقراره ، وبحق شعبه وأجياله ! . وبعيدا ً عن أية شبهة للتعصب ، بل وانطلاقا ً من الإيمان بمبدأ المواطنة ، وبالحق المتساوى لكل المصريين ، أيا ً كان دينهم أو عقيدتهم أو أيديولوجيتهم ، فى نصيب من ثرواتها وطيباتها ، أقول ، وبضمير ٍ راض ٍ ، أن إقدام هذه المجموعة الصغيرة العدد ، العالية الصوت ، وفى مقدمتهم المدعو "عدلى أبادير " على جريمة التشهير بمصر ، على النحو الذى يقوم به ، إنما يضر – فى المقام الأول – بمسيحى مصر قبل مسلميها ، وهو لا يخدم ( قضيتهم ) بأى صورة من الصور ، وإنما يسيئ إلى وضعهم الطبيعى فى وطنهم ، وإلى علاقتهم بإخوانهم المسلمين فى مصر ، مصر التى ولدوا على ترابها معا ً ، ودرجوا على مدارجها كتفا ً إلى كتف ، وحاربوا – دفاعا ً عن حريتها – واستشهدوا من أجل انتصارها ، واختلطت دماهم على أرضها جميعا ً . وأسوأ مافى هذه التصرفات ، هو هذا المسلك الأخير ، الذى انتهجه " عدلى أبادير " ، بتقدمه إلى " اللجنة الدولية لحقوق الإنسان " التابعة للأمم المتحدة طالبا ً مناقشة ما أسماه ب " اضطهاد الأقباط فى مصر !! " حيث تم تحديد يوم غد ، الأربعاء 15 مارس 2006 ، لبحث هذه المسألة ، وهو ما يمثل تطور بالغ الخطورة ، يشير إلى أبعاد مدمرة تندفع إليها الأمور ، ولن يكون بمقدور أحد – بعد ذلك – إيقاف تدهورها ، أو منع تداعياتها ونتائجها الكارثية ! . إنه فى ظل حالة الاحتقان الداخلى ، والتربص الخارجى ، سيتم استخدام هذا الأمر كذريعة للتدخل الأجنبى عموما ً ، والأمريكى – الصهيونى على وجة التحديد ، فى الشأن المصرى الداخلى ، وسُتجَيَّشُ جيوش المفتشين والمراقبين لتنفيذ هذا الأمر ، فى ظل " قانون حرية العقيدة " ، ومبادئ " التدخل الإنسانى " ، التى لا تعدو – فى نهاية المطاف – تكئات تستهدف خلق المبررات لزعزعة الدول ، ولإعادة تشكيل خرائطها بواسطة القوى الاستعمارية الكبرى ، والولاياتالمتحدة الأمريكة فى مقدمتها . لا يعنى هذا الأمر أن أقباط مصر ليس لديهم ما يشتكون منه ، مثلهم مثل كل المصريين ، الذين يئنون ليلا ً نهارا ً مما يحيط بهم من مآس ٍ ، وما يثقل كاهلهم من أحمال . فالمشكلة – فى واقع الأمر – ليست فى ما ُيزعم عن " اضطهاد مسيحيي مصر " ، بقدر ما هو فى غياب الديمقراطية والشفافية وفى حكم الفساد والاستبداد ، وفى انعدام مناخ الحرية وحقوق الإنسان ، وأكاد أزعم أنه فى ظل هذه الوضعية فإن كل المصريين فى الهم شرق – كما يقول الشاعر ! . لن تعطى أمريكا ولا الغرب المسيحيين المصريين ، أو غيرهم أمنهم أو أمانهم . . فقط من يعطيهم هذا الحق هو اندراجهم فى معركة تحرير إرادة الوطن من الاستلاب ، ومن البطش والقهر والاستبداد ، وكلما تقدمت جموع الشعب ( بمسلميه ومسيحييه ) خطوة على هذا السبيل ، كلما تحقق مجتمع العدالة والحرية الذى يأمن فيه الكل على عقيدته وأفكاره وحياته ومعتقداته . أما الاستقواء بالخارج ، من هذا الطرف أو ذاك ، وتحت هذه الذريعة أو تلك ، فهو خطيئة كبرى تعالج الأزمة بأزمة أشد ، وتواجه المنكر بمنكر أكبر ، وتترك جراحا ً لا تندمل ، وشكوكا ً لا حاجة لنا بها ! . أخوتنا الأقباط فى سويداء القلب ، وقضيتهم هى قضيتنا – لا فرق – شرط أن ندافع عنها فى شوارع القاهرة ، وبأساليب النضال السلمى ، وتطوعا ً لوجه الله والحق والوطن والحرية . . لا أن نستغلها فى الولاياتالمتحدة والغرب ، بمهمة مدفوعة الأجر تضرب استقلال وطننا فى مقتل ! . وبهذه المناسبة ، فإننى أحيي كتيبة المثقفين الوطنيين من الأصدقاء المصريين الأقباط ، وعلى رأسهم الأساتذة : جورج اسحق ، وسمير مرقص ، وحنا جريس ، ونبيل مرقص ، ومنير عيّاد ، وجمال أسعد عبد الملاك ، والعشرات غيرهم ، الذين يتصدون بوعى لهذا الخطر ، ويدركون أن مصر وطنهم كما هى وطن المسلمين من أبنائها ، وأن قضيتنا واحدة ومصيرنا واحد . [email protected]