أيمنعه من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها (وإن جزئياً)، مَن منع المصلين من أداء فريضة الجمعة في زواياهم ومساجدهم غير الجامعة (دون أن يوفر المساجد الجامعة)، مَن منع غير الأزهريين من ارتقاء المنابر (من غير أن يعين خطباء بدائل لهم)، مَن منع الصائمين من الاعتكاف في بيوت الله كما هي السنة في العشر الأواخر من رمضان (إذ ألزمهم بإجراءات من شأنها أن ترهبهم وتخيفهم)، مَن منع الملصقات التي تُذَكِّر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن تعلق بالمساجد (رغم أننا رأينا مساجد تعلق بها صور من يمجدون) !! أتحدى كل متجاسر على حرمات الله، مجترئ على الله.. أتحداههم جميعاً أن يمنعوا قدوم رمضان... وأتحدى كل من يمنع شعيرة من شعائر الإسلام.. كالذين يمنعون الناس من الحج (لغير معنى التنظيم وتخفيف الزحام)، وكالذين فرضوا على أغلب المسلمين أن لا يؤدوا الزكاة (بما ضربوه عليهم من الفقر والفاقة) وهم من جعلوا ثروات أوطاننا نهبة لكل راغب من أسيادهم الغربيين، حفظاً لعروشهم، فضلاً عما يهلكونه منها في حياة الترف والبذخ ومظاهر السفه وأعمال الفجور !!! أتحدى هؤلاء جميعاً أن يمنعوا قدوم رمضان.. ذلك الميقات الزمني الذي يفرض نفسه فرضاً، فلا هو مرتبط بمكان كالحج وكشعائر المساجد، ولا هو مرتبط بأفعال كأداء الزكاة والدعوة إلى الله.. يجيء رمضان شاء بنو آدم أو أبوا، رضوا أو سخطوا.. يجيء فلا يدع بيت حجر ولا وبر، ولا قيعة ولا جبل، ولا فلاة ولا مرج، إلا دخله.. فيلقاه المحب بما هو أهله وبالبهجة والحبور، ويلقاه الكاره بجرعات مضاعفة من الفجور، وكما روي مرفوعاً : " أظلَّكم شَهْرُكُم هذا؛ بِمحلوفِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ما مرَّ بالمؤمنينَ شَهْرٌ خيرٌ لَهُم منهُ، ولا بالمُنافقينَ شَهْرٌ شرٌّ لَهُم منهُ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ليَكْتبُ أجرَهُ ونوافلَهُ مِن قبلِ أن يُدْخِلَهُ، ويَكْتبُ إصرَهُ وشقاءَهُ من قبلِ أن يُدْخِلَهُ، وذلِكَ أنَّ المُؤْمِنَ يُعدُّ فيهِ القوَّةَ للعبادةِ منَ النَّفقةِ، ويعدُّ المُنافقُ اتِّباعَ غفلةِ النَّاسِ، واتِّباعَ عوراتِهِم، فَهوَ غُنمٌ للمُؤمنِ يغتنمُهُ الفاجرُ " (1). وكذلك الزمن كل الزمن.. من ذا يستطيع إيقافه، من ذا يملك شل حركة التاريخ، أو تعويق مسيرته ؟ فإن البعض يغره بلوغه مآربه، فيتوهم أنها النهاية، أو يوهم من حوله أنها النهاية.. قال تعالى: (وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ) (2)، وذلك البعيد حين يبلغ به حمقه توهم توقف التاريخ عنده، ويغره ظنه أنه قد هيمن وسيطر؛ يأتيه أمر الله.. (حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (3).. فالزمن لا بد دائر دورته.. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (4).. (كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) (5).. (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (6).. كم أنت عاجز أيها الطغيان.. (1) المنذري "الترغيب والترهيب": (2/116)، عن أبي هريرة، وقال المنذري: صحيح أو حسن أو ما يقاربهما. وضعفه الألباني "ضعيف الترغيب": (590)، و"السلسلة الضعيفة": (5082). (2) [إبراهيم: 44]. (3) [يونس: 24]. (4) [آل عمران: 140]. (5) [الدخان: 28]. (6) [الأعراف: 128].