كتبتُ مرات ومرات عن الإخوان المسلمين في مصر خلال عهد مبارك، ودافعت عن حقهم في التواجد الشرعي على الساحة السياسية بحكم أنهم موجودون فعلا في الشارع والنقابات والجامعات والبرلمان، بل في كل مكان بمصر. هم جماعة نشطة منظمة أعضاؤها مستعدون لتقديم أي تضحيات من حرياتهم وأموالهم وأرزاقهم وهناءة أسرهم مقابل الدفاع عن أفكار جماعتهم التي يؤمنون بها . نظام مبارك دأب على اضطهادهم ، وقد تصاعد قمعه ضدهم بعد فوزهم الساحق ب 88 مقعدا في انتخابات برلمان 2005، وقدم عددا من قادة وكوادر الجماعة لمحاكمات عسكرية عديدة ، وهى محاكم مرفوض تماما أن يحاكم المدنيون أمامها، لكن من مفارقات القدر أن الجماعة التي استهدفت كثيراً أمنيا وسياسيا وبرلمانيا وإعلاميا وماليا من مبارك خرجت من المحنة منتصرة بينما هزم مبارك ونظامه، وسقط سقوطا مريعا بفعل ثورة 25 يناير التي كان للإخوان شبابا ورجالا ونساء وشيوخا دور مهم ومؤثر في نجاحها. واقعة الجمل خصوصا كانت مفصلية في استمرار الثورة وقطف الثمرة، وكانت مفصلية في انفراط عقد النظام وسقوطه، وقد حمى الإخوان ميدان التحرير رمز الثورة بكل بسالة وجسارة، وقدموا تضحيات من دمائهم في هذه الموقعة حتى اندحر البلطجية والمتآمرون من وحوش النظام السابق والحزب الوطني المنحل وعملائهم من المعارضين المزيفين، وهم الآن قابعون أذلاء في السجن ينتظرون مصيرهم. أدافع عن الإخوان رغم أني لست إخوانيا، لكني مؤمن بالحرية، ولا يمكن لأي إنسان حر أن يخون إيمانه أو أن يكون صاحب وجهين ، والإنسان الحر لابد أن يدافع عن أي جماعة أو فرد يتعرض للظلم والقمع طالما يعمل في النور ولا يتبنى العنف ولا يعتنق أفكارا هدامة ، فالليبرالي الحقيقي هو من يؤمن بحق أي تيار أو تنظيم في العمل والحركة بل والسعي للوصول للسلطة بطرق شرعية ديمقراطية. الإخوان أكثر من تعرضوا لحملات الهجوم الخارج عن حدود اللياقة والأدب وحق الاختلاف السياسي في عهد النظام السابق ، وبعد سقوط هذا النظام وبدء عهد جديد يفترض أنه لا حجر ولا إقصاء فيه لأحد ولا عودة فيه للسياسات والممارسات المرفوضة السابقة، أجد أن الإخوان مازالوا يتعرضون للنقد والهجوم غير النزيه وكأن شيئا كثيرا لم يتغير في المشهد . لقد تصورت أنني لو كنت فتحت صنبور المياه أيام مبارك لنزل مع قطرات المياه من يلعن الإخوان، ولو فتحت نفس الصنبور في عهد الحرية لنزل منه أيضا من يغمز ويلمز في الإخوان، كأن مصر ليس فيها إلا الإخوان، وكان القوى السياسية الأخرى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار قد بنت نفسها وتجهزت للاستحقاقات الكبيرة التي تنتظرها ولم يبقَ إلا الإخوان لتنشغل بهم. عهد مبارك صنع من الإخوان فزاعة وهمية لتعطيل الإصلاح وتجريف الحياة السياسية ومصادرة البلد لمصلحته وتضخيم الدولة البوليسية والحكم بقبضة من حديد وارتكاب كل الكبائر السياسية. والآن في عهد الثورة هناك من يريدون إبقاء فزاعة الإخوان الوهمية بحجة أنهم سيبتلعون مصر ويحولونها الى دولة الخلافة وسيحاربون الإبداع والفكر والثقافة والأدب ويصادرون حقوق المرأة ويمارسون التمييز ضد الأقباط ويعيدون البلد إلى القرون الوسطى . والحقيقة أن جماعة الإخوان تثير الجدل منذ أسسها الراحل حسن البنا عام 1928، وفي عهد الملكية كما في عهد الجمهورية لم يتوقف الكلام والجدل عن الإخوان، ولم يتوقف القمع والملاحقات والاستهداف بحقهم، ولم تخلُ السجون في أي عهد منهم ، ومع ذلك لم ينفرط عقد الجماعة ولم تمت. زالت الملكية وبقي الإخوان. زال مبارك ونظامه الأمني المتوحش وبقي الإخوان، من يصدق ذلك؟، هل يعقل أن يتبخر مبارك ونظامه وهو ما يعني سقوط جمهورية الخوف منذ عهد عبد الناصر مرورا بالسادات وصولا إلى مبارك ويبقى الإخوان؟ . إذن هى جماعة لها جذور شعبية، لها وجود جماهيري، لها مؤمنون بأفكارها وأتباع وأنصار وأشياع يسيرون وراءها ، لها متعاطفون معها، ومحايدون ينحازون إلى مرشحيها. هي جماعة يصعب القضاء عليها، فإذا كانت قد بدأت بشخص واحد اسمه حسن البنا والآن هى موجودة في العالم من شرقه إلى غربه وأعضاؤها وأتباعها بالملايين هل يمكن القضاء عليها ، هي تحكم في بلدان، وتشارك في الحكم في بلدان ، وتعارض في بلدان أخرى، وقد وصل الأمريكان والغرب عموما إلى قناعة بأن الإخوان حقيقة موجودة لا يمكن إخفاؤها، والى استحالة عزلهم سياسيا، والى قبول مشاركتهم في العملية السياسية وفي الحكم . هناك مخاوف من الإخوان إذا وصلوا للحكم، لكن يصعب أن ينفردوا وحدهم بالسلطة في بلد مثل مصر، كما يصعب أن يحول الإخوان مصر إلى دولة دينية مغلقة، فالظرف الإقليمي والدولي لن يتقبل ذلك بسهولة، والأهم أن من يقف خارج الحكم اليوم فإن خطابه وأفكاره ستختلف عندما يدخل الحكم لأنه سيدير بلدا كبيرا وعليه توفير مقومات الحياة للشعب، والتعامل مع بلدان العالم بأنظمته المختلفة. النظام السابق وضع الإخوان في رأسه وعطل مسيرة مصر تماما فكانت نهايته السقوط المريع وبقاء الإخوان، وبعد الثورة فإن القوى السياسية مشغولة بالإخوان أكثر من انشغالها بنفسها وبتنظيمها وببناء أركانها وقواعدها، ولذلك ستبقى هذه القوى غير فعالة وبلا جمهور، بل قد يسقط الكثير منها ويبقى الإخوان الذين يعملون سواء في أيام القمع أو في أيام الحرية، ولذلك لا يلومهم احد إذا كانوا ناجحين ويحصدون كل يوم المزيد من النقاط . أنا لا أخاف الإخوان، وأنا لست إخوانيا، أنا مؤمن بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وضد التمييز والعنصرية والفقر والفساد، وأعتز بديني، وأشاهد التليفزيون وأحب الفن الجميل المصري والأجنبي، ومعجب بالمسلسلات الإيرانية .وإذا وصل الإخوان للحكم في مصر فسيكون ذلك أمرا عاديا لي فلن أنزعج أو أبقى خارج مصر، فهو خيار الشعب المصري وعلي احترام هذا الخيار وعلينا معايشة التجربة فإما أن ينجح الإخوان مثل حزب العدالة في تركيا، وإما أن يفشلوا ويحرمهم الشعب في الاستحقاق الانتخابي التالي من الحكم لتكون هذه هى الديمقراطية وليكون ذلك هو أهم درس في تاريخ الإخوان ليبدؤوا في معالجة أخطائهم وتطوير أفكارهم . أدعو الأحزاب القديمة والجديدة وشباب الثورة وتنظيماتهم الكثيرة وكل من يلعب في الساحة وكل من يريد أن يكون له نصيب في إدارة وحكم مصر في عهدها الجديد أن يكفوا عن الانشغال بالإخوان ويتحولوا إلى الحركة والفعل والوصول للناس في القرى والنجوع والكفور والمدن والأحياء، فمصر ليست ميدان التحرير ولا المكاتب المكيفة بالقاهرة، ومصر ليست مليونيات يوم الجمعة فقط ، مصر فيها أكثر من 44 مليون لهم حق التصويت هم من سيقررون من يحكمهم، والإخوان يسبقون الجميع في الوصول إليهم، افعلوا مثل الإخوان، وكفى تضييعا للوقت وكفى بكاءً على حائط مبكى الإخوان.